نصرالله يخوّن الانتفاضة اللبنانية: السلطة تستعجل إنهاء الحراك

25 أكتوبر 2019
من اعتداء أنصار "حزب الله" على المتظاهرين (حسين بيضون)
+ الخط -
واصل "حزب الله" اللبناني، سياسة الترهيب، إن كان عبر المنتمين إليه الذين واصلوا اعتداءاتهم على المتظاهرين لا سيما في ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، موقعين جرحى، أو عبر خطاب الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، الذي أطلّ اليوم الجمعة متحدياً الشارع من جديد، ورافعاً لاءات ثلاث بوجه الشعب؛ لا إسقاط للعهد، لا إسقاط للحكومة، ولا انتخابات نيابية مبكرة، وذلك من دون أن ينسى إطلاق جملة من التهديدات المتعلقة بالفوضى والحرب الأهلية، فضلاً عن اتهامات وتخوين للمتظاهرين الذين انتفضوا في المناطق اللبنانية كافة على الفساد والوضع المعيشي والاقتصادي السيئ الذي أوصلتهم إليه الطبقة السياسية الحاكمة ومن ضمنها "حزب الله". ويأتي ذلك بالتوازي مع تحركات سياسية واسعة من أجل إنهاء الشلل بالقوة، والذي فرضه المتظاهرون عبر مواصلة الاحتجاجات وقطع الطرقات، والتي تواصلت اليوم في مختلف المناطق لليوم التاسع على التوالي. وفي السياق، تحدث مرجع مسؤول لصحيفة لبنانية خاصة، اليوم الجمعة، عن "بدء العد العكسي لإنهاء حال الفوضى، بحيث يتم فتح الطرقات كافة، ويكون الاثنين المقبل يوم عمل طبيعياً في كل المؤسسات الرسمية والخاصة وفي المصارف والبلد عموماً".
ومن غير الواضح بعد كيف ستلجأ السلطة إلى تنفيذ هذا الأمر، فيما يلوح في الأفق خياران؛ أولهما تكليف الجيش بهذه المهمة، علماً أنه كان قد فشل يوم الأربعاء الماضي فيها. ويبدو توريط الجيش في فضّ الاحتجاجات وفتح الطرقات بالقوة أمراً غير وارد بالنسبة لقائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي بات يعدّ مرشحاً محتملاً لرئاسة الجمهورية حاله كحال وزير الخارجية الحالي، رئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل، الذي كان يتوق لذلك. أما الخيار الثاني، فهو إسناد المهمة إلى الأحزاب السياسية، وتحديداً "حزب الله" و"حركة أمل"، إلى جانب "التيار الوطني الحر"، الذين عمد أنصارهم بالفعل إلى ترويع المحتجين والاعتداء عليهم في مختلف المناطق. وقد بدا هذا الخيار أكثر وضوحاً مع بروز التحركات المضادة لأنصار الأحزاب الثلاثة وخروج مسيرات استفزازية في مناطق عدة مؤيدة لهم، لا سيما بعد انتهاء كلمة نصر الله.
واستبق أنصار "حزب الله" خطاب نصر الله، اليوم، باقتحام الاعتصام المركزي في ساحة رياض الصلح بالعاصمة بيروت، والاعتداء على المتظاهرين السلميين بالعصي، وفق ما أظهرت مقاطع مصوّرة من هناك، ما أدّى إلى وقوع إصابات في صفوف المحتجّين.

واشتبك أنصار الحزب الذين ارتدوا القمصان السود، وادعوا أنّ المتظاهرين يتعرّضون لنصر الله، مع القوى الأمنية كذلك التي حاولت فضّ الإشكال والفصل بينهم وبين المتظاهرين. وأكّدت قناة "الجديد" المحلية أنّ المتظاهرين لم يتعرّضوا لنصر الله بالهتافات، في حين حاول أنصار الحزب نصب خيمة وسط مكان الاعتصام، بعدما اقتحموا ساحة رياض الصلح هاتفين لنصر الله، لينسحبوا لاحقاً من الساحة بعد دعوة نصر الله لهم إلى ذلك.
وكان أنصار الحزب قد حاولوا، أمس الخميس، التشويش على الاحتجاجات في وسط بيروت، مستخدمين أسلوب بث الشعارات الطائفية، ومؤدّين قسم المرشد الإيراني علي خامنئي، في وسط ساحة رياض الصلح، ما أدّى إلى إصابة أحد المتظاهرين بعد احتكاكات مع أنصار الحزب، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام.
وفي كلمته، خرج نصر الله على اللبنانيين محاولاً حرف الاحتجاجات عن مطالبها الرئيسية، مشيراً إلى أنّ لبنان "دخل في دائرة الاستهداف السياسي والدولي". وقال في خطابه: "وطننا اليوم يمرّ بأوضاع حساسة ودقيقة، وهذا يتطلب التكلم بمسؤولية"، مضيفاً "تمنيت لنجاح الحراك تجنب السباب والتعرض للأملاك العامة، وعدم السماح للأحزاب السياسية بأن تركب موجة الحراك كي لا تأخذه إلى أغراض أخرى".
وتحدث عما اعتبره الإيجابيات التي تحققت، فقال: "للإنصاف يجب توظيف ما حصل لمصلحة البلد كله، وقد حقق الحراك في الأيام الأولى إيجابيات، إنما نأسف لعدم شرح ما حصل للمتظاهرين". وطالب الجميع بـ"الحفاظ على الإيجابيات التي تحققت إلى الآن، ومنها أنها فرضت على الحكومة ميزانية خالية من الضرائب والعجز، وهذا يحصل للمرة الأولى".


