أغلق نظام بشار الأسد مجدداً، الباب أمام محاولات أممية لإيجاد حل يوقف عملية الإبادة في حلب، مؤكداً رفضه للاقتراح الذي قدمه المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أمس الأحد، خلال زيارته العاصمة السورية دمشق، والقاضي بإقامة إدارة ذاتية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شرق حلب، والتي تتعرض أحياؤها لحملة عسكرية غير مسبوقة من قبل قوات النظام، ومليشيات طائفية ويشارك بها الطيران الروسي. وقد ركزت حملة القصف المكثف التي تشنها روسيا وقوات النظام السوري على تدمير ما تبقى من بنى تحتية في مدينة حلب وريفها، بالتزامن مع محاولات تقدم إلى عمق الأحياء المحاصرة، لا سيما جبهة حي الشيخ نجار، التي أحرزت فيها قوات النظام بعض التقدم، بينما أكد مقاتلو المعارضة تكبيدها خسائر كبيرة.
وأعلن وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، أمس الأحد، رفضه مقترحاً أممياً، يدعو إلى إقامة إدارة ذاتية في الأحياء التي تسيطر المعارضة السورية عليها في شرق حلب، مؤكداً أن النظام ماضٍ في الحسم العسكري، فيما واصلت المعارضة السورية، تكثيف الجهود، لحث المجتمع الدولي على تحركٍ جدي لـ"وقف حرب الإبادة التي يقوم بها النظام ضد المدنيين في سورية".
وجاءت تصريحات المعلم بالتزامن مع الزياة التي قام بها دي ميستورا إلى دمشق أمس. لم تنته الزيارة بمؤتمر صحافي مشترك مع المعلم كما كان متوقعاً، ما يشير إلى فشل مساع أممية في تحقيق هدنة إنسانية حقيقية في حلب، من شأنها إيقاف الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الأسد وحلفاؤها، والتي أدت خلال أيام إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين. وأعلن دي ميستورا أنه اقترح رحيل "المتشددين" عن حلب، لكن على الحكومة السماح باستمرار الإدارة المحلية في شرق حلب. وأعرب عن اعتقاده أن مثل هذه الإجراءات قد تكون مؤقتة، وأن حلب ينبغي أن تعامل كحالة خاصة.
وقال المعلم، خلال مؤتمر صحافي منفرد، إن الموفد الأممي طرح مقترح "إدارة ذاتية" في الأحياء الشرقية من حلب، مؤكداً رفض نظام الأسد لهذا المقترح، زاعماً أن ذلك يُعد "نيلاً من سيادتنا الوطنية، ومكافأة للإرهاب". وأضاف "قلنا له، نحن متفقون على خروج الإرهابيين من شرق حلب... لكن لا يعقل أن يبقى 275 ألف نسمة من مواطنينا رهائن لخمسة آلاف، ستة آلاف، سبعة آلاف مسلح"، معتبراً أنه "لا يوجد حكومة في العالم تسمح بذلك".
وقال المعلم إن نظامه لم يلمس "من دي ميستورا رغبة باستئناف الحوار السوري - السوري"، مضيفاً "ربما ينتظر إدارة جديدة في الولايات المتحدة، أو قيادة جديدة للأمم المتحدة". وكشف أنه عرض على دي ميستورا ما سماه "مشروعاً آخر" بالنسبة لمقاتلي المعارضة في شرق حلب، يتضمن بقاء من يرغب منهم بشرط تسوية وضعه "ومن يود الخروج إلى إدلب، أو تركيا فالطريق ممهد له"، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن النظام اتخذ خيار الحسم العسكري في حلب، مغلقاً بذلك الباب، أمام محاولات مستقبلية من أجل إيجاد "حلول إنسانية" في الأحياء المحاصرة منذ عدة أشهر وتواجه وضعاً إنسانياً كارثياً، وسط تحذيرات من وقوع مأساة كبرى تودي بحياة نحو 300 ألف مدني.
وبات من الواضح أن نظام الأسد يعوّل على الإدارة الأميركية في تغيير معادلة الصراع لصالحه، وهو ما انفك يحاول "مغازلة" الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، مقدماً نفسه شريكاً بما يعتبره "محاربة الإرهاب". ورغم أن المعلم أشار إلى أنه "من السابق لأوانه التنبؤ بما ستكون عليه السياسة الخارجية الأميركية تجاه الأزمة في سورية"، إلا أنه قال في مؤتمره الصحافي، إن "السياسة الأميركية السابقة تجاه سورية كانت خاطئة"، معطياً الإدارة الأميركية الجديدة ما سماه "مفتاح تصحيحها"، وهو "الحوار الروسي الأميركي والتفاهم على أسلوب القضاء على الإرهاب"، في إشارة واضحة إلى أن نظامه لم يعد يمسك بزمام الأمور في سورية، وأن أمره بات بالكامل تحت قرار موسكو.
