يبدو أن العملية السياسية في اليمن وصلت إلى أفق مسدود غير مسبوق، وبدأت بوادر حرب أهلية تأخذ بُعداً واسعاً بين الرئيس عبد ربه منصور هادي، والسلطات الانقلابية في صنعاء، كما تأخذ بُعداً مناطقياً على غرار الحرب الأهلية في العام 1994، إذ تتواصل الاستعدادات العسكرية في الحدود بين محافظتي تعز ولحج جنوبي اليمن، بعد يوم من إعلان "اللجنة الثورية العليا" لجماعة أنصار الله (الحوثيين) "التعبئة العامة"، وتوجيهها قوات الجيش والأمن بالتصدي لما وصفتها "الحرب القذرة".
استنفار جنوباً
ويواصل الجيش والقبائل واللجان الشعبية في الجنوب، استعداداتهم العسكرية، إذ تنتشر وحدات الجيش بشكل واسع في مختلف المدن والمناطق الجنوبية، والمؤسسات والمرافق الحكومية والطرقات الرئيسية، فيما تعزز القبائل موقف الجيش واللجان الشعبية، بآلاف المسلحين، الذين يصلون إلى مختلف مناطق التماس، وسط تحالفات تشمل الجيش والقبائل واللجان الشعبية والأطراف السياسية والحراك الجنوبي.
ويُجري وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، تحركات ميدانية في الجنوب، معلناً النفير والتعبئة داخل المعسكرات والألوية، في مختلف المناطق الجنوبية، كما ينشر عشرات الكتائب، ويرسل تعزيزات عسكرية وقبلية إلى مناطق التماس، والمناطق التي من المحتمل أن تحدث مواجهات فيها.
وأفادت مصادر قبلية وعسكرية، لـ "العربي الجديد"، بأن "المئات من مسلحي قبائل يافع، وصلوا إلى قاعدة العند العسكرية الواقعة في محافظة لحج، بدعوة رسمية من قبل قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وبدعم من الصبيحي، للمساعدة في تأمين وتحصين قاعدة العند، والتي خرجت منها كتائب عدة من الجيش لتعزيز الجبهة الحدودية مع تعز، التي يحاول الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، الدخول عبرها إلى الجنوب، والاقتراب من قاعدة العند"، فضلاً عن انتشار عشرات النقاط في خط تعز عدن.
وفي الوقت نفسه، وصل المئات من مقاتلي قبائل الصبيحة واللجان الشعبية، الى مضيق باب المندب، لتأمين الملاحة الدولية في المضيق، ومنع أي تسلل نحو عدن من قِبل الحوثيين عبر البحر الأحمر والمضيق.
وحلّقت صباح أمس طائرات موالية للحوثيين وصالح، فوق سماء عدن، لا سيما فوق قصر المعاشيق الرئاسي وجبل حديد، وأجبرتها المضادات الأرضية على المغادرة، في وقت غادرت فيه بعض البعثات الدبلوماسية عدن، فيما أبلغت وسائل الإعلام العالمية مراسليها وطواقمها المتواجدة بعدن، تجنب الخروج من أماكن تواجدهم، ولا سيما الأجانب منهم.
كما علمت "العربي الجديد" أن الأوضاع في الضالع في محيط اللواء 33 مدرع، والمعسكرات التابعة له، تشهد توتراً شديداً قد ينفجر في أي لحظة، في الوقت الذي تشير فيه مصادر إلى أن الحوثيين يتحركون في البيضاء، باتجاه أبين عبر منطقة مكيراس التي تربط المحافظتين.
ويبدو أن الحوثيين وصالح في حال ثبتت تحركاتهم الأخيرة، قد يهاجمون عدن على شكل الهلال، من الغرب والشمال والشرق.
وفي سياق الاستعدادات العسكرية، دعا الحراك الجنوبي، العسكريين والأمنيين المتقاعدين، والمسرّحين قسراً من الجنوبيين، إلى "العودة والمشاركة ضمن الاصطفاف الشعبي والوطني للدفاع عن الجنوب"، مطالباً بـ "التلاحم ووحدة الصف، لمواجهة التحديات التي تواجه الجنوب، في مساع جديدة للاحتلال من قبل الحوثيين وصالح".
