لم يكن سهلاً على أم سمير التي ودّعت ابنها المهاجر، أن تترجم أحاسيسها. هو غادر البلاد بعد ما عجز عن أن يجد له وظيفة تؤمّن له العيش بكرامة. وتقول: "أشعر بحزن عميق. ولدي هاجر ليؤمّن له مستقبلاً في الخارج. لم أصدّق أنه كبر وتخرّج، لأفرح به. لكن ما عساي أن أفعل إذا لم يجد عملاً بعد التخرّج؟ هل أدمّر مستقبله كي يبقى هنا بقربي؟ طبعاً لا! وعندما أبلغني عن فرصة عمل أتيحت له في الخارج، ساعدته قدر المستطاع في تحضير أوراقه".
من جهته، ترك نبيل عطالله لبنان قبل عشر سنوات ليعمل في دول الخليج العربي. يقول: "تركت عائلتي، زوجتي وأولادي الثلاثة، للعمل في الخليج. لكن، وسط هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، بتّ قلقاً على مصير أبنائي ومستقبلهم. وقررنا الهجرة وترك البلد نهائياً لضمان مستقبلهم". يضيف: "لم يتبقَ أي حافز يدفعنا إلى البقاء. الأمور تتأزم أكثر فأكثر".
أما خضر (تحفّظ عن ذكر اسم عائلته)، فيقول: "نتعلم ونكدح ليلاً ونهاراً للحصول على شهادة. لكننا نصدم بالراتب الذي غالباً ما يكون الحدّ الأدنى للأجور، وبالكاد يكفي معيشتنا من دون أن يؤمّن مستقبلنا. لذا، أجهّز أوراقي للحصول على تأشيرة سفر إلى كندا. في هذا البلد، ما من مستقبل".
وتشير دراسة أعدتها المنظمة الدوليّة للهجرة إلى أن لبنان قد يشكّل البلد الأول في العالم لجهة كثافة الهجرة، مقارنة بعدد سكانه. كذلك، تظهر أن عدد اللبنانيّين المقيمين في البرازيل مثلاً يفوق الستة ملايين شخص، في حين يصل العدد في كل من أميركا الشماليّة وبقيّة بلدان أميركا الجنوبيّة إلى ستة ملايين مهاجر. أما أوروبا وأفريقيا والبلدان العربيّة - خصوصاً الخليج - فتتقاسم نصف مليون مهاجر لبناني. ويبقى السؤال عن جديد هذه الأرقام: هل من تزايد بفعل الأزمة الاقتصاديّة الخانقة؟
"البطالة إلى ارتفاع، وشباب لبنان يتركون البلاد بازدياد"، بهذا يبدأ الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني حديثه إلى "العربي الجديد". ويشرح أن الاغتراب اللبناني (الأخير)، بدأ منذ عشرات السنين ويقسم إلى قسمَين: الأول هو الاغتراب الأفريقي، ونجد عدداً كبيراً من اللبنانيين الذين هاجروا إلى أفريقيا وعاد قسم منهم إلى لبنان للاستثمار في البلد، نظراً لسهولة التواصل وقرب المسافات. أما الثاني فهو الاغتراب الأميركي، ونظراً لبعد المسافات بين لبنان والأميركتَين، قرّر عدد كبير من اللبنانيين البقاء هناك للعمل نتيجة صعوبة التواصل. لذا باتت العودة صعبة للغاية".
يتابع وزني: "نضيف إلى ذلك الاغتراب إلى الخليج ودول الجوار. وفي مقدّمة الأسباب البحث عن عمل وإيجاد وظائف غير متوفرة في لبنان في ظل أوضاع اقتصاديّة صعبة". ويوضح أن "آخر الدراسات بيّنت أن 50% من الذين هاجروا، فعلوا ذلك من أجل جني المال والثروات. وفي نهاية المطاف، يمكننا الحديث عن 13 إلى 15 ألف مهاجر سنوياً، لأن سوق العمل لم يعد قادراً على استيعابهم. بالتالي، يخسر لبنان الكفاءات والمهارات". ويشدّد على أن النقطة الأخيرة هي من أبرز تداعيات الهجرة السلبيّة".
لكن وزني يتحدّث عن وجه إيجابي للهجرة. فهي من جهة تدعم القطاع المصرفي وتساهم في الاستثمارات وشراء العقارات، إلى جانب المساعدة الماليّة للأسر والدعم الاجتماعي والاقتصادي. فقد وصلت قيمة تحويلات اللبنانيّين ما بين عامَي 2004 و2014 إلى 100 مليار دولار أميركي. وهذا مؤشر إيجابي لدعم الاقتصاد، بالإضافة إلى أنها النسبة الأعلى في المنطقة والجوار.
ويوضح وزني أن عنصر الشباب الباحث عن عمل يطغى على الهجرة، بعكس ما كان عليه الأمر في السابق عندما كانت الهجرة تقتصر على الأسر ككل.
ويلفت إلى أن 65% من تحويلات المغتربين في الفترة الأخيرة تأتي من المنطقة العربيّة، إذ وصل عدد اللبنانيين مع أسرهم في دول الخليج إلى 500 ألف، عدد العاملين بينهم 360 ألفاً. يضيف: أن هجرة اللبناني ستستمرّ طالما أن نمط الاقتصاد في لبنان لا يخلق فرص عمل. ففي حين نجد فقط ثلاثة آلاف و800 فرصة عمل، يحتاج سوق العمل سنوياً إلى 23 ألف فرصة عمل.
أما الحلول والحدّ من البطالة والهجرة، فيرى وزني أن "المطلوب اليوم وبإلحاح، تغيير نمط الاقتصاد إلى 80% اقتصادا منتجا وإبداعا. فهجرة الشباب (24 - 32 عاماً) تأتي- وللأسف- نتيجة البطالة المرتفعة التي وصلت إلى 25%. وتبلغ نسب هجرة الذكور 34% في مقابل 18% للإناث". ويتابع أن "هذا الوضع السيئ سيزداد سوءاً، طالما الاقتصاد اللبناني مرتبط بالأوضاع السياسيّة والإقليميّة".
من جهته، يؤكّد وزير الشؤون الاجتماعيّة رشيد درباس لـ"العربي الجديد" أنه "على قدر المستطاع، نحاول التمسّك بالأمل". ويلفت إلى "ورقة استراتيجيّة جديدة، تعمل الحكومة بناءً عليها مع الأمم المتحدة للحدّ من هجرة الشباب، وذلك من خلال إيجاد حلول ممكنة. فبكل أسف، هذا الأمر مرتبط بعدم الاستقرار في البلد، وعدم إنجاز الاستحقاق الرئاسي والخلاف السياسي بشكل عام. وقد انعكس ذلك كله على الوضع الاقتصادي وزاده سوءاً، وبالتالي باتت فرص العمل ضئيلة".
إلى ذلك، تقسم هجرة اللبنانيّين إلى ثلاث مراحل هي:
-الأولى: من القرن السابع عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر. فقد سافر خلالها عدد محدود من اللبنانيّين والسوريّين إلى مصر وإلى أبرز المدن التجارية في أوروبا والشرق الأدنى (ليفورنو، مرسيليا، مانشستر).
-الثانية: "مرحلة المتصرفيّة"، من منتصف القرن التاسع عشر حتى السنوات الأولى من القرن العشرين. وسافر خلالها عدد غير محدود إلى الأميركتَين الشماليّة والجنوبيّة، على الرغم من محاولة الإمبراطوريّة العثمانيّة الحؤول دون سفرهم، بسبب الحاجة إلى عناصر شابة تخدم في الجيش العثماني. أما معظم المهاجرين فكانوا شباناً مسيحيّين ودروزاً، أكثرهم من مستوى اجتماعي متدنٍ وثقافة محدودة.
