تمتلئ الأسواق السورية بأنواع مختلفة من البضائع مجهولة المصدر على طول المدن والقرى السورية في مناطق المعارضة ومناطق النظام على السواء. وجهل المصدر يعني "غياب الهوية"، فالمستهلك لن يعرف الجودة أو مكان الإنتاج وتاريخه أو تاريخ انتهاء الصلاحية.
ولا تقتصر نفايات البضائع على صنف أو مجال، بل غذّت كل الأسواق بلا استثناء، بدءاً من أسواق الغذاء مروراً بأسواق المنظفات والألبسة وصولاً إلى أسواق الأجهزة والكهربائيات.. ويقف المستهلك حائراً بين كميات البضائع المنتشرة وأنواعها، يعاني بين سندان انخفاض دخله ومطرقة حاجته، دون أدنى قدرة أو مساحة للتفكير في جودة ما يشتري.
يقول سميرـ الذي يعمل سائق سيارة أجرة: ماذا أفعل لألبّي احتياجات عائلتي؟ دخلي لا يكفيني حتى منتصف الشهر، لذلك ألجأ إلى البضائع الرخيصة من أجل تلبية احتياجات عائلتي"، ويسرد سمير مثالاً عن زيت الطبخ، ويقول: "احتياجات المنزل هي بالحد الأدنى خمس عبوات من الزيت شهرياً، وهذه تكلفني في الحد الأدنى ولأرخص الأنواع ألف ليرة، بينما إذا أردت شراء نوعية جيدة، فإن ثمن العبوة الواحدة يصبح ضعف هذا المبلغ!".
موزع أغذية ـ رفض الكشف عن اسمه ـ قال لـ"العربي الجديد": "الأمر ليس مقتصراً على ذلك، فهناك معلبات غذائية انتشرت في السوق وبأسعار رخيصة، ومحتوى هذه المعلبات ليس له من اسمه شيء. فمعلبات "التونة" المطروحة في السوق مثلاً سعرها بحد ذاته يشكك في محتواها، فثمن العلبة خمسة وسبعون ليرة، وتباع في عروض "كل ثلاث علب بمئتي ليرة".
يقول صاحب محل البقالة في باب مصلى: نحن محل بيع "مفرّق"، لكننا نبيع بسعر الجملة. جوابه هذا قد يبرّر السعر، لكنه لا يوضح شيئاً عن الجودة أو النوعية أو بالأحرى الصلاحية للاستهلاك البشري، فيتابع مضيفاً: "لو لم تكن صالحة للاستهلاك البشري لما سمحت الحكومة باستيرادها"، وهو منطق لا يمكن إلا التوقف عنده بعدما ساد في الفترة الأخيرة وأصبح يحكم تعاملات السوق.
وحال نفايات البضائع المستوردة لا يختلف بالنتيجة عن حال البضاعة المحلية، فتوقف المنشآت الصناعية وسوء الوضع الاقتصادي لهذه المنشآت، دفعها إلى الاقتصاد في النفقات، فهي بدلاً من بيع المنتج بعبوة مغلّفة، أصبحت تبيعه كما هو من دون تغليف، تقول سمية ـ ربة منزل: "أحاول الاقتصاد في مصاريف العائلة، فاشتري مساحيق الغسيل المعبأة بأكياس بلاستيكية بمئة وخمسين ليرة للكيلوغرام، وهو أرخص بكثير من تلك المساحيق المعبأة والتي تراوح أسعارها بين أربعمئة وسبعمئة ليرة".
ويُرجع أحد المصنّعين السبب وراء لجوء المنشآت الصناعية إلى هذه الطريقة في بيع منتجاتها إلى أن أغلب المنشآت العاملة لجأت إلى طرق مختلفة وغير تقليدية لتوزيع منتوجاتها، وهو ما أثّر بالنتيجة على جودة الإنتاج. كما أن البيع بهذه الطريقة لا يضر بمصلحة المنشأة، فلا توجد أية علامة تدل عليها، وهو ما يعفيها من شروط جودة المنتج ومواصفات المطابقة من جهة، ويحقق لها سيولة مادية بشكل أسرع من جهة أخرى".
حال الأغذية والمنظفات هو ذاته حال الأدوات الكهربائية، ففي سوقها، مقابل القصر العدلي بدمشق، تنتشر مختلف الأنواع والأشكال، ويجتهد المشترون في البحث عن منتج بمواصفات مضمونة. كما لم يعد هناك من ضمانة على المنتج أياً كان ثمنه، فبعد التجريب والدفع، تنتهي مسؤولية البائع بمجرد مغادرة "الزبون" المحل، فما بالك إذا كان البائع من أصحاب "البسطات"؟!
يقول سامي ـ الذي كان يحاول شراء مصباح لتوفير الطاقة: "الآن لا ضمانة على المنتج، حتى بعد أمتار من باب المحل، كما أنك لم تعد تعلم هوية المنتج، فكل شيء أصبح مُقلّداً".
انتشرت سابقاً ظاهرة الغش واستمرت، لكن الغش كأسلوب تجاري، بالرغم من مساوئه، أصبح ظاهرة طبيعية في ظل استمرار وانتشار نفايات البضائع في أسواق العاصمة بأسماء و"ماركات" مختلفة لا يعلم عنها المستهلك شيئاً سوى ما يُكتب على العبوة.. والمجتمع هو مَن يدفع الثمن.