وبدا أنّ هذه الحقائق أهم ما رصده العراقيون والمجتمع الدولي في حادثة الهجوم على السفارة التي رافقت منذ صباح أمس دعوات لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي إلى انسحابهم دون جدوى، قبل أن يصار إلى أشبه ما يكون باتفاق على انسحابهم مع تهديدات بأنهم قد يعاودون الكرة مرة أخرى، الأمر الذي يكشف عن زيف الادعاءات العراقية بشأن دمج الفصائل المسلحة بالمؤسسات الأمنية.
وأمس الثلاثاء تمكن المئات من أنصار المليشيات من تجاوز الحواجز الأمنية المشددة عند مداخل المنطقة الخضراء ووصلوا إلى حرم السفارة الأميركية وعبثوا ببعض أجزائها الخارجية، ووضعوا رايات المليشيات، وكتبوا عبارات مؤيّدة لقائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني على جدارها، مهددين باقتحامها وحرقها ما لم يتم إغلاقها، وإخراج القوات الأميركية من العراق.
واتخذت القوات العراقية موقف المتفرج من تلك الأحداث، ما أثار تساؤلات بشأن تأكيد حكومة عبد المهدي المتكرر أن الفصائل المسلحة أصبحت جزءاً من المنظومة الأمنية.
وفي يوليو/ تموز من العام الماضي أصدر رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي أمراً ديوانياً (الأمر الديواني هو الذي يصدر من مجلس الوزراء) قرّر فيه وضع آلية تنظيمية جديدة لهيكلية "الحشد الشعبي"، وإلغاء جميع العناوين والمناصب (لمليشيات الحشد) التي تتعارض مع العناوين الواردة في الهيكلية، ومنح مستشار الأمن الوطني فالح الفياض صلاحية تعيين الدرجات الوظيفية المهمة في الهيكلية الجديدة.
إلا أن ظهور فالح الفياض بصفته رئيساً لمليشيات "الحشد" وأبو مهدي المهندس نائبه، وهادي العامري بصفته زعيماً لمليشيا "بدر"، وقيس الخزعلي كونه الأمين العام لمليشيا "العصائب"، وقادة مليشيات أخرى أمام السفارة الأميركية عند اقتحامها أثار كثيراً من علامات الاستفهام بشأن حقيقة اندماج المليشيات في مؤسسات الدولة العراقية.
الردّ على ذلك جاء سريعاً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي وجّه اتهامات إلى أربعة من قادة المليشيات العراقية المرتبطة بإيران، بالوقوف وراء التحريض على الاعتداء الذي طاول سفارة بلاده في بغداد. وقال في تغريدة على "تويتر" "تم تنظيم هجوم من قبل الإرهابيين أبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي، وساعدهما رجلا إيران هادي العامري وفالح الفياض".
Twitter Post
|
سطوة تفوق سلطة الدولة
ضابط رفيع في قيادة العمليات العراقية المشتركة طلب عدم الكشف عن هويته قال لـ"العربي الجديد" إن "سطوة المليشيات تفوق سلطة الدولة في كثير من الأحيان، ودليل ذلك دخول المئات إلى المنطقة الخضراء دون أن يتمكّن أي جهاز أمني من اعتراضهم"، مبيناً أن المعلومات التي كانت لدى قوى أمن المنطقة الخضراء كانت تشير إلى رغبة العشرات من عناصر "الحشد" في تنظيم احتجاج سلمي قرب مقر السفارة الأميركية.
وأضاف الضابط "إلا أننا فوجئنا بدخول أعداد أكبر إلى باحة السفارة الأميركية وقاموا بممارسات غير قانونية أحرجت القوات العراقية التي تلقت أوامر من السلطات العليا بعدم التعرض لهم".
وحاول نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبد الأمير يار الله وضباط كبار آخرون إقناع المتجمّعين من أنصار المليشيات بالانسحاب بعيداً عن السفارة، إلا أنهم فشلوا في ذلك.
وقال القيادي في "جبهة الإنقاذ والتنمية"، ومحافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي إن الفصائل التي هاجمت السفارة "وقعت في فخ تنصّل الدولة العراقية من شرعية وجودهم ضمن القوات المسلحة"، مضيفاً في منشور على فيسبوك "بالمقابل عمدت الولايات المتحدة إلى استغلال الحادثة كإثبات لضلوع إيران، ورفض تلك الفصائل لتوجيهات الحكومة العراقية".
من جهته، وصف الخبير بالشأن السياسي العراقي أحمد الحمداني حادثة السفارة بأنها "درس كبير"، مضيفاً أن "ما جرى أثبت أنها مجرد مليشيات رغم مساعي عامين من محاولة الحكومة إقناع الرأي العام في العراق والأنظمة بالمنطقة والعالم أجمع أنها جزء من قوات الأمن".
وتابع "بيان أمس لرئيس الوزراء الذي طالبهم بالانسحاب لم يستجيبوا له، لكن ظهر اليوم بيان لأحد زعماء الحشد أنهى الموضوع، ويبدو أنه أمر إيراني على اعتبار أنهم أوصلوا ما يريدون"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن "درس السفارة أنهى خرافة أن الحشد جزء من المنظومة الأمنية العراقية وأثبت أنها مجرد مليشيات لا أكثر".
وبحسب قيادي في قوات العشائر التي قاتلت تنظيم "داعش" بمحافظة الأنبار غربي العراق فإن الفصائل المسلحة "ما تزال تحمل ذات التسميات القديمة ولم تندرج يوماً ضمن إطار القوات المسلحة"، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن هذه الفصائل "لم تكتف بالاحتفاظ بتسمياتها بل قسمت مناطق نفوذها أيضاً، ففي الوقت الذي تنتشر فيه مليشيات "كتائب حزب الله العراقية، والنجباء، والخراساني، وكتائب سيد الشهداء" في المناطق الغربية من المحافظة وصولاً إلى الحدود مع سورية، تنتشر مليشيات أخرى مثل "بدر، وعصائب أهل الحق" في مناطق شرقي الأنبار وصولاً إلى حدود العاصمة بغداد.
وخلال الأسابيع الأخيرة وجهت اتهامات إلى مليشيا "كتائب حزب الله" باستهداف قواعد عسكرية فيها قوات أميركية دون علم الحكومة العراقية، آخرها استهداف قاعدة "كي وان" في كركوك بقصف بقذائف الهاون أسفر عن مقتل أميركي وإصابة آخرين، وهو ما اعتُبر الشرارة التي فجرت الأزمة الحالية بين واشنطن والمليشيات العراقية.
كذلك اتهمت مليشيات أخرى، أبرزها "عصائب أهل الحق"، بالمساهمة في عمليات قمع تخللها قتل وخطف لمتظاهرين منذ انطلاق الاحتجاجات في بغداد والمحافظات الجنوبية قبل نحو 3 أشهر، بينما اكتفت الحكومة العراقية بتسمية المليشيات التي تقتل المتظاهرين بـ "الطرف الثالث" دون أن تكشف عن هذا الطرف أو الجهات التي تقف وراءه.