03 اغسطس 2022
نصرالله والنموذج العراقي
يعيش أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، حالاً من القلق والإرباك، على وقع تطورات الأزمة السورية التي تشهد تقهقراً لنظام بشار الأسد على مختلف جبهات القتال، على الرغم من الانخراط القوي والكثيف في المعارك لمليشيا حزب الله، وعلى الرغم من التدخل العسكري المباشر للحرس الثوري الإيراني الذي دفع أكثر من عشرة آلاف عنصر للدفاع عن دمشق. وأول بوادر هذا القلق النزف المستمر في صفوف الحزب، الذي بات يشيع يومياً عشرات من مقاتليه من مختلف قرى الجنوب والبقاع اللبنانيين. وهو أمر لم يعد حزب الله قادراً على إخفائه، مثلما كان يفعل في بداية تدخله في سورية قبل أكثر من سنتين، وراح التململ والاستياء يطفو بوضوح على السطح، لدى قطاعات واسعة من الطائفة الشيعية التي وجدت نفسها في قلب أتون حرب باتت بمثابة محرقة لها في لبنان والمنطقة، إلا أن نصرالله غير قادر على تغيير مجرى الأحداث، ولا حتى التراجع بطبيعة الحال عن تورط حزبه في دور المدافع عن النظام السوري، لأن القرار ليس قراره، وإنما عند ولي الفقيه في طهران.
وبدل البحث عن مخرج، لتحصين وضعه الداخلي على الأقل، وترميم علاقته بالقوى السياسية اللبنانية، مارس نصرالله عملية هروب إلى الأمام، محاولاً استيلاد "النموذج العراقي، عبر تحريض العشائر في البقاع، معلناً أنها "لن ترضى بوجود مسلحين تكفيريين"، يحتلون جرود عرسال اللبنانية. وعلى الفور، انطلقت حملة موازية في البقاع الشمالي، فارتفعت اليافطات، وعقدت الاجتماعات والتجمعات، وبدأت العراضات المسلحة، تأييداً للأمين العام وإعلان التعبئة العشائرية العامة لـ"تحرير الأرض". وما هي إلا أيام قليلة، حتى أعلن عن تشكيل ألوية مقاتلة في محاولة لاستعادة مشهد "الحشد الشعبي" في العراق، وطمعاً، أيضاً، في استمالة مسيحيي المنطقة، فكان أن أطلق "لواء القلعة" (بعلبك وليس اسماً شيعياً).
وكانت المفارقة في هذه الخطوة أن تصدّر الواجهة ثلة من المطلوبين والمتهمين بجرائم قتل، وغيرها من التعديات، الذين أعلنوا تلبيتهم الدعوة، واستعدادهم للقتال إلى جانب مليشيا نصرالله. فتحوّل، على سبيل المثال، المدعو نوح زعيتر، من زعيم عصابة تهريب مخدرات وأسلحة، مطلوب للعدالة وصادرة بحقه مذكرات توقيف، إلى "قائد سرية مقاومة". وأطلّ عبر الشاشات اللبنانية يُعلن استعداده "الدفاع عن الأرض"، ويَعِد بتحويل حقول الحشيشة الواسعة خاصته إلى مراكز تدريب لـ"العمليات المقدسة" ضد التكفيريين.
وقبل أن يتمكن اللبنانيون من نسيان الأيام السود لمختلف الأذرع المسلّحة لعائلات وعشائر، تخطف وتهدّد وتتوعّد، سيعود هؤلاء إلى المشهد، لكن هذه المرة "محرّرين" و"مقاومين". وخبأ شباب من عشائر آل زعيتر وآل جعفر أسلحتهم وهواوينهم، وأجلوا معاركهم العشائرية على مواقف السيارات والنفوذ داخل أحياء مدينة بعلبك، وتفرّغوا لقتال الغزاة على جرود عرسال.
عندها، حاول حزب الله تدارك الأمر، وسارع عضو كتلته النيابية، النائب علي المقداد، إلى التأكيد أن الحزب "لم يطلب من أحد إعلان النفير العام"، موضحاً أن "الحركة التي ظهرت على الشاشات ردات فعل عفوية على كلام نصرالله، ولا تتعدى إطار التأييد، وأن "اجتماع جميع العائلات الذي حدث، في الأيام الأخيرة، هو ضمن لقاءات فردية، أجمعت على رفض الفتنة في المنطقة"، لكنه لم ينكر "حدوث بعض الأمور غير المنضبطة". وأسوأ ما كان يمكن أن يواجهه "حزب الله" وجمهوره أنه، بعد مرور أربع وعشرين ساعة على إعلان التعبئة العامة، ودعوة العشائر إلى القتال، وخلال تشييع عناصر للحزب في الضاحية الجنوبية من بيروت، سقطت في سورية، لم يتردد مجموعة من النازحين السوريين المنتشرين بكثافة في المنطقة، ويعملون بائعين جوالين بحماية الحزب، من المجاهرة بعدائهم بشار الأسد، وتأييدهم الثورة السورية، فحصل صدام بينهم وبين أهالي الضاحية وعناصر أمن الحزب، أدى إلى وقوع جرحى، وفاحت منه رائحة العنصرية البغيضة والتعصب المذهبي المقيت.