ونوه بفرض الحراك على الحكومة "ألا تفرض ضرائب، ما ترك أثره لدى الناس، كما أنه تحت ضغط الحراك الشعبي صدرت ورقة الإصلاحات التي تلاها رئيس الحكومة (سعد الحريري) وتضمنت خطوة أولى متقدمة جداً". ورأى الأمين العام لـ"حزب الله" أنّ "تسخيف الورقة الإصلاحية فيه نوع من الشبهة"، لافتاً إلى أنها "قرارات لها جداول زمنية للتنفيذ"، متوقفاً أمام "قرار استرداد المال المنهوب"، وقال: "أحب أن أقول كحزب الله بالتعاون مع القوى الجادة، إنّ هذه الورقة الإصلاحية هي للتنفيذ ولن نسمح كحزب الله بعدم تنفيذها، وأيضاً دفع الحراك لبدء تنفيذ ما وعد به ومنها مشروع استعادة الأموال المنهوبة وإنجاز مشاريع قوانين لها علاقة بمكافحة الفساد". وأكد أنّ "الحكومة مصممة على أن تبذل جهداً كبيراً لتنفيذ وعودها"، مشيداً كذلك بـ"نزاهة الانتخابات النيابية الماضية". ورأى أن "الورقة الإصلاحية خطوة في سياق خطوات لاحقة، وأن المجلس النيابي سيفعل عمله لإقرار القوانين المطلوبة"، داعياً الناس إلى "محاسبة كل من سيغطي أي فاسد، سياسياً كان أو رجل دين أو في القضاء".
ولفت إلى أنّ "الحراك قد أعاد للناس الثقة بأنفسهم بعدما أصيبوا بحال من اليأس"، منتقداً ما تردد من سباب، معتبراً أن "بعضه كان عفوياً وبعضه بناءً على تعليمات". وتطرق كذلك إلى كيفية البحث عن الحلول للوضع القائم، مؤكداً أنّ "أي حلّ يجب ألا يقوم على قاعدة الفراغ في الدولة وفي المؤسسات الدستورية، لأن الفراغ إذا حصل في ظلّ هذا الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي المأزوم سيؤدي إلى الفوضى"، لافتاً إلى أنّ "الحال إذا استمرت على ما هي عليه، فإن ذلك سيؤدي إلى فوضى أمنية، كما يخطط البعض".

وجدد رفضه "إسقاط العهد"، وكذلك "لا نؤيد استقالة الحكومة ولا نقبل في هذه الظروف بانتخابات نيابية مبكرة". وعلّق على ما وصفها باتهامات البعض لـ"حزب الله" بأنه عطّل البلد سنتين كي يتم انتخاب رئيس للبلاد، بالقول: "البلد لم يكن معطلاً يومها، والصلاحيات بغياب رئيس الجمهورية حينها كانت عند رئاسة الحكومة".
وعن دعوة رئيس الجمهورية المتظاهرين إلى تشكيل وفود للحوار، قال: "الحوار لا يعني دعوة الناس إلى الخروج من الساحات. وعلى هؤلاء تشكيل وفود تمثل كل الساحات"، مؤكداً أنّ "قطع الطرقات احتجاج مدني"، معترفاً بأن "حزب الله سبق له وقطع طرقات وربما يعيد قطع الطرقات مستقبلاً"، سائلاً: "كيف للناس في ظل الوضع المالي والمعيشي الراهن أن تتابع عملها لتحصيل لقمة عيشها؟". وشدد على "خطورة وجود حواجز غير مسلحة تقطع الطرقات وتطلب الهويات".
وكرر نصر الله مطالبته المتظاهرين بأن "يفتحوا الطرقات كي تذهب الناس إلى أعمالها ومدارسها وجامعاتها". وقال: "ليس المطلوب من الجيش فضّ الإشكالات بين الناس بالقوة"، وحمل الدولة "مسؤولية فتح الطرقات ومنع الاعتداء على الأملاك العامة".
وعن الحراك، قال: "ما بدأ كان شعبياً وعفوياً وبعيداً عن السفارات والاستغلال، كان حراكاً مطلبياً، إلا أنه لم يعد كذلك اليوم. الحراك في هذه اللحظات تقوده جهات معروفة وشخصيات ومؤسسات معروفة، وهناك إدارة وتنسيق وتمويل أيضاً". وتساءل عن "الجهات التي تمول هذا الحراك"، وقال: "على من يقود الحراك أن يشرح لنا ذلك بكل شفافية، وأن يقول من هم المتبرعون من أثرياء ومتمولين؟ وهل هؤلاء يريدون مصلحة الشعب اللبناني أم لديهم أهداف أخرى، وما هي مصادر هذا التمويل". وأضاف: "المطالب التي تطرح اليوم لم تعد عفوية، لأنها تركز على إسقاط النظام الطائفي، نحن نؤيد إسقاط النظام الطائفي ووضع آليات له إذا كان هذا هدف المتظاهرين، ولكن نذكرهم بالمطالب المعيشية التي نزلوا من أجلها". واعتبر أنّ "هناك قوى وأحزاب سياسية تعمل على ركوب موجة شعبية لأهداف أخرى".


