11 نوفمبر 2024
هذا التصعيد في الحوض الشرقي للمتوسط
بشار نرش
توحي ردود الأفعال العنيفة، والانتقادات الحادّة التي أعقبت توقيع مذكرتي التفاهم التركية – الليبية، الخاصتين بالتعاون الأمني وتقاسم السيادة البحرية المشتركة بين البلدين، بخبايا التوتر الذي تكتنفه منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، في ظل تجاذبات محاور إقليمية متناقضة، تهدف إلى تعظيم المنافع السياسية والاقتصادية في المنطقة التي تتداخل فيها خيوط السياسة والثروة، وتتضارب فيها مصالح الفاعلين المحليين والإقليميين. حيث أثارت الاعتراضات والإجراءات المصرية واليