بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، مرت الولايات المتحدة بحقبة أمنية مشددة، تحت لافتة "الحرب على الإرهاب"، والتي رفعها الرئيس السابق جورج بوش الابن. هذه الحقبة غيرت كثيراً في التعاطي الأميركي مع خطر الإرهاب، والذي ترجم فعلياً على شكل استهداف المسلمين في أميركا، علاوة على حروب واسعة في أفغانستان والعراق، غيرت وجه المنطقة.
لكن هذه الحقبة الأمنية لم تطل، إذ يُقدر بأن الإجراءات الأميركية القاسية، والتي ترجمت على شكل قانون لمواجهة الإرهاب، مُرر سريعاً بعد أحداث سبتمبر/ أيلول عبر الكونغرس، لم تؤثر في أوضاع العرب والمسلمين إلا في الفترة ما بين 2001 و2005 بحسب مراقبين، على الرغم من التحقيقات التي أجرتها السلطات الأميركية مع أكثر من 200 ألف مسلم، وترحيل عشرات الآلاف من المسلمين على خلفية أدنى شبهة أو خلل في الأوراق الرسمية، وزيادة حوادث الكراهية ضد العرب والمسلمين في أميركا لنسبة تقارب 1600% بين ما قبل أحداث سبتمبر/ أيلول وما بعدها، ووضع دول إسلامية على قائمة تدقيق "الفيزا" مثل باكستان والسعودية والجزائر. لكن من المستبعد أن يكون استهداف أوروبا من قبل الإرهابيين، وعدم حدوث هجمات ذات معنى في الولايات المتحدة، باستثناء هجمات ماراثون بوسطن في 2013، وعمليات أخرى أصغر حجماً، راجعاً للإجراءات الأمنية فقط.
اختلافات ديمغرافية
الجالية المسلمة في الولايات المتحدة أقل عدداً منها في أوروبا بشكل كبير، ورغم أن الأنظمة الأميركية تمنع القيام بإحصاءات على أسس دينية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن نسبة المسلمين في أميركا تقارب 1%، بوجود قرابة 3 ملايين مسلم. ومع قلة عدد المسلمين في أميركا، إلا أن الجالية المسلمة هي الأكثر "تعددية" عرقياً، بل هي – على الإطلاق – الأكثر تنوعاً من الناحية العرقية مقارنة بالتجمعات الدينية الأخرى، بالإضافة إلى أن ربع المسلمين في الولايات المتحدة هم من المتحولين إلى الإسلام، أي ليسوا وافدين جدُداً. والكثير من المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، لا سيما العرب، هم من الطبقة الوسطى، إن صح الوصف، وهم منتشرون على نطاق واسع في أغلب الولايات الأميركية، باستثناء تجمعات كبيرة نسبية محدودة كما في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغن، بمعنى أن المسلمين بسبب قلة عددهم، وتنوعهم العرقي، وعدم تجمعهم في "غيتوهات"، ومستواهم الاقتصادي، كانوا أكثر اندماجاً في المجتمع الأميركي، منهم في أوروبا.
اقرأ أيضاً: أوروبا ضد تدفق اللاجئين.. قوانين وأسلاك شائكة وعنف
في المقابل، الأقلية المسلمة في أوروبا أقل تعددية من الناحية العرقية، فعلى سبيل المثال، يغلب على مسلمي فرنسا أنهم من دول شمال أفريقيا، خاصة الجزائر والمغرب، والأقلية المسلمة الأكبر في ألمانيا هي من تركيا. كما تعيش الأقلية المسلمة في أوروبا أوضاعاً مختلفة عنها في أميركا، فالمهاجرون المسلمون هم "عمالة رخيصة" في أغلبهم، يعيشون في ما يشبه "الغيتو" في دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا، بالإضافة إلى أنهم يعانون من التهميش الاقتصادي والسياسي، في ظل وجودة أزمة اندماج في أوروبا، خصوصاً في ما يتعلق بالجيل الثالث والرابع من المهاجرين المسلمين إلى فرنسا. هذه العوامل مجتمعة ساهمت بحسب مراقبين في نشأة خطاب ديني إسلامي أكثر تشدداً في أوروبا، مقارنة بالخطاب الديني المنتشر في الدول الإسلامية.
