إعلان وقف النار الأحادي من قبل التحالف، الذي بدا كرضوخٍ سعودي للمطالب الحوثية بـ"إعلان صريح" لوقف الحرب، يُفترض أن يمتد لأسبوعين قابلين للتجديد، في وقت تضع الثقة المعدومة بين طرفي النزاع اليمني الرئيسيين منذ خمس سنوات الهدنة الإنسانية تحت ضغط كبير. وجاءت الهدنة في ذروة انتصارات للجيش اليمني، الذي كان قد بدأ باستعادة زمام المبادرة في عددٍ من الجبهات المشتعلة، واستطاع في وقت قياسي استعادة مناطق استراتيجية في الجوف والبيضاء، فضلاً عن تماسكه على أسوار محافظة مأرب النفطية.
كما جاء الإعلان مفاجئاً لمكتب المبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي يسعى وراء هدنة منذ أكثر من عام، ومن المرجح أنه ثمرة للمشاورات غير المعلنة التي استمرت بين السعودية والحوثيين منذ اتفاق 21 سبتمبر/ أيلول 2019، أي في أعقاب الهجمات على منابع النفط التابعة لشركة أرامكو.
وأعلن التحالف السعودي - الإماراتي، ليل الأربعاء، عن وقف لإطلاق النار في اليمن من جانب واحد، وذلك لمدة أسبوعين قابلة للتمديد. ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس"، عن المتحدث باسم التحالف تركي المالكي، قوله إن إعلان الهدنة جاء بهدف تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن لعقد اجتماع بين الحكومة الشرعية والحوثيين وفريقٍ عسكري من التحالف، تحت إشراف المبعوث الأممي، لبحث مقترحاته بشأن خطوات وآليات تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل دائم في اليمن. وأشار المالكي إلى أن القرار سيتيح للأمم المتحدة أيضاً "بحث خطوات بناء الثقة الإنسانية والاقتصادية، واستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية، للوصول إلى مشاورات بين الأشقاء اليمنيين للتوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن". وأضاف أن "الفرصة مهيأة لتضافر كافة الجهود للتوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار في اليمن، والتوافق على خطوات جدّية وملموسة ومباشرة للتخفيف من معاناة الشعب اليمني". وأكد التحالف أنه سيدعم "بشكل كبير كافة هذه الخطوات الأساسية مع الأمم المتحدة في سبيل التوصل إلى حل سياسي شامل وعادل يتفق عليه اليمنيون".
وأعلنت الرئاسة اليمنية، أمس، التزامها بقرار وقف النار. وأكد نائب الرئيس اليمني، علي محسن صالح، خلال لقاء عبر دائرة تلفزيونية مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث، أن توجيهات الرئيس عبدربه منصور هادي تقضي بوقف إطلاق النار اعتباراً من يوم أمس، والاستجابة لدعوات الأمم المتحدة ومواجهة فيروس كورونا.
من جهتها، قالت الإمارات إن قرار وقف النار "حكيم ومسؤول". وكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة على "تويتر"، أمس، أنه "مع الدعوات المتكررة للحل السياسي، تبرز المخاوف من وصول فيروس كورونا ليعقد الأزمة الإنسانية المستمرة. قرار مهم لا بد من البناء عليه إنسانياً وسياسياً".
كما طالبت جامعة الدول العربية في بيان، أمس، الحوثيين بالتجاوب مع مبادرة وقف إطلاق النار في اليمن، واصفةً إياها بأنّها "فرصة نادرة لوقف نزيف الدم". وأشاد الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط بمبادرة التحالف، وطالب في البيان، الطرف الحوثي بـ"إظهار الالتزام والتجاوب" معها. وقال إنّها "تُمثل فرصة نادرة لوقف نزيف الدم في اليمن".
كذلك أعلن المبعوث الأممي ترحيبه بإعلان التحالف وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين، وقال إنه جاء في لحظة حاسمه لليمن. ودعا غريفيث، في بيان، أطراف الصراع إلى الاستفادة من فرصة الهدنة، والوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية بأقصى سرعة وإحراز تقدم نحو سلام شامل ومستدام.
