20 نوفمبر 2024
هؤلاء الإرهابيون المغاربة... لماذا؟
أعادت الهجمات الإرهابية التي استهدفت إسبانيا أخيراً، وتورّط فيها مغاربة، النقاش بشأن تطرّف الشباب المغاربة وصناعة الإرهاب المغربي. فقد عنونت مجلة جون أفريك التي تصدر من باريس غلافها هكذا: "ولدوا في المغرب"، لترسم في تحقيق لمراسلها في المغرب رحلة الشباب المغاربة الذين تورّطوا في هجمات إسبانيا من الفقر إلى التطرّف والإرهاب.
وليست هذه المرة الأولى التي يتورّط فيها شباب من المغرب، أو من المنطقة المغاربية بصفة عامة، خصوصاً تونس والجزائر، في الأعمال الإرهابية التي ضربت أخيراً أكثر من دولة أوروبية، يضاف إلى ذلك أن المغاربيين، بصفة عامة، في مقدمة الجنسيات العربية من الملتحقين بصفوف التنظيم الإرهابي "داعش". ومع كل حادث إرهابي يتورّط فيه مغاربة أو مغاربيون، يعاد طرح الأسئلة نفسها عن الأسباب التي تدفع شباب هذه الدول إلى التطرّف.
وبالتركيز على الحالة المغربية، وخصوصاً حالة الشباب المغاربة الذين كانوا وراء هجومات إسبانيا ونفذوها، يبدو السؤال أكثر من منطقي، لمعرفة الأسباب العميقة التي تجعل شباباً مغاربة في مقتبل العمر، يقعون ضحية للتطرّف، ويتحولون إلى "جهاديين" في صفوف تنظيمات إرهابية، في أوروبا وفي بؤر التوتر في العراق وسورية وليبيا، وقبل ذلك في أفغانستان.
وتبين "بروفايلات" منفذي هجومات إسبانيا الأخيرة أن جلهم من الشباب الذين ولدوا في المغرب لكنهم نشأوا وترعرعوا في دول المهجر، وكلهم بلا استثناء تعرّضوا لـ "غسيل" دماغ مركّز حولهم إلى آلة جهنمية، لتنفيذ أعمال إرهابية مدانة، ونجد الشيء نفسه عند شبابٍ آخرين تورّطوا في أعمال إرهابية قبل ذلك في فرنسا أو بلجيكا. وقد بات هذا الوضع المقلق يطرح أكثر من سؤال بشأن الإستراتيجية التي اعتمدتها الدولة المغربية منذ أكثر من أربع عشرة سنة في مواجهة الخطر الإرهابي، وضرورة مساءلتها.
فبعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء عام 2003، وكانت الأولى من
نوعها في تاريخ المغرب، عمدت السلطة في المغرب إلى سن استراتيجية متعدّدة الأبعاد، لمواجهة خطر التطرّف واقتلاع جذوره الاجتماعية والإيديولوجية. قامت على أربعة أبعاد. الأول محاربة الفقر والقضاء على الفوارق الاجتماعية، لتجفيف منابع التطرّف الاجتماعية، والقضاء على بؤر الفقر والهشاشة والتهميش التي كانت تفرّخ ضحاياه. ومن أجل ذلك، اعتمد المغرب ما سميت "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" التي انطلقت منذ عام 2005، وصرف عليها أكثر من ملياري دولار طوال السنوات الماضية. لكن، كما قال الملك محمد السادس، نهاية يوليو / تموز الماضي، في خطابه بمناسبة عيد الجلوس، نتائج هذه المبادرة لا تشرّف المغرب، وتبقى دون طموحه، لأن المغرب، كما قال الملك، ما زال يعيش "مفارقاتٍ صارخة من الصعب فهمها". ففي عام 2005، عندما انطلقت هذه المبادرة التي كان هدفها الرئيسي محاربة الفقر والهشاشة لاقتلاع الشباب المغربي من الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي قد تدفع بهم للوقوع في براثن التطرّف، كان المغرب يحتل المرتبة 122 عالمياً، حسب تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي 2016، احتل المركز 123 عالمياً من أصل 188 دولة، حسب المؤشر نفسه الذي يعتمده التقرير الأممي.