تزامن هذا الخلل الاجتماعي في أوروبا، مع صعود لليمين المتطرف، على مدى ثلاثة عقود ماضية. وهنا يمكن تسجيل اختلاف مهم في ظاهرة الصعود اليميني بين دول أوروبا والولايات المتحدة. فبينما كانت أميركا تُعرف نفسها دائماً بأنها "دولة مهاجرين" باعتبار هذه الفكرة متأصلة في تاريخ تكوين الدولة (وإن لم يكن حقيقياً)، كانت الدول الأوروبية عبارة عن دول "قومية" ذات هوية يكاد يتطابق فيها العامل العرقي بالهوية الوطنية، مما جعل اليمين المتطرف في أوروبا أيديولوجيا صاعدة وعدوانية، كان الأمر في الولايات المتحدة لا يعدو كونه ظاهرة إعلامية عابرة، أو تحركاً غير منظم وشعبوياً، ونجد ذروة هذا الخطاب العنصري ضد المهاجرين في تصريحات المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية، دونالد ترامب، المرفوضة من الحزب الجمهوري الذي يمثله، كما أنه خطاب عنصري عام، استهدف المسلمين، وذوي الأصول اللاتينية، فليست ظاهرة عنصرية تستهدف المسلمين تحديداً، كما هو الحال في أوروبا، خاصة بعد هجمات مدريد ولندن في 2004 و2005 على التوالي، حيث ترجمت الحالة العنصرية القديمة في أوروبا، على شكل وصم للمسلمين بالإرهاب.
أهداف استهداف أوروبا
الأسباب التي تجعل إمكانيات التجنيد، وانتشار الأفكار المتطرفة بين المسلمين في أوروبا، أكبر منها في الولايات المتحدة، هي ذات الأسباب التي تجعل تنظيمات إرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" يستهدف أوروبا، كخيار سياسي وتكتيكي. أي استغلال غضب وتهميش واستبعاد المسلمين الاجتماعي والاقتصادي، في محاولة لرفع حالة الاستقطاب داخل المجتمع، مما يسهل للتنظيم تجنيد المزيد من العناصر في صفوفه، خاصة مع سفر هؤلاء إلى العراق وسورية. وهذه هي استراتيجية التنظيم التي نجحت في العراق، ويحاول تنفيذها في الخليج وأوروبا اليوم. فقد تعمد أبو مصعب الزرقاوي، وبحسب الرسائل التي وجهها إلى زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، إلى القيام باستهداف الشيعة في العراق، من أجل أن ترد المليشيات الشيعية بأعمال انتقامية ضد السنة، مما يرفع حدة حالة الاستقطاب بين السنة، فيقومون بالانضمام إلى تنظيم "جماعة التوحيد والجهاد" التي كان يقودها الزرقاوي آنذاك، لحماية أنفسهم من العمليات الانتقامية، والتي ساهم الزرقاوي نفسه في خلقها، الاستراتيجية التي تظهر وثائق "آبوت أباد" أن بن لادن قام بالاعتراض عليها لاحقاً.
هذه الفكرة، أي زيادة الاستقطاب داخل المجتمع، من أجل تعزيز قدرات التنظيم على التجنيد، قابلة للتطبيق في أوروبا، في ظل تهميش الأقلية المسلمة، وصعود اليمين الأوروبي المتطرف، بينما هي غير مجدية في الولايات المتحدة، حيث لا توجد أقلية مسلمة مهمشة، لتتم محاولة "تثويرهم".
على عكس ما يتم الترويج له من قبل اليمين الأوروبي، لا يعتبر تدفق اللاجئين الخطر الأمني الأكبر في أوروبا، إذ يغلب على العمليات التي حدثت هناك أن يقوم بها مهاجرون سابقون، أو جيل ثالث أو رابع من المهاجرين الذين لم يندمجوا في النسيج الاجتماعي الأوروبي، فهي ليست عمليات مرتجلة قام بها لاجئون جاؤوا على عجل عبر البحر في عمومها، بل ظاهرة "أوروبية" إن صح الوصف. لكن من الممكن أن يكون موضوع اللاجئين من العوامل التي تجعل "داعش" يستهدف أوروبا أكثر من غيرها، باعتبار أن القيام بعمليات على التراب الأوروبي، سيؤدي إلى قيام الاتحاد باتخاذ إجراءات أمنية مشددة، تزامناً مع تبني سياسات يمينية تجاه الأجانب، تعيق تدفق اللاجئين، أو تزيد من النقمة في أوساطهم، مما يؤدي إما إلى تسهيل استقطابهم من قبل المنظمات الإرهابية حال عودتهم إلى بلدانهم، أو تهميشهم وإقصائهم في بلدن اللجوء الأوروبية. هذا لا يقلل من المخاطر الأمنية لتدفق اللاجئين إلى أوروبا، لكن معطيات حالة الإرهاب في أوروبا، لم تُخلق من تدفق اللاجئين خلال العامين الماضيين.