وترافقت هذه الدعوة إلى الانخراط في قتال من يعتبرهم نصرالله "إرهابيين وتكفيريين" في عرسال (هناك نحو مائة ألف نازح سوري في البلدة)، مع تصعيد في الخطاب السياسي، ومحاولة الضغط على الحكومة اللبنانية، لدفعها إلى إقحام الجيش في معركة مواجهة مع جبهة النصرة وتنظيم داعش للسيطرة على عرسال (السنية)، من أجل فتح ممر لتخفيف الضغط عن الجيش السوري، وضمان السيطرة على الخط الساحلي، من القلمون مروراً بحمص وصولا إلى اللاذقية.
وقد تجلى إرباك نصرالله، أكثر فأكثر، في محاولته تخويف المسيحيين بالقول "إن قوى 14 آذار غير قادرة على حمايتكم، وليس بإمكانها أن تمنع التكفيريين من سبي نسائكم"!، مذكّراً إياهم عملياً بأنهم أهل ذمة، وأنهم بحاجة إلى حمايته. وهذا ما أثار، بطبيعة الحال، موجة من الاستياء وردود الفعل الغاضبة في صفوف المسيحيين، وأحرج حليفه وزعيم التيار الوطني الحر، ميشال عون، الذي كان اعتبر، في مرحلة سابقة، أنه في "تكامل وجودي" مع حزب الله، وهو الذي لا يزال يراهن على دعم الحزب لرئاسته الجمهورية. ومما زاد في الطين بلة، ما صرح به نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الذي أعلن، قبل أيام، أن على القوى السياسية أن تنتخب عون رئيساً، أو أن الرئاسة ستبقى مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
هذا التخبط في المواقف، والهزائم المستمرة لقوات الأسد، والنزف الحاد في صفوف مقاتليه، والضياع والذهول الذي يلف أوساط قاعدة الحزب الشيعية، استدعى من نصرالله أن يكثف من إطلالاته الإعلامية، ومن خطاباته التعبوية التي باتت شبه يومية، محاولاً طمأنة جمهوره ورفع معنوياته، متكلما عن انتصارات وهمية في معارك الكر والفر في جرود عرسال. كما أنه اضطر إلى التراجع، نافياً أن يكون قد أعلن التعبئة العامة، وأن يكون قد طالب بزج الجيش في عرسال...
فشلت، إذن، محاولة تطبيق "النموذج العراقي" أو استنساخه، ولم يعد نصرالله يحتمل أي صوت اعتراض داخل طائفته، متهماً كل من يغرد خارج السرب بأنه من "شيعة السفارة"، أي عميل وخائن. وخطابه يصبح، يوماً بعد يوم، أكثر تشنجاً، وأكثر تعصباً، وأكثر مذهبية، إلا أن المفارقة في أن بريق السلاح الذي لا يزال يفاخر باقتنائه يحجب عنه رؤية العزلة التي بدأت تشتد من حوله.
وكانت المفارقة في هذه الخطوة أن تصدّر الواجهة ثلة من المطلوبين والمتهمين بجرائم قتل، وغيرها من التعديات، الذين أعلنوا تلبيتهم الدعوة، واستعدادهم للقتال إلى جانب مليشيا نصرالله. فتحوّل، على سبيل المثال، المدعو نوح زعيتر، من زعيم عصابة تهريب مخدرات وأسلحة، مطلوب للعدالة وصادرة بحقه مذكرات توقيف، إلى "قائد سرية مقاومة". وأطلّ عبر الشاشات اللبنانية يُعلن استعداده "الدفاع عن الأرض"، ويَعِد بتحويل حقول الحشيشة الواسعة خاصته إلى مراكز تدريب لـ"العمليات المقدسة" ضد التكفيريين.