-الثالثة: مرحلة الانتداب بعد الحرب العالميّة الأولى. حينها، أغلقت أبواب الولايات المتحدة الأميركيّة وبعض البلدان الأخرى في وجه الوافدين الجدد، لتنفتح أبواب أخرى في المستعمرات الأفريقيّة التي كان يديرها البريطانيّون والفرنسيّون وكانت تحتاج إلى عناصر جديدة.
من جهته، ترك نبيل عطالله لبنان قبل عشر سنوات ليعمل في دول الخليج العربي. يقول: "تركت عائلتي، زوجتي وأولادي الثلاثة، للعمل في الخليج. لكن، وسط هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد، بتّ قلقاً على مصير أبنائي ومستقبلهم. وقررنا الهجرة وترك البلد نهائياً لضمان مستقبلهم". يضيف: "لم يتبقَ أي حافز يدفعنا إلى البقاء. الأمور تتأزم أكثر فأكثر".
أما خضر (تحفّظ عن ذكر اسم عائلته)، فيقول: "نتعلم ونكدح ليلاً ونهاراً للحصول على شهادة. لكننا نصدم بالراتب الذي غالباً ما يكون الحدّ الأدنى للأجور، وبالكاد يكفي معيشتنا من دون أن يؤمّن مستقبلنا. لذا، أجهّز أوراقي للحصول على تأشيرة سفر إلى كندا. في هذا البلد، ما من مستقبل".
وتشير دراسة أعدتها المنظمة الدوليّة للهجرة إلى أن لبنان قد يشكّل البلد الأول في العالم لجهة كثافة الهجرة، مقارنة بعدد سكانه. كذلك، تظهر أن عدد اللبنانيّين المقيمين في البرازيل مثلاً يفوق الستة ملايين شخص، في حين يصل العدد في كل من أميركا الشماليّة وبقيّة بلدان أميركا الجنوبيّة إلى ستة ملايين مهاجر. أما أوروبا وأفريقيا والبلدان العربيّة - خصوصاً الخليج - فتتقاسم نصف مليون مهاجر لبناني. ويبقى السؤال عن جديد هذه الأرقام: هل من تزايد بفعل الأزمة الاقتصاديّة الخانقة؟
"البطالة إلى ارتفاع، وشباب لبنان يتركون البلاد بازدياد"، بهذا يبدأ الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني حديثه إلى "العربي الجديد". ويشرح أن الاغتراب اللبناني (الأخير)، بدأ منذ عشرات السنين ويقسم إلى قسمَين: الأول هو الاغتراب الأفريقي، ونجد عدداً كبيراً من اللبنانيين الذين هاجروا إلى أفريقيا وعاد قسم منهم إلى لبنان للاستثمار في البلد، نظراً لسهولة التواصل وقرب المسافات. أما الثاني فهو الاغتراب الأميركي، ونظراً لبعد المسافات بين لبنان والأميركتَين، قرّر عدد كبير من اللبنانيين البقاء هناك للعمل نتيجة صعوبة التواصل. لذا باتت العودة صعبة للغاية".
يتابع وزني: "نضيف إلى ذلك الاغتراب إلى الخليج ودول الجوار. وفي مقدّمة الأسباب البحث عن عمل وإيجاد وظائف غير متوفرة في لبنان في ظل أوضاع اقتصاديّة صعبة". ويوضح أن "آخر الدراسات بيّنت أن 50% من الذين هاجروا، فعلوا ذلك من أجل جني المال والثروات. وفي نهاية المطاف، يمكننا الحديث عن 13 إلى 15 ألف مهاجر سنوياً، لأن سوق العمل لم يعد قادراً على استيعابهم. بالتالي، يخسر لبنان الكفاءات والمهارات". ويشدّد على أن النقطة الأخيرة هي من أبرز تداعيات الهجرة السلبيّة".