اقرأ أيضاً: من هما المتهمان بهجمات بروكسل؟
لكن هذه الحقبة الأمنية لم تطل، إذ يُقدر بأن الإجراءات الأميركية القاسية، والتي ترجمت على شكل قانون لمواجهة الإرهاب، مُرر سريعاً بعد أحداث سبتمبر/ أيلول عبر الكونغرس، لم تؤثر في أوضاع العرب والمسلمين إلا في الفترة ما بين 2001 و2005 بحسب مراقبين، على الرغم من التحقيقات التي أجرتها السلطات الأميركية مع أكثر من 200 ألف مسلم، وترحيل عشرات الآلاف من المسلمين على خلفية أدنى شبهة أو خلل في الأوراق الرسمية، وزيادة حوادث الكراهية ضد العرب والمسلمين في أميركا لنسبة تقارب 1600% بين ما قبل أحداث سبتمبر/ أيلول وما بعدها، ووضع دول إسلامية على قائمة تدقيق "الفيزا" مثل باكستان والسعودية والجزائر. لكن من المستبعد أن يكون استهداف أوروبا من قبل الإرهابيين، وعدم حدوث هجمات ذات معنى في الولايات المتحدة، باستثناء هجمات ماراثون بوسطن في 2013، وعمليات أخرى أصغر حجماً، راجعاً للإجراءات الأمنية فقط.
اختلافات ديمغرافية
الجالية المسلمة في الولايات المتحدة أقل عدداً منها في أوروبا بشكل كبير، ورغم أن الأنظمة الأميركية تمنع القيام بإحصاءات على أسس دينية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن نسبة المسلمين في أميركا تقارب 1%، بوجود قرابة 3 ملايين مسلم. ومع قلة عدد المسلمين في أميركا، إلا أن الجالية المسلمة هي الأكثر "تعددية" عرقياً، بل هي – على الإطلاق – الأكثر تنوعاً من الناحية العرقية مقارنة بالتجمعات الدينية الأخرى، بالإضافة إلى أن ربع المسلمين في الولايات المتحدة هم من المتحولين إلى الإسلام، أي ليسوا وافدين جدُداً. والكثير من المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، لا سيما العرب، هم من الطبقة الوسطى، إن صح الوصف، وهم منتشرون على نطاق واسع في أغلب الولايات الأميركية، باستثناء تجمعات كبيرة نسبية محدودة كما في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغن، بمعنى أن المسلمين بسبب قلة عددهم، وتنوعهم العرقي، وعدم تجمعهم في "غيتوهات"، ومستواهم الاقتصادي، كانوا أكثر اندماجاً في المجتمع الأميركي، منهم في أوروبا.
اقرأ أيضاً: أوروبا ضد تدفق اللاجئين.. قوانين وأسلاك شائكة وعنف
في المقابل، الأقلية المسلمة في أوروبا أقل تعددية من الناحية العرقية، فعلى سبيل المثال، يغلب على مسلمي فرنسا أنهم من دول شمال أفريقيا، خاصة الجزائر والمغرب، والأقلية المسلمة الأكبر في ألمانيا هي من تركيا. كما تعيش الأقلية المسلمة في أوروبا أوضاعاً مختلفة عنها في أميركا، فالمهاجرون المسلمون هم "عمالة رخيصة" في أغلبهم، يعيشون في ما يشبه "الغيتو" في دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا، بالإضافة إلى أنهم يعانون من التهميش الاقتصادي والسياسي، في ظل وجودة أزمة اندماج في أوروبا، خصوصاً في ما يتعلق بالجيل الثالث والرابع من المهاجرين المسلمين إلى فرنسا. هذه العوامل مجتمعة ساهمت بحسب مراقبين في نشأة خطاب ديني إسلامي أكثر تشدداً في أوروبا، مقارنة بالخطاب الديني المنتشر في الدول الإسلامية.
