تحوّلت محافظة الضالع اليمنية، خلال الأيام الماضية، إلى صدارة المناطق الساخنة في اليمن، في أعقاب سلسلةٍ من الهجمات استهدفت المنظمات الإغاثية العاملة في المدينة، وأثارت موجةً من التساؤلات بشأن الجهات التي تقف وراءها، والمآل الذي ينتظر مصير المحافظة، التي تعد بمثابة معقل لما عُرف بـ"الحراك الجنوبي"، ولا تزال تدفع ثمن الحرب مع مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في أجزاء منها، حتى اليوم.
وأفادت مصادر محلية متطابقة لـ"العربي الجديد"، بأن أصابع الاتهام بشأن الهجمات التي شهدتها مدينة الضالع، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، تتجه نحو جماعة سلفية متشددة تابعة للقيادي في "المقاومة"، رشاد السلفي الضالعي، بعدما تبنّت خطاباً معادياً لدور المنظمات الإغاثية، لكنها نفت تورطها بالهجوم على مقرات هذه المنظمات، والذي وقع منذ أسبوع.
ووفقاً للمصادر، فإن الاتهامات تأتي على خلفية الخطاب الذي تبنّته منابر بعض المساجد في الضالع، المحسوبة على جماعة السلفي، والتي حذرت من الدور الذي تمارسه المنظمات في المحافظة. لكن السلفي، الذي أقر بالتحذير من دور المنظمات الأجنبية واعتبر أنها "جاءت لإفساد عقيدة المسلمين وأخلاقهم ومبادئهم السامية"، قال إن السلفيين "بعيدون عن هذه الأفعال وعن فاعلها"، وذهب إلى حدّ عدم استبعاد أن يكون التفجير الذي استهدف مقر بعض المنظمات هو من فعل بعض الموالين لها، لأجل أن يلبسوا التهمة لمن حذر منها".
وكانت الهجمات قد استهدفت مقرات ومكاتب تابعة لمنظمات إغاثية، أبرزها منظمة "أكتد" الفرنسية، ومنظمة "أوكسفام" البريطانية، إلى جانب لجنة الإنقاذ الدولية، في حين اضطرت أغلب مكاتب المنظمات الأخرى العاملة في المحافظة إلى إغلاق أبوابها، بعد تكرار عمليات الاستهداف بقذائف صاروخية من نوع "آر بي جي"، كما انفجرت عبوة ناسفة، على الأقل، يوم الأربعاء الماضي، قرب مقر "أوكسفام".
وفي أعقاب هجمات الضالع، التي لاقت تنديداً على نطاق واسع من قبل الجهات اليمنية والإنسانية، أصدرت الحكومة الشرعية بوصفها المسؤول شكلاً عن المحافظة، وكذلك ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، أكثر من بيان يندد بالهجمات، ويشدد على التحرك لملاحقة المسؤولين عنها، وأهمية حماية منظمات العمل الإغاثي، إلا أن التحركات لم تصل إلى الإعلان عن ضبط متهمين، لتعكس جانباً من الوضع الأمني المعقد في المدينة.
ومنذ سنوات طويلة، عُرفت الضالع كمعقلٍ لما يُعرف بـ"الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال، والذي تصاعدت فعالياته منذ العام 2007. وشهدت المدينة أعمالاً مسلحة ومواجهات بين مسلحين من "الحراك" وقوات حكومية، قبل أن تتحول منذ العام 2015، إلى واحدة من أبرز جبهات الحرب مع الحوثيين، من جهة، ومركز ثقلٍ سكاني وعسكري بالنسبة لحلفاء أبوظبي والتشكيلات العسكرية التي تألفت في السنوات الأخيرة، من جهة أخرى.
وفي السياق، تكتسب الضالع أهميةً لكونها المحافظة التي يتحدر منها رئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي، وكذلك مدير أمن عدن المُقال، والذي يعد من أبرز أذرع المجلس في المدينة، شلال علي شائع، في حين يبرز حضور السلفيين، الذين يتمتعون بانتشار ملحوظ في مختلف المناطق اليمنية تحديداً، كثاني أهم مكوّن في الضالع، وتعزز نفوذهم إثر انخراطهم بالمواجهات مع الحوثيين، كما جماعات أخرى لعبت دوراً ميدانياً، على غرار جماعة "أبو العباس" بزعامة عادل فارع في تعز.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه المواجهات بصورةٍ متقطعة على أطراف المحافظة القريبة من محافظة إب، بين الحوثيين من جهة، والتشكيلات الحكومية والمحسوبة على "الانتقالي" من جهة أخرى، يأتي بروز شبح التطرف في مدينة الضالع ليثير مخاوف متزايدة من تحوّلها إلى بؤرة جديدة للعنف، الذي قد تجد فيه جماعات مصنفة بالإرهاب، كتنظيمي "القاعدة" و"داعش"، موطئ قدم لها، بعدما تعرض التنظيمان لخسائر في العديد من المحافظات اليمنية، وتراجع انتشارهما إلى حدٍّ كبير منذ شهور طويلة.
الجدير بالذكر أن وجود المنظمات الدولية في الضالع تعرض لموجات تحريضٍ منذ أكثر من عام، إذ اضطرت منظمة "أطباء بلا حدود"، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى إيقاف عملها في المحافظة. حينذاك، أفادت المنظمة بتعرض مرافقها والعاملين الصحيين الذين تدعمهم لهجمات وتهديدات وصفتها بالعنيفة، وقالت إن "الحوادث الأمنية الخطيرة التي استهدفت مرضانا وموظفينا والمرافق الطبية التي تدعمها المنظمة بشكل مباشر في المنطقة، ازدادت"، وإنه "لم يعد أمامنا خيار سوى إيقاف كافة أنشطتنا الطبية والإنسانية".
ويرى الصحافي والمحلل السياسي عبد الرقيب الهدياني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن جميع الأطراف المتصدرة للوجود في الضالع، يمكن أن تكون طرفاً بما جرى، مشيراً إلى أن "المجلس الانتقالي" هو الآخر لديه وقائع اعتداءات على منظمات ومنعها من إقامة فعاليات، منها فعالية لمنظمة "يونيسف". كما يشدد الهدياني على أن السلفيين هم طرف مسؤول أيضاً عن التحريض ضد المنظمات، لكنه يعتبر أن ما يحصل في المحافظة بصورة إجمالية هو نتيجة لغياب الدولة، مضيفاً أنه "عندما تغيب الدولة وتحضر المليشيات، تتعدد السلطات ويحصل هذا الفراغ وهذه الفوضى".