في المقابل، لم تعلن جماعة الحوثي التزامها بالقرار، بل اتهمت، أمس، التحالف بانتهاكه، وشنّ 6 غارات جوية على محافظتي حجة والجوف، شمالي البلاد. جاء ذلك في خبرين عاجلين، نشرتهما قناة "المسيرة" التابعة للجماعة. وقالت القناة إن "طيران التحالف شن أربع غارات على مديرية حرض في محافظة حجة، المرتبطة بحدود برية مع السعودية"، مضيفة أن "الطيران ذاته شنّ غارتين على منطقة العقبة في مديرية خب والشعب، أكبر مديريات محافظة الجوف".
وأمس الخميس، نقلت قناة "الجزيرة" الإخبارية عن المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام، اعتباره أن "الإعلان الصادر من دول العدوان مناورة سياسية وإعلامية، والموقف الصحيح هو إعلان وقف للحرب"، مضيفاً أن "وقف الحرب في اليمن لا يمكن أن يمر عبر تهدئة أسبوعين"، مع تأكيده أن الحوثيين ليست لديهم مشكلة في التواصل مع السعودية "فنحن نتواصل معها منذ عام 2016". كما قال المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، في بيان على "تويتر"، إن ما وصفها بـ"قوى العدوان"، تواصل تصعيدها المستمر في مختلف جبهات القتال، وخصوصاً الواقعة في الشريط الحدودي. وادعى أن التحالف شن أكثر من خمسة زحوفات على كل من حرض ورشاحة عسير والبقع في منطقة نجران جنوبي المملكة، كما أن الطيران الحربي شارك بغطاء جوي مكثف للمعارك، وشن أكثر من 10 غارات جوية.
من جهته، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، أمس، إن جماعة الحوثي خرقت وقف إطلاق النار بقصف مدينتي مأرب والحديدة. وأوضح الإرياني أن "مليشيا الحوثي ترد على دعوات تحالف دعم الشرعية لوقف النار بإطلاق صاروخ استهدف أحياء سكنية في مأرب، وقصف مناطق محررة بالحديدة، مع الدفع بعناصرها في محاولة يائسة لاستعادة السيطرة على معسكر اللبنات، شرقي الجوف". وأضاف في سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، أن "التصعيد الذي يأتي بعد ساعات من مبادرة تحالف دعم الشرعية بوقف إطلاق نار شامل لمدة أسبوعين، يؤكد عدم جدية مليشيا الحوثي". واتهم الإرياني جماعة الحوثي بأنها "مجرد أداة بيد إيران، ولا تعنيها مصلحة الشعب اليمني وما يعانيه من مخاطر تحسباً لانتشار فيروس كورونا". كما حمّل الإرياني المبعوث الدولي المسؤولية الكاملة عن "تصعيد الحوثيين في مختلف جبهات القتال واستمرار جرائمهم بحق اليمنيين"، داعياً لمواقف دولية "أكثر صرامة لحماية المدنيين ووقف استهداف الأحياء السكنية باعتبارها جرائم حرب".
وعلى الرغم من أن عنوان الهدنة لا يبدو مُبّشراً في الشارع اليمني، خصوصاً بعد كشف الحوثيين، الأربعاء، عما سمّوها "رؤية وقف الحرب"، والتي احتوت على بنودٍ سيكون من الصعب التفاهم حولها خلال مهلة الأسبوعين التي ستتيحها السعودية للأمم المتحدة من أجل الخروج بحلول للأزمة اليمنية.
وبدا أن جماعة الحوثي، من خلال تلك الرؤية، تسعى إلى وضع العقد أمام الحل، من خلال وضع شروط تعجيزية من قبيل "فتح قيادة دول التحالف اعتماداً مستندياً لصرف الرواتب لمدة 10 سنوات مقبلة حتى تعافي الاقتصاد اليمني"، فيما لم تتطرق بشكل مطلق إلى أبرز القضايا التي أدت إلى اندلاع الحرب واستمرارها، وهي تسليم السلاح الثقيل إلى الدولة، والانسحاب من المدن، وقطع علاقتها مع إيران، وهذا الشرط الأخير هو ما طالبت به السعودية مراراً.