ولم تجد المعارضة السورية في تصريحات المعلم ما يستحق التوقف عنده، إذ أشارت مصادر في "الائتلاف الوطني السوري" إلى أن هذه التصريحات تؤكد مرة أخرى أن النظام ماض في سياسة قتل السوريين، وتدمير مدنهم في محاولة لتحقيق حسم عسكري، مستفيداً من ظروف إقليمية ودولية، ودعم لا محدود من الجانبين الروسي، والإيراني. وكانت المعارضة السورية المسلحة، رفضت كل الدعوات للانسحاب من مدينة حلب، معتبرة الاستجابة لها بمثابة "استسلام"، مؤكدة تمسكها بالبقاء في حلب رافضة تسليمها لمليشيات إيرانية. وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا جديد في تصريحات المعلم، فهو يعكس رؤية النظام في متابعة الحسم العسكري، وهو يرى ثورة الشعب إرهاباً، ويتفاءل بأن يقف ترامب مع الوحشية في إبادة الشعب السوري". وأضاف "ما تحدث به دي ميستورا حول النصر الوهمي هو الواقع، وأما موضوع الإدارة الذاتية لشرق حلب فهو ليس الحل النهائي الذي نسعى إليه. لا بد من تنفيذ القرارات الدولية وعدم تجزئة الحلول، ونقدر حسن النية عند دي ميستورا ورغبته في إيقاف تدمير حلب وإنقاذها، وإنهاء هذه الوحشية".
وأمام سعي النظام لعرقلة أي جهود سياسية دولية لإرساء خطة سلام في سورية، فإن المعارضة السورية تواصل بذل جهودٍ حثيثة لدفع المجتمع الدولي إلى تحرك جدي من أجل وقف التصعيد العسكري والقصف الجوي والمدفعي ضد حلب خصوصاً، وسائر المناطق السورية. وعلى هذا الصعيد، أوضح المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية، رياض حجاب، أنه بحث، أمس الأحد، مع وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، سبل وقف حرب الإبادة التي يقوم بها النظام ضد المدنيين في سورية. وأشار، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، على هامش "مؤتمر السياسات العالمية التاسع" الذي يُعقد في الدوحة، إلى أنّه "اتفق مع الوزير الفرنسي على ضرورة التحرك دبلوماسياً، وعلى مختلف الأصعدة، لوقف المجازر والانتهاكات التي تُرتكب من قبل النظام والمليشيات المتحالفة معه في مدينة حلب"، مذكّراً بمشروع القرار الفرنسي، الذي سبق أن أجهضته روسيا في مجلس الأمن.
وكان حجاب حذّر من تكرار سيناريو أوكرانيا في سورية، وقال إن "واشنطن أدركت أن المشهد في سورية مختلف، وأنه يتوقع من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، التعامل بشكلٍ مختلف مع الملف السوري". ورأى أن النتائج المتوقعة من عملية "درع الفرات" التي تقودها تركيا في سورية، ستساهم في تغيير الوقائع على الأرض، مطالباً الأمم المتحدة، في عهد أمينها العام الجديد، بلعب دور أكثر فاعلية، للخروج من حالة الفشل وتجاوز الفيتو الروسي. وفي إطار الحراك السياسي للمعارضة السورية خلال الأيام القليلة الماضية، التقى رئيس الائتلاف الوطني السوري، أنس العبدة وأعضاء من الهيئة العليا للمفاوضات، وهيئة التنسيق الوطنية، مع مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، الجمعة الماضي، لدعوة الاتحاد إلى "أخذ المبادرة في دعم الشعب السوري وثورته"، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي "كان له دور مهم في طرح المبادرات"، وفق بيان المكتب الإعلامي في الائتلاف.
وعلى الأرض، ركزت حملة القصف المكثف التي تشنها روسيا وقوات النظام السوري على تدمير ما تبقى من بنى تحتية في مدينة حلب وريفها، بالتزامن مع محاولات تقدم إلى عمق الأحياء المحاصرة، خاصة جبهة حي الشيخ نجار، التي أحرزت فيها قوات النظام بعض التقدم، بينما أكد مقاتلو المعارضة تكبيدها خسائر كبيرة. وطاولت الحملة، في يومها السادس، مراكز الدفاع المدني، بعد أن أخرجت جميع مستشفيات المدينة عن الخدمة، ما حرم مئات المصابين جراء القصف، من تلقي العلاج، بينما عاودت قوات النظام استخدام الكلور السام في حي الصاخور ما تسبب في سقوط قتلى.
