01 أكتوبر 2022
نعم، سأبني قصوراً
يقول المثل الشعبي المصري "اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع"، ويقول الواقع المصري "اللي يعوزه القصر يحرم على البيت والجامع". أخيراً، خرج الرد الرسمي المصري على ادّعاءات المقاول المنشق، محمد علي، بشأن إهدار أموال الدولة في إنشاءات، منها قصور رئاسية جديدة باذخة. كان متوقعا الإنكار أو التجاهل، كما تواردت أنباء عن سردية تقضي بأن القصور القديمة من عهد الملكية سيتم تحويلها إلى متاحف، تدر دخلاً يساهم في بناء الجديدة، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي نسف ذلك كله في لحظات، وهو يقول "أنا باعمل قصور رئاسية وهعمل قصور رئاسية"، وركّز على أن هذه القصور ليست باسمه الشخصي بل هي "باسم مصر".
ولافت هنا التأمل في تكرار ظاهرة الاحتفاء بالمباني الضخمة الفاخرة في الدول السلطوية، فأكبر مبنى إداري في العالم يوجد في رومانيا بعد أن ابتناه تشاوشيسكو قصراً، وكذلك شهدنا في منطقتنا مسجد الصالح في اليمن، ومسجد أم المعارك في العراق، ومسجد معمر القذافي في تنزانيا. بل عاير الإعلام الموالي للسيسي معارضيه بأن الرئيس التركي، أردوغان، أيضا ابتنى قصراً ضخماً من دون أن يعارضه أحد، والحقيقة أن القصر الأردوغاني ذا الألف غرفة بكلفة نحو 600 مليون دولار لاقى معارضة سياسية وإعلامية، وكان رد أردوغان أنه "لا ينبغي التوفير حين يتعلق الأمر بهيبة أمة"، وقال أيضا إن القصر ليس ملكاً له بل ملك للشعب، وكلماته هذه للمفارقة تكاد تطابق ما قاله السيسي، الأمر الذي يشير إلى أهمية اختلاف البنى السياسية والمؤسسات أكثر من الأشخاص.
ارتكز الجانب الثاني من حديث السيسي على جوانب عاطفية، كحديثه أنه امتنع عن تناول الطعام، هو وأسرته والعاملون معه، على حساب الدولة، ويسدد بنفسه فواتيره، أو مخاطبته الآباء والأمهات، وعن إنه شخص صادق وأمين، فضلاً عن العودة المتكررة إلى كونه "ابن مصر" الذي دعم خيار الشعب في 30 يونيو.
في المقابل، ما زال المقاول المنشق ينازل وحده كامل الآلة الإعلامية الأمنية، ولا يفل الشعبوية إلا الشعبوية، على الرغم من أن علي تغيب عن خطابه المفردات والأفكار السياسية المطلوبة، فهو لم يطرح أفكاراً، مثل شفافية الموازنة، وقانون حرية تداول المعلومات، الفقد الكامل لاستقلال الأجهزة الرقابية والجهات القضائية بعد التعديلات الدستورية التي سمحت للرئيس باختيار قادتها، فضلا عن غياب تقديم الذّمة المالية للرئيس والمسؤولين كما ينص الدستور. ولعل هذا هو دور القوى السياسية في انتهاز الموجة العالية الحالية.
تحدّث الرئيس السيسي أيضاً، للمرة الأولى، ببعض الأرقام المحدّدة عن المشاريع التي تشرف عليها القوات المسلحة، قال إنها أنشأت مشاريع طرق بنحو 175 مليار جنيه ضمن مشاريع بإجمالي أربعة تريليونات جنيه (نحو 245 مليار دولار)، وهو رقم مذهل في أن يكون تم ضخه بالفعل، من دون أن ينعكس بشكل مباشر على حياة أغلب المصريين.
حسب "تقرير الدخل والإنفاق" أخيرا، يقع 32.5% من المصريين تحت خط الفقر، ومنهم نحو خمسة ملايين انتقلوا من أعلاه إلى أسفله بعد العام 2015، وهذا من الأمور التي تجاهلها الرئيس والخطاب الرسمي تماما، على الرغم من أن مصدر الأرقام والتقرير الخطير هو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أي أهم جهة رسمية للبيانات في مصر.
بوضع الغضب الشعبي المتصاعد من الأزمة الاقتصادية إلى جانب خلافات داخلية داخل المؤسسات الحاكمة، في ظل عدم وجود أي حلول وسط سياسية مطروحة سواء للمعارضين، أو حتى لتقاسم أفضل للسلطة بين المؤيدين، فإن مزيدا من "محمد علي" حاملاً الضربات المعنوية لمن في السلطة في الطريق، حتى لو كانت كل تلك الحراكات حتى الآن تفتقد البوصلة أو القدرة على التحوّل إلى فعل حقيقي.
ارتكز الجانب الثاني من حديث السيسي على جوانب عاطفية، كحديثه أنه امتنع عن تناول الطعام، هو وأسرته والعاملون معه، على حساب الدولة، ويسدد بنفسه فواتيره، أو مخاطبته الآباء والأمهات، وعن إنه شخص صادق وأمين، فضلاً عن العودة المتكررة إلى كونه "ابن مصر" الذي دعم خيار الشعب في 30 يونيو.
في المقابل، ما زال المقاول المنشق ينازل وحده كامل الآلة الإعلامية الأمنية، ولا يفل الشعبوية إلا الشعبوية، على الرغم من أن علي تغيب عن خطابه المفردات والأفكار السياسية المطلوبة، فهو لم يطرح أفكاراً، مثل شفافية الموازنة، وقانون حرية تداول المعلومات، الفقد الكامل لاستقلال الأجهزة الرقابية والجهات القضائية بعد التعديلات الدستورية التي سمحت للرئيس باختيار قادتها، فضلا عن غياب تقديم الذّمة المالية للرئيس والمسؤولين كما ينص الدستور. ولعل هذا هو دور القوى السياسية في انتهاز الموجة العالية الحالية.
تحدّث الرئيس السيسي أيضاً، للمرة الأولى، ببعض الأرقام المحدّدة عن المشاريع التي تشرف عليها القوات المسلحة، قال إنها أنشأت مشاريع طرق بنحو 175 مليار جنيه ضمن مشاريع بإجمالي أربعة تريليونات جنيه (نحو 245 مليار دولار)، وهو رقم مذهل في أن يكون تم ضخه بالفعل، من دون أن ينعكس بشكل مباشر على حياة أغلب المصريين.
حسب "تقرير الدخل والإنفاق" أخيرا، يقع 32.5% من المصريين تحت خط الفقر، ومنهم نحو خمسة ملايين انتقلوا من أعلاه إلى أسفله بعد العام 2015، وهذا من الأمور التي تجاهلها الرئيس والخطاب الرسمي تماما، على الرغم من أن مصدر الأرقام والتقرير الخطير هو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أي أهم جهة رسمية للبيانات في مصر.
بوضع الغضب الشعبي المتصاعد من الأزمة الاقتصادية إلى جانب خلافات داخلية داخل المؤسسات الحاكمة، في ظل عدم وجود أي حلول وسط سياسية مطروحة سواء للمعارضين، أو حتى لتقاسم أفضل للسلطة بين المؤيدين، فإن مزيدا من "محمد علي" حاملاً الضربات المعنوية لمن في السلطة في الطريق، حتى لو كانت كل تلك الحراكات حتى الآن تفتقد البوصلة أو القدرة على التحوّل إلى فعل حقيقي.