ولمّح نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، إلى ذلك، قائلاً في تغريدة على "تويتر"، عشية دخول الهدنة حيز التنفيذ، إن "الفرصة الآن أمام الحوثيين لإثبات جديتهم أمام العالم وإعلائهم لمصلحة اليمن بدلاً من مصالح أطراف خارجية، وأن المملكة لا ولن تفرط في أمنها، وآن الأوان للحوثي أن يعي أن تفويت هذه الفرصة هو خذلان لمصالح أبناء اليمن".
وفي الشق السياسي، لم تتطرق الرؤية الحوثية إلى شكل الدولة اليمنية المرتقبة، ومدى إمكانية تطبيق نظام الأقاليم الستة، أم أنهم سيتماهون مع مطالب الانفصاليين في الجنوب والقبول بإقليمين شمالي وجنوبي، سيكون أقرب إلى ما كان معمولاً به قبل وحدة 1990. وفيما اكتفى الحوثيون بتلك الوثيقة التي قالوا إنهم سلموها للأمم المتحدة باعتبارها ترحيباً مشروطاً بالهدنة، لم يصدر أي تعليق فوري من الحكومة الشرعية التي تقيم في الرياض.
وكان من اللافت أن الحكومة أصدرت قبيل الإعلان السعودي عن الهدنة، مساء الأربعاء، بياناً صحافياً "دعت فيه أبناء الشعب اليمني لدعم وإسناد الجيش الوطني في كافة الجبهات". وقد يشكل هذا الانفصام الحاصل بين توجيهات الشرعية وقرار التحالف، انتكاسة معنوية للجنود اليمنيين، الذين قد لا يلتزمون بهدنة، ويسعون لرد الاعتبار بعد هزائم تلقوها منذ مطلع العام الحالي، وساهم خذلان التحالف السعودي الإماراتي في حدوثها، وفقاً لمراقبين.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أيمن نبيل، أن الهدنة الجديدة من الناحية العملية لا تأتي بجديد، خصوصاً أن السعودية أوقفت ضرباتها بعد 21 سبتمبر/ أيلول الماضي بشكل غير معلن، وبناء على تفاهمات مع الحوثيين. وقال نبيل في تغريدة على "تويتر": "أوقفت القوات السعودية ضربات الطيران (الكارثية) من قبل دون أن تسميها هدنة. عملياً، هذه الهدنة لا تأتي بجديد، وإن كانت، في حال تمت اتفاقات مع الحوثيين لا نعلم بها، تصلح كمخرج للسعودية". وأضاف "نعود إلى النقطة الأساسية: الحوثيون أعداء الشعب اليمني، ليسوا أعداء السعودية أو أي دولة أخرى".
وهذه هي الهدنة الثامنة في عمر الحرب اليمنية، وكلها كانت هشّة، وتعرضت لخروقات منذ ساعتها الأولى. وكانت أولى هدن الحرب اليمنية يوم 13 مايو/ أيار 2015، حين أعلنت الأمم المتحدة عن بدء هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام لفتح المجال أمام تقديم المساعدات الإنسانية للسكان، لكنها تعرضت لخروقات مبكرة في ساعاتها الأولى وفشلت. وفي العاشر من يوليو/ تموز 2015، أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة جديدة في اليمن، لكنها فشلت هي الأخرى، ولم تصمد، فيما كانت الثالثة يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، بالتزامن مع مشاورات جنيف 2.
وفي 10 إبريل/ نيسان 2016، أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة قبيل الدخول في مشاورات السلام التي استضافتها الكويت لأكثر من 90 يوماً، وكانت أكثر تماسكاً من سابقاتها. وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة لمدة 72 ساعة قابلة للتمديد، لكنها كانت هشّة وتعرضت لخروقات متعددة، ليتم إعلانها بعد شهر من ذلك التاريخ، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني. ولم يشهد العام 2017 أي تهدئة، حتى جاء اتفاق استوكهولم وأعلن عن هدنة جزئية في محافظة الحديدة فقط بهدف وقف تقدم القوات الحكومية إلى ميناء الحديدة، ولا تزال هي الأكثر صموداً حتى الآن، على الرغم من الخروقات التي تشهدها بين الفترة والأخرى.