وسأل المتظاهرين: "أما لهذا الحراك قيادة؟ وأين هذه القيادة؟"، وطالبهم بـ"تحديد قيادات للحراك، لأن هناك قيادة غير ظاهرة، والكشف عن أنفسهم"، ملمحاً إلى "وجود أحزاب وتجمعات وقيادات وأشخاص فعالين". وقال إنّ لديه "أسماء من يديرون الحراك"، مطالباً المتظاهرين بـ"الكشف عن هؤلاء".
واقترح على "من يعتبرون أنفسهم قياديين في الحراك أن يذهبوا إلى القضاء اللبناني ويكشفوا عن وجوههم وملفاتهم، وأن يكشفوا السرية المصرفية خاصتهم، لبعث الثقة بوجود قيادة جديرة بالاحترام". وقال: "كنت أرفض نظرية المؤامرة، لكن معلوماتنا ومعطياتنا تقول إن الوضع خطير ولم يعد حراكاً شعبياً، بل هناك تدخل من سفارات أجنبية، وعلى اللبنانيين التحقق مما طرأ أخيراً على الحراك، عكس ما كان عليه في بداياته، وأن يتنبهوا مما يخطط للبنان كما حصل لبلدان أخرى". ودعا الناس إلى "ألا يصدقوا ما تقوله السفارات، لأن المطلوب التحقق من أفعالهم وليس من أقوالهم". وأبدى خشيته من "بعض التصرفات"، وقال: "خوفي ليس على المقاومة بل على البلد، فهناك محاولات لجره إلى حرب أهلية". وأكد أنّ "المقاومة هي أقوى طرف في البلد، من دون أن يعني ذلك تهديداً لأحد"، مبدياً تخوفه من "استهداف البلد"، حسب تعبيره.

وطلب من "شباب المقاومة الانسحاب من الساحات"، وقال: "نحن نعرف كيف ندافع عن المقاومة، اتركوا الساحات للمقتنعين بالساحات لأننا نحترم آمال الناس وآلامهم". وختم: "لا مصلحة لنا بالتواجد في هذه الساحات، وإذا تحققت إيجابيات فستكون للبلد كله. ونقول لحلفائنا وهم خارج الشبهة قطعاً، إنهم في حال رفضوا الدخول في حوار مع رئيس البلاد ففي ذلك شبهة".
ويأتي ذلك، فيما تواصل الترويج لتعديل حكومي قريب.
وفي السياق، دعا رئيس الكنيسة المارونية في لبنان البطريرك بشارة الراعي، اليوم الجمعة، إلى تشكيل حكومة جديدة مصغرة، ومؤلفة من شخصيات من خارج الأحزاب والتكتلات النيابية. وطالب الراعي في بيان نشره المكتب الإعلامي للكنيسة، بتشكيل هذه الحكومة "لكي تتمكن من تنفيذ الورقة (الاقتصادية) التي أقرها مجلس الوزراء". وقال الراعي إنه "لا يحق لأحد أو لأي فريق أن يفرض إرادته على الجميع". وتوجّه إلى المسؤولين في الدولة بالقول: "إنهم مسؤولون عن الخسائر بملايين الدولارات في الخزينة العامة وعن الشلل العام، في كل يوم من تأخيرهم تشكيل الحكومة الجديدة، وإعادة البلاد إلى حركتها الطبيعية". وأضاف البيان "لا يمكن الاستمرار في تجاهل صرخة الشعب اللبناني، بكباره وشبابه وأطفاله، وهو في ثورة عارمة من شمال لبنان إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وهي في يومها التاسع"، وفق ما ذكر الراعي.
وفي الإطار ذاته، نقلت صحيفة "الأخبار" الناطقة عملياً باسم "حزب الله"، اليوم، عن مصادر لم تسمها قولها إنّ الحريري أبلغ عون ورئيس البرلمان نبيه بري وقيادة "حزب الله" باستعداده للسير في خيار تشكيل حكومة جديدة، لكنه اشترط الاتفاق الكامل عليها قبل أي استقالة، وإلا فهو لا يمانع تعديلاً وزارياً كبيراً. وأضافت المصادر أنه "يبدو أن حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يرأسه باسيل يرفضان أي تعديل يستهدف الأخير". مع العلم أن باسيل على رأس الشخصيات السياسية التي تلفظها ثورة لبنان.