وقبل أن يتمكن اللبنانيون من نسيان الأيام السود لمختلف الأذرع المسلّحة لعائلات وعشائر، تخطف وتهدّد وتتوعّد، سيعود هؤلاء إلى المشهد، لكن هذه المرة "محرّرين" و"مقاومين". وخبأ شباب من عشائر آل زعيتر وآل جعفر أسلحتهم وهواوينهم، وأجلوا معاركهم العشائرية على مواقف السيارات والنفوذ داخل أحياء مدينة بعلبك، وتفرّغوا لقتال الغزاة على جرود عرسال.
عندها، حاول حزب الله تدارك الأمر، وسارع عضو كتلته النيابية، النائب علي المقداد، إلى التأكيد أن الحزب "لم يطلب من أحد إعلان النفير العام"، موضحاً أن "الحركة التي ظهرت على الشاشات ردات فعل عفوية على كلام نصرالله، ولا تتعدى إطار التأييد، وأن "اجتماع جميع العائلات الذي حدث، في الأيام الأخيرة، هو ضمن لقاءات فردية، أجمعت على رفض الفتنة في المنطقة"، لكنه لم ينكر "حدوث بعض الأمور غير المنضبطة". وأسوأ ما كان يمكن أن يواجهه "حزب الله" وجمهوره أنه، بعد مرور أربع وعشرين ساعة على إعلان التعبئة العامة، ودعوة العشائر إلى القتال، وخلال تشييع عناصر للحزب في الضاحية الجنوبية من بيروت، سقطت في سورية، لم يتردد مجموعة من النازحين السوريين المنتشرين بكثافة في المنطقة، ويعملون بائعين جوالين بحماية الحزب، من المجاهرة بعدائهم بشار الأسد، وتأييدهم الثورة السورية، فحصل صدام بينهم وبين أهالي الضاحية وعناصر أمن الحزب، أدى إلى وقوع جرحى، وفاحت منه رائحة العنصرية البغيضة والتعصب المذهبي المقيت.
وترافقت هذه الدعوة إلى الانخراط في قتال من يعتبرهم نصرالله "إرهابيين وتكفيريين" في عرسال (هناك نحو مائة ألف نازح سوري في البلدة)، مع تصعيد في الخطاب السياسي، ومحاولة الضغط على الحكومة اللبنانية، لدفعها إلى إقحام الجيش في معركة مواجهة مع جبهة النصرة وتنظيم داعش للسيطرة على عرسال (السنية)، من أجل فتح ممر لتخفيف الضغط عن الجيش السوري، وضمان السيطرة على الخط الساحلي، من القلمون مروراً بحمص وصولا إلى اللاذقية.
وقد تجلى إرباك نصرالله، أكثر فأكثر، في محاولته تخويف المسيحيين بالقول "إن قوى 14 آذار غير قادرة على حمايتكم، وليس بإمكانها أن تمنع التكفيريين من سبي نسائكم"!، مذكّراً إياهم عملياً بأنهم أهل ذمة، وأنهم بحاجة إلى حمايته. وهذا ما أثار، بطبيعة الحال، موجة من الاستياء وردود الفعل الغاضبة في صفوف المسيحيين، وأحرج حليفه وزعيم التيار الوطني الحر، ميشال عون، الذي كان اعتبر، في مرحلة سابقة، أنه في "تكامل وجودي" مع حزب الله، وهو الذي لا يزال يراهن على دعم الحزب لرئاسته الجمهورية. ومما زاد في الطين بلة، ما صرح به نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الذي أعلن، قبل أيام، أن على القوى السياسية أن تنتخب عون رئيساً، أو أن الرئاسة ستبقى مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
هذا التخبط في المواقف، والهزائم المستمرة لقوات الأسد، والنزف الحاد في صفوف مقاتليه، والضياع والذهول الذي يلف أوساط قاعدة الحزب الشيعية، استدعى من نصرالله أن يكثف من إطلالاته الإعلامية، ومن خطاباته التعبوية التي باتت شبه يومية، محاولاً طمأنة جمهوره ورفع معنوياته، متكلما عن انتصارات وهمية في معارك الكر والفر في جرود عرسال. كما أنه اضطر إلى التراجع، نافياً أن يكون قد أعلن التعبئة العامة، وأن يكون قد طالب بزج الجيش في عرسال...
فشلت، إذن، محاولة تطبيق "النموذج العراقي" أو استنساخه، ولم يعد نصرالله يحتمل أي صوت اعتراض داخل طائفته، متهماً كل من يغرد خارج السرب بأنه من "شيعة السفارة"، أي عميل وخائن. وخطابه يصبح، يوماً بعد يوم، أكثر تشنجاً، وأكثر تعصباً، وأكثر مذهبية، إلا أن المفارقة في أن بريق السلاح الذي لا يزال يفاخر باقتنائه يحجب عنه رؤية العزلة التي بدأت تشتد من حوله.