وقالت مصادر محلية في حلب، إن حملة القصف المتواصلة منذ ستة أيام على شرقي المدينة، حصدت حتى السبت، أرواح 289 مدنياً، بينما أصيب نحو ألف، إضافة إلى عشرات المفقودين. وألقت مروحية تابعة للنظام براميل متفجرة على حي الصاخور شرقي المدينة، ما تسبب في مقتل ستة مدنيين من عائلة واحدة، وإصابة نحو 25 بحالات اختناق. كما تعرض الحي لقصف مدفعي وصاروخي أوقع المزيد من الإصابات، في حين شن الطيران الحربي والمروحي غارات جوية على أحياء أرض الحمرا والحيدرية وبعيدين ومساكن هنانو والشعار وقاضي عسكر. وتزامن القصف مع اشتباكات عنيفة بين فصائل المعارضة وقوات النظام، على جبهة العويجة شمالي المدينة، خلال محاولة قوات النظام التقدم إلى الحي.
وكانت قوات النظام أحرزت مساء أول من أمس تقدماً على حساب فصائل المعارضة في محور الشيخ نجار، بحسب مصادر محلية، إذ أشارت إلى أن تلك القوات سيطرت بشكل كامل على تلة الزهور، التي تقع بين منطقة الشيخ نجار وأحياء حلب الشرقية، وسط تواصل الاشتباكات في المنطقة. وتطل هذه التلة على منطقتي أرض الحمرا ومساكن هنانو في حلب الشرقية. كما تتواصل الاشتباكات على ثلاثة محاور أخرى من جهة الراشدين غرب المدينة، والشيخ سعيد من الجهة الجنوبية، وبستان الباشا المجاور لمنطقتي الأشرفية والشيخ مقصود. وقالت فصائل المعارضة، إن مقاتليها تصدوا لمحاولات التقدم المستمرة من جانب قوات النظام على هذه المحاور، وألحقوا بالقوات المهاجمة خسائر كبيرة، مشيرة إلى أن المعارك تأخذ شكل الكر والفر، ولا يوجد فيها تقدم ثابت لأي طرف.
من جهتها، قالت مواقع موالية للنظام إن قوات النظام والحلفاء استقدموا "تعزيزات عسكرية كبيرة جداً وآليات محملة بصواريخ إلى مدينة حلب للمشاركة في العمليات الجارية حالياً على محاور أحياء حلب الشرقية".
وفي ريف المحافظة، أدت الغارات والقصف الصاروخي إلى مقتل مدني وإصابة ثلاثة في بلدة حيان. كما استهدف الطيران الروسي مدينة حريتان بالصواريخ الفراغية. واستهدف الطيران الحربي مدينة الأتارب بثلاثة صواريخ فراغية، أدت إلى إصابة ثلاثة مدنيين. واستهدف الطيران الروسي مركز أورم الكبرى التابع للدفاع المدني بغارتين جويتين، ما أدى لخروجه عن الخدمة. وأصيب عنصران من الدفاع المدني، جراء استهداف مركز الحاضر في الريف الجنوبي. كما استهدف الطيران الروسي بالصواريخ الفراغية قرى سويان، سحور، قنيطرات والشيخ علي في ريف حلب الجنوبي.
في المقابل، أعلنت وكالة أنباء النظام "سانا"، أن خمسة تلاميذ قتلوا وأصيب آخرون، جراء سقوط قذيفة أمام مدرسة سارية حسون في حي الفرقان، الخاضع لسيطرة النظام السوري غربي حلب، متهمة فصائل المعارضة بالمسؤولية عن هذا القصف، الأمر الذي نفته تلك الفصائل. حملة القصف الوحشي وإن تركزت هذه الأيام على حلب، فإنها طاولت أيضاً محافظة إدلب، حيث استهدفت غارات جوية روسية معمل البطاريات قرب محطة كهرباء مدينة إدلب، ما أدى إلى تدمير المبنى بالكامل، وسقوط قتيل واحد على الأقل وعدة جرحى. وقصف طيران النظام السوري بالصواريخ الفراغية الأحياء السكنية في بنش والتمانعة وخان شيخون بريف إدلب الجنوبي، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى. بموازاة ذلك، ذكرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية، إن حزب الله دفع بوحدات عسكرية إضافية مع عتادها الثقيل والخفيف إلى سورية، تمركزت في ضواحي حلب الغربية. وأشارت إلى أن عدد قوات الحزب الجديدة الوافدة إلى سورية، يصل إلى خمسة آلاف مقاتل، مدعمة بعربات مصفحة، وعربات دفع رباعي بالإضافة إلى وحدات مدفعية وأسلحة ثقيلة وخفيفة.