لكن وزني يتحدّث عن وجه إيجابي للهجرة. فهي من جهة تدعم القطاع المصرفي وتساهم في الاستثمارات وشراء العقارات، إلى جانب المساعدة الماليّة للأسر والدعم الاجتماعي والاقتصادي. فقد وصلت قيمة تحويلات اللبنانيّين ما بين عامَي 2004 و2014 إلى 100 مليار دولار أميركي. وهذا مؤشر إيجابي لدعم الاقتصاد، بالإضافة إلى أنها النسبة الأعلى في المنطقة والجوار.
ويوضح وزني أن عنصر الشباب الباحث عن عمل يطغى على الهجرة، بعكس ما كان عليه الأمر في السابق عندما كانت الهجرة تقتصر على الأسر ككل.
ويلفت إلى أن 65% من تحويلات المغتربين في الفترة الأخيرة تأتي من المنطقة العربيّة، إذ وصل عدد اللبنانيين مع أسرهم في دول الخليج إلى 500 ألف، عدد العاملين بينهم 360 ألفاً. يضيف: أن هجرة اللبناني ستستمرّ طالما أن نمط الاقتصاد في لبنان لا يخلق فرص عمل. ففي حين نجد فقط ثلاثة آلاف و800 فرصة عمل، يحتاج سوق العمل سنوياً إلى 23 ألف فرصة عمل.
أما الحلول والحدّ من البطالة والهجرة، فيرى وزني أن "المطلوب اليوم وبإلحاح، تغيير نمط الاقتصاد إلى 80% اقتصادا منتجا وإبداعا. فهجرة الشباب (24 - 32 عاماً) تأتي- وللأسف- نتيجة البطالة المرتفعة التي وصلت إلى 25%. وتبلغ نسب هجرة الذكور 34% في مقابل 18% للإناث". ويتابع أن "هذا الوضع السيئ سيزداد سوءاً، طالما الاقتصاد اللبناني مرتبط بالأوضاع السياسيّة والإقليميّة".
من جهته، يؤكّد وزير الشؤون الاجتماعيّة رشيد درباس لـ"العربي الجديد" أنه "على قدر المستطاع، نحاول التمسّك بالأمل". ويلفت إلى "ورقة استراتيجيّة جديدة، تعمل الحكومة بناءً عليها مع الأمم المتحدة للحدّ من هجرة الشباب، وذلك من خلال إيجاد حلول ممكنة. فبكل أسف، هذا الأمر مرتبط بعدم الاستقرار في البلد، وعدم إنجاز الاستحقاق الرئاسي والخلاف السياسي بشكل عام. وقد انعكس ذلك كله على الوضع الاقتصادي وزاده سوءاً، وبالتالي باتت فرص العمل ضئيلة".
إلى ذلك، تقسم هجرة اللبنانيّين إلى ثلاث مراحل هي:
-الأولى: من القرن السابع عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر. فقد سافر خلالها عدد محدود من اللبنانيّين والسوريّين إلى مصر وإلى أبرز المدن التجارية في أوروبا والشرق الأدنى (ليفورنو، مرسيليا، مانشستر).
-الثانية: "مرحلة المتصرفيّة"، من منتصف القرن التاسع عشر حتى السنوات الأولى من القرن العشرين. وسافر خلالها عدد غير محدود إلى الأميركتَين الشماليّة والجنوبيّة، على الرغم من محاولة الإمبراطوريّة العثمانيّة الحؤول دون سفرهم، بسبب الحاجة إلى عناصر شابة تخدم في الجيش العثماني. أما معظم المهاجرين فكانوا شباناً مسيحيّين ودروزاً، أكثرهم من مستوى اجتماعي متدنٍ وثقافة محدودة.
-الثالثة: مرحلة الانتداب بعد الحرب العالميّة الأولى. حينها، أغلقت أبواب الولايات المتحدة الأميركيّة وبعض البلدان الأخرى في وجه الوافدين الجدد، لتنفتح أبواب أخرى في المستعمرات الأفريقيّة التي كان يديرها البريطانيّون والفرنسيّون وكانت تحتاج إلى عناصر جديدة.