يتعلق البعد الثاني في الخطة المغربية لمحاربة التطرّف بالجانب القانوني، من خلال اعتماد قانون صارم لمحاربة الإرهاب، تم التصويت عليه عام 2003، وفي ظله ارتكبت عدة تجاوزات سجلتها عدة تقارير حقوقية، بل واعترف بها الملك محمد السادس، في إحدى حواراته النادرة مع صحيفة الباييس الإسبانية عام 2005، واعترف فيه بوجود تجاوزات في الاعتقالات التي شهدها المغرب مباشرة بعد هجمات الدار البيضاء، وتجاوزت آنذاك أكثر من سبعة آلاف حالة اعتقال، دين كثيرون من أصحابها بعقوبات سجنية ثقيلة، مازال بعضهم ينفذها وراء القضبان. وعلى الرغم من مراجعة هذا القانون، وإدماجه لاحقاً ضمن فصول القانون الجنائي المغربي، إلا أنه ما زال محط انتقاد منظمات حقوقية مغربية ودولية عديدة.
وبارتباطٍ مع هذا القانون، اعتمد المغرب، ضمن الخطة نفسها، مقاربة أمنية صارمة، من خلال إعطاء إمكانيات مالية كبيرة لأجهزة الأمن، قصد تأهيلها وتجهيزها لمواجهة كل خطر إرهابي، لكن المقاربة الاستباقية التي تعتمدها هذه الأجهزة أدت، في حالاتٍ كثيرة، إلى إثارة انتقادات
المنظمات الحقوقية المغربية والدولية، بسبب تجاوزاتٍ ترافق عملياتها. وعلى الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على اعتماد هذه المقاربة الأمنية الصارمة، مازال المغرب يعتبر أكبر مصدّر للإرهابيين، ففي أحدث تصريح لوزير الداخلية المغربي الحالي، عبد الوافي لفتيت، أدلى به أمام البرلمان في أبريل/ نيسان الماضي، قال إن عدد الملتحقين من المغاربة بتنظيم داعش الإرهاربي تضاعف بنحو 600%، وبلغ عددهم آنذاك نحو 1631 عضواً. يضاف إلى ذلك أن عدد "الخلايا الإرهابية" التي ما فتئت السلطات المغربية تعلن عن تفكيكها كل شهر تجاوز 168 خلية، وتم اعتقال أكثر من ثلاثة آلاف مشتبه به، أغلبهم دينوا بعقوبات سالبة للحرية، ومازالت السلطات تعلن كل أسبوع تقريباً عن تفكيك خلايا جديدة واعتقالات لمشتبه بتخطيطهم لأعمال إرهابية.
العنصر الرابع من الخطة المغربية لمواجهة التطرّف مشروعٌ كبيرٌ لإعادة هيكلة الحقل الديني، من خلال تأسيس مؤسسات رسمية دينية للتأطير والتكوين الديني، وإعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى للعلماء المغاربة الذي يرأسه الملك بوصفه أميراً للمؤمنين، حسب الدستور المغربي، وإنشاء إذاعة رسمية تحمل اسم الملك محمد السادس للتوجيه الديني والتأطير الإعلامي، وتمكين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من إمكانات ضخمة، بعدما وضع على رأسها، منذ أربع عشرة سنة، وزير متصوّف، حاول أن يجعل من التصوّف "ديناً رسمياً" للدولة لمواجهة تيارات الإسلام الأخرى، بكل أطيافها السياسية والسلفية والجهادية. والنتيجة أن الإسلام الصوفي تحوّل إلى مجال للريع الديني، تستفيد منه زوايا صوفية وأتباعها، بينما تركت الهوامش للإسلام السياسي والسلفي والجهادي، وهي الهوامش نفسها التي يخرج منها االشباب الذين يلتحقون بالتنظيمات الإرهابية في الغرب، ويتوجهون إلى سورية والعراق وليبيا.
حان الوقت، بعد أربع عشرة سنة ونيف على اعتماد المغرب خطته في محاربة الإرهاب والتطرّف، لتسجيل وقفة تأمل وتقييم هذه السياسة التي وإن جنّبت المغرب، حتى الآن، أعمالاً إرهابية، إلا أنها لم تحم شبابه من السقوط في براثن التطرّف. وقد حان الوقت لدق ناقوس الخطر.
وليست هذه المرة الأولى التي يتورّط فيها شباب من المغرب، أو من المنطقة المغاربية بصفة عامة، خصوصاً تونس والجزائر، في الأعمال الإرهابية التي ضربت أخيراً أكثر من دولة أوروبية، يضاف إلى ذلك أن المغاربيين، بصفة عامة، في مقدمة الجنسيات العربية من الملتحقين بصفوف التنظيم الإرهابي "داعش". ومع كل حادث إرهابي يتورّط فيه مغاربة أو مغاربيون، يعاد طرح الأسئلة نفسها عن الأسباب التي تدفع شباب هذه الدول إلى التطرّف.
