رصاصة جديدة أطلقها الرئيس السوداني عمر البشير في جسد الحوار الوطني، بقوله إن هناك مخططاً إسرائيلياً لاستلام السلطة في الخرطوم بالقوة من قِبل "الجبهة الثورية"، (التي تضم الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال والحركات الدارفورية)، وإن الاختيار وقع على زعيم حزب "الأمة" المعارض الصادق المهدي، كشخصية قومية لترؤس السلطة الجديدة.
وتشهد عملية الحوار الوطني التي أطلقها البشير منذ يناير/كانون الثاني الماضي، حالة جمود، إذ لم تنتقل حتى الآن من مرحلة الإعلان إلى الفعل الحقيقي.
اتهامات البشير إلى "الجبهة الثورية" بالتعامل مع إسرائيل لم تكن جديدة، ولكن الجديد أن تطال تلك الاتهامات المهدي، ويصيبه رذاذ التخوين بشكل مباشر، خصوصاً أن الرجل يتمتع بزعامة عقائدية إلى جانب الزعامة السياسية، إذ يتقلد "إمامة الأنصار" التي ورثها عن جده الأكبر محمد أحمد المهدي، الذي عمّق فكرة المهدية في القرن التاسع عشر.
ويغلق البشير بتلك الاتهامات الباب أمام عودة "الإمام الصادق" إلى الحوار، باعتبار أن عملية التخوين والاتهام بالتعاون مع إسرائيل بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لحزب "الأمة".
وسبق أن أعلن الرئيس السوداني رفضه القاطع لإعلان باريس، الذي وقّعه المهدي في أغسطس/آب الماضي مع "الجبهة الثورية" عقب خروجه من السجن الذي مكث فيه قرابة الشهر، على خلفية اتهامات وجّهها لقوات الدعم السريع (الجنجويد) بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.
وحمل الإعلان موافقة من الجبهة على الحل السياسي، وقبول الدعوة للحوار وفقاً لشروط محددة متعلقة بوقف إطلاق النار، وتهيئة مناخ الحوار، وإطلاق سراح المعتقلين، كما أقرّ برئاسة محايدة للحوار.
وكان البشير قال في وقت سابق، إن "اتفاق باريس رُتِّب له عبر شخصية إسرائيلية"، ولكنه تعمّد أمس الأول بث تفاصيل أكثر لمزاعمه، إذ قال لدى تعليقه على مطالبة أحد أعضاء الجمعية العمومية لأحزاب الحوار في اجتماعها في الخرطوم، يوم الأحد، إن لديه معلومات مفصّلة بشأن إعلان باريس، الذي أكد أنه بمثابة اتفاق على استلام الحكم في السودان من قِبل "الجبهة الثورية" بالقوة، وأن من جمع وخطط له هي إسرائيل.
وأوضح البشير أنه "وفي إطار بحث هذا المخطط عن شخصية قومية لاستلام السلطة، وقع الاختيار على المهدي". وأشار إلى أن "المخطط يبدأ باستلام مدينة الفاشر شمال دارفور وإعلانها عاصمة مؤقتة للبلاد".
المراقب للوضع عن كثب يجد أن الخرطوم غير راضية تماماً عن تحركات المهدي وتقاربه مع "الجبهة الثورية"، التي يحاول النظام جاهداً عزلها عن المجتمع وإظهارها كتنظيم عنصري مناطقي ضد الشمال "العروبي".
وتقارب المهدي، الذي يمثّل شخصية شمالية ذات زعامة اجتماعية ودينية، مع الجبهة، من شأنه أن يخلق شكوكاً في مزاعم الخرطوم، كما يحقق مكاسب للجبهة على الصعيدين المحلي والدولي، الأمر الذي يخشاه حزب "المؤتمر الوطني" الذي يسعى جاهداً إلى عزلها عن المجتمع، تحت اتهامات التقارب مع إسرائيل والعلمانية وخلافها.
لكن المهدي نفى تماماً الاتهامات بوقوف إسرائيل خلف إعلان باريس، وفي بيان صحافي أصدره سابقاً رداً على مطالبات البشير له بالاعتذار عن توقيع الإعلان، قال إنه مستعد للمساءلة وطنياً وقضائياً عن إعلان باريس في محكمة عادلة، لثقته أن هذا الإعلان ينقل البلاد إلى "ضفة الصلاح".
وقال "إنه معتاد على ذلك التجريح"، معتبراً أن السبب الحقيقي من الانفعال هو أن إعلان باريس استلم زمام المبادرة، ووحّد منابر الحوار في الشأن السوداني، وحسم حيادية الرئاسة، "فعزّ على قادة النظام تجريدهم من آلية ممارسة خطة "فرّق تسد" المعتادة، لتكون المبادرة بيد الشعب، والإشراف على الأمر بيد الأسرة الأفريقية الدولية". وأضاف "كان حرياً بالجميع التجاوب، لا خلق انفعالات خالية".
ويرى مراقبون أن خطوة البشير من شأنها أن تؤثر سلباً على المفاوضات التي ستنطلق الأسبوع المقبل في أديس ابابا بين الحكومة و"الحركة الشعبية ـ قطاع الشمال"، للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. كما أنها تشير إلى اتجاه الحكومة نحو التصعيد، وتؤكد يأسها من إقناع المهدي بالعودة للحوار.
ويرى المحلل السياسي عبدالمنعم أبوإدريس أن اتهامات الرئيس السوداني للمهدي، من شأنها أن تقطع الطريق نهائياً أمام حزب "الأمة" للحاق بالحوار، باعتبار أن تخوين الحزب العقائدي هو "أمر جلل".
ويشير أبوإدريس في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هذا الأمر سيُفقد الحوار قوة فاعلة، وسيُحدث شرخاً في منظومته"، متوقّعاً أن تعمد قوى أخرى لمراجعة استمراريتها فيه.
ويضيف "أن هذه الخطوة من شأنها أن تقود الجبهة الثورية للمضي قدماً نحو التطرف العسكري، وتلجم الأصوات العاقلة بداخلها التي تطالب بالحل السياسي". واعتبر أن "اتهامات البشير بمثابة عقاب للمهدي على تحالفه مع الجبهة".