اقرأ أيضاً: اليمن: مطار تعز ومرافقها في قبضة الحوثيين
تعزيزات وتظاهرات في تعز
على الضفة المقابلة، تتواصل التعزيزات العسكرية في تعز، إذ انطلقت أمس الأحد تعزيزات من الجيش في صنعاء إلى تعز، تضم نحو 20 دبابة حديثة وناقلات جنود ومدرعات، تتبع أحد ألوية قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري سابقاً) بعد ساعات من توجّه تعزيزات عسكرية أخرى من محافظة الحديدة غربي البلاد باتجاه تعز، عبر الخط الساحلي الذي يصل إلى باب المندب. وشهدت تعز التي باتت نقطة لاحتشاد القوات القادمة من صنعاء، مصادمات بين قوات الأمن وتظاهرات مناوئة لوجود الحوثيين، سقط فيها قتيل وعدد من الجرحى، بعدما أقدم الحوثيون على إطلاق النار باتجاه المتظاهرين.
وكشفت مصادر عسكرية لـ "العربي الجديد" أن قرار التحرك العسكري وافقت عليه قيادات عسكرية بارزة في صنعاء بعد الهجوم على معسكرات الأمن الخاصة، وبعض كتائب الجيش في محافظتي عدن ولحج الجنوبيتين، مشيرة إلى أن التحرك مسنود من قوات الجيش في صنعاء التي باتت أغلبها خارج سيطرة هادي، وتتم التعبئة والحشد للقوات العسكرية تحت شعار "محاربة الإرهاب" والدفاع عن المدن والمعسكرات.
وكانت مدينة تعز، ثالث أهم المدن اليمنية، سقطت بشكل مفاجئ بيد الحوثيين، وظهر أن قوات الأمن والجيش المرابطة في المدينة لم تبدِ أي اعتراض، على الرغم من رفض قيادة السلطة المحلية للتعزيزات التي قدمت من صنعاء، وخروج تظاهرات منددة. وانتشرت القوات الموالية للحوثيين في مطار تعز والعديد من المرافق، من دون أن تلقى أي مقاومة.
ولا يستبعد مراقبون أن تبدأ قوات الأمن الخاصة مسنودة بوحدات من الجيش ومسلحين حوثيين بالزحف من تعز نحو محافظة لحج، التي تُعدّ بوابة عدن الشمالية، وفيها استولى مسلحون موالون للحراك الجنوبي على عدد من المقار الأمنية والمواقع العسكرية.
وكانت "اللجنة الثورية العليا" التي تُعدّ أعلى سلطة في صنعاء بموجب "الإعلان الإنقلابي" المُعلن في السادس من فبراير/شباط الماضي، أعلنت "التعبئة العامة" أول من أمس، فيما دعت "اللجنة الأمنية العليا" التي شكلها الحوثيون، ويرأسها عملياً وزير الداخلية اللواء جلال الرويشان، "القوات المسلحة في البر والبحر والجو إلى التصدي لآلة الإرهاب الهمجية العمياء والقضاء عليها، ومن دون رحمة أو شفقة"، وذلك على إثر التفجيرات الإرهابية التي وقعت في صنعاء يوم الجمعة.
وأبدى يمنيون معارضون للحوثيين تخوّفهم مما يترتب على إعلان الحوثيين واتهاماتهم التي وجهها المتحدث الرسمي باسهم، محمد عبد السلام، لهادي بالتحالف مع "القاعدة"، بالتزامن مع التحريض على وسائل الإعلام، وهو يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويمكن أن يكون مقدمة لملاحقات تطال معارضيهم.
وفي تعليقه على إعلان الحوثيين التعبئة العامة، اعتبر الحزب الاشتراكي اليمني أنه "إعلان شن حرب" وأنه دعوة بأن تتجه "الأمور إلى الحرب الأهلية". وأضاف "الاشتراكي" في تصريح للقيادي فيه علي الصراري، أن "هذه الدعوة هي موجهة في الأساس ضد أبناء الجنوب".
ويخشى اليمنيون من أن تكون الاستعدادات الجارية مقدمة لحرب أهلية على غرار حرب صيف عام 1994، والتي وقعت بين شريكي الحكم بعد أربع سنوات من إعادة توحيد البلاد، وعلى إثرها تمكنت قوات صالح من إزاحة شريكه الجنوبي في الحكم، الحزب "الاشتراكي"، والذي أعلن الانفصال خلال الحرب، إلا أن الموازين لم تكن لصالحه، وانتصرت القوات التي كانت مؤيدة للوحدة، لا تزال آثار تلك الحرب جزءاً من الأزمة السياسية في البلاد.
وكان صالح خرج قبل أسابيع بخطاب هدد فيه من سمّاهم "المهرولين إلى عدن" من أجل الانفصال، بمصير "المهرولين في عام 1994". واعتبر سياسيون ذلك تهديداً بشن حرب، فيما ظهر هادي في أول خطاب مباشر له من عدن، يوم السبت، ونفى فيه أنه يسعى إلى الانفصال، واتهم "الانقلابيين" بالترويج لهذه التهمة.