تزامن هذا الخلل الاجتماعي في أوروبا، مع صعود لليمين المتطرف، على مدى ثلاثة عقود ماضية. وهنا يمكن تسجيل اختلاف مهم في ظاهرة الصعود اليميني بين دول أوروبا والولايات المتحدة. فبينما كانت أميركا تُعرف نفسها دائماً بأنها "دولة مهاجرين" باعتبار هذه الفكرة متأصلة في تاريخ تكوين الدولة (وإن لم يكن حقيقياً)، كانت الدول الأوروبية عبارة عن دول "قومية" ذات هوية يكاد يتطابق فيها العامل العرقي بالهوية الوطنية، مما جعل اليمين المتطرف في أوروبا أيديولوجيا صاعدة وعدوانية، كان الأمر في الولايات المتحدة لا يعدو كونه ظاهرة إعلامية عابرة، أو تحركاً غير منظم وشعبوياً، ونجد ذروة هذا الخطاب العنصري ضد المهاجرين في تصريحات المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية، دونالد ترامب، المرفوضة من الحزب الجمهوري الذي يمثله، كما أنه خطاب عنصري عام، استهدف المسلمين، وذوي الأصول اللاتينية، فليست ظاهرة عنصرية تستهدف المسلمين تحديداً، كما هو الحال في أوروبا، خاصة بعد هجمات مدريد ولندن في 2004 و2005 على التوالي، حيث ترجمت الحالة العنصرية القديمة في أوروبا، على شكل وصم للمسلمين بالإرهاب.
أهداف استهداف أوروبا
الأسباب التي تجعل إمكانيات التجنيد، وانتشار الأفكار المتطرفة بين المسلمين في أوروبا، أكبر منها في الولايات المتحدة، هي ذات الأسباب التي تجعل تنظيمات إرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" يستهدف أوروبا، كخيار سياسي وتكتيكي. أي استغلال غضب وتهميش واستبعاد المسلمين الاجتماعي والاقتصادي، في محاولة لرفع حالة الاستقطاب داخل المجتمع، مما يسهل للتنظيم تجنيد المزيد من العناصر في صفوفه، خاصة مع سفر هؤلاء إلى العراق وسورية. وهذه هي استراتيجية التنظيم التي نجحت في العراق، ويحاول تنفيذها في الخليج وأوروبا اليوم. فقد تعمد أبو مصعب الزرقاوي، وبحسب الرسائل التي وجهها إلى زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، إلى القيام باستهداف الشيعة في العراق، من أجل أن ترد المليشيات الشيعية بأعمال انتقامية ضد السنة، مما يرفع حدة حالة الاستقطاب بين السنة، فيقومون بالانضمام إلى تنظيم "جماعة التوحيد والجهاد" التي كان يقودها الزرقاوي آنذاك، لحماية أنفسهم من العمليات الانتقامية، والتي ساهم الزرقاوي نفسه في خلقها، الاستراتيجية التي تظهر وثائق "آبوت أباد" أن بن لادن قام بالاعتراض عليها لاحقاً.
هذه الفكرة، أي زيادة الاستقطاب داخل المجتمع، من أجل تعزيز قدرات التنظيم على التجنيد، قابلة للتطبيق في أوروبا، في ظل تهميش الأقلية المسلمة، وصعود اليمين الأوروبي المتطرف، بينما هي غير مجدية في الولايات المتحدة، حيث لا توجد أقلية مسلمة مهمشة، لتتم محاولة "تثويرهم".
على عكس ما يتم الترويج له من قبل اليمين الأوروبي، لا يعتبر تدفق اللاجئين الخطر الأمني الأكبر في أوروبا، إذ يغلب على العمليات التي حدثت هناك أن يقوم بها مهاجرون سابقون، أو جيل ثالث أو رابع من المهاجرين الذين لم يندمجوا في النسيج الاجتماعي الأوروبي، فهي ليست عمليات مرتجلة قام بها لاجئون جاؤوا على عجل عبر البحر في عمومها، بل ظاهرة "أوروبية" إن صح الوصف. لكن من الممكن أن يكون موضوع اللاجئين من العوامل التي تجعل "داعش" يستهدف أوروبا أكثر من غيرها، باعتبار أن القيام بعمليات على التراب الأوروبي، سيؤدي إلى قيام الاتحاد باتخاذ إجراءات أمنية مشددة، تزامناً مع تبني سياسات يمينية تجاه الأجانب، تعيق تدفق اللاجئين، أو تزيد من النقمة في أوساطهم، مما يؤدي إما إلى تسهيل استقطابهم من قبل المنظمات الإرهابية حال عودتهم إلى بلدانهم، أو تهميشهم وإقصائهم في بلدن اللجوء الأوروبية. هذا لا يقلل من المخاطر الأمنية لتدفق اللاجئين إلى أوروبا، لكن معطيات حالة الإرهاب في أوروبا، لم تُخلق من تدفق اللاجئين خلال العامين الماضيين.
اقرأ أيضاً: من هما المتهمان بهجمات بروكسل؟