وبالتركيز على الحالة المغربية، وخصوصاً حالة الشباب المغاربة الذين كانوا وراء هجومات إسبانيا ونفذوها، يبدو السؤال أكثر من منطقي، لمعرفة الأسباب العميقة التي تجعل شباباً مغاربة في مقتبل العمر، يقعون ضحية للتطرّف، ويتحولون إلى "جهاديين" في صفوف تنظيمات إرهابية، في أوروبا وفي بؤر التوتر في العراق وسورية وليبيا، وقبل ذلك في أفغانستان.
وتبين "بروفايلات" منفذي هجومات إسبانيا الأخيرة أن جلهم من الشباب الذين ولدوا في المغرب لكنهم نشأوا وترعرعوا في دول المهجر، وكلهم بلا استثناء تعرّضوا لـ "غسيل" دماغ مركّز حولهم إلى آلة جهنمية، لتنفيذ أعمال إرهابية مدانة، ونجد الشيء نفسه عند شبابٍ آخرين تورّطوا في أعمال إرهابية قبل ذلك في فرنسا أو بلجيكا. وقد بات هذا الوضع المقلق يطرح أكثر من سؤال بشأن الإستراتيجية التي اعتمدتها الدولة المغربية منذ أكثر من أربع عشرة سنة في مواجهة الخطر الإرهابي، وضرورة مساءلتها.
فبعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء عام 2003، وكانت الأولى من
يتعلق البعد الثاني في الخطة المغربية لمحاربة التطرّف بالجانب القانوني، من خلال اعتماد قانون صارم لمحاربة الإرهاب، تم التصويت عليه عام 2003، وفي ظله ارتكبت عدة تجاوزات سجلتها عدة تقارير حقوقية، بل واعترف بها الملك محمد السادس، في إحدى حواراته النادرة مع صحيفة الباييس الإسبانية عام 2005، واعترف فيه بوجود تجاوزات في الاعتقالات التي شهدها المغرب مباشرة بعد هجمات الدار البيضاء، وتجاوزت آنذاك أكثر من سبعة آلاف حالة اعتقال، دين كثيرون من أصحابها بعقوبات سجنية ثقيلة، مازال بعضهم ينفذها وراء القضبان. وعلى الرغم من مراجعة هذا القانون، وإدماجه لاحقاً ضمن فصول القانون الجنائي المغربي، إلا أنه ما زال محط انتقاد منظمات حقوقية مغربية ودولية عديدة.
وبارتباطٍ مع هذا القانون، اعتمد المغرب، ضمن الخطة نفسها، مقاربة أمنية صارمة، من خلال إعطاء إمكانيات مالية كبيرة لأجهزة الأمن، قصد تأهيلها وتجهيزها لمواجهة كل خطر إرهابي، لكن المقاربة الاستباقية التي تعتمدها هذه الأجهزة أدت، في حالاتٍ كثيرة، إلى إثارة انتقادات
العنصر الرابع من الخطة المغربية لمواجهة التطرّف مشروعٌ كبيرٌ لإعادة هيكلة الحقل الديني، من خلال تأسيس مؤسسات رسمية دينية للتأطير والتكوين الديني، وإعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى للعلماء المغاربة الذي يرأسه الملك بوصفه أميراً للمؤمنين، حسب الدستور المغربي، وإنشاء إذاعة رسمية تحمل اسم الملك محمد السادس للتوجيه الديني والتأطير الإعلامي، وتمكين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من إمكانات ضخمة، بعدما وضع على رأسها، منذ أربع عشرة سنة، وزير متصوّف، حاول أن يجعل من التصوّف "ديناً رسمياً" للدولة لمواجهة تيارات الإسلام الأخرى، بكل أطيافها السياسية والسلفية والجهادية. والنتيجة أن الإسلام الصوفي تحوّل إلى مجال للريع الديني، تستفيد منه زوايا صوفية وأتباعها، بينما تركت الهوامش للإسلام السياسي والسلفي والجهادي، وهي الهوامش نفسها التي يخرج منها االشباب الذين يلتحقون بالتنظيمات الإرهابية في الغرب، ويتوجهون إلى سورية والعراق وليبيا.
حان الوقت، بعد أربع عشرة سنة ونيف على اعتماد المغرب خطته في محاربة الإرهاب والتطرّف، لتسجيل وقفة تأمل وتقييم هذه السياسة التي وإن جنّبت المغرب، حتى الآن، أعمالاً إرهابية، إلا أنها لم تحم شبابه من السقوط في براثن التطرّف. وقد حان الوقت لدق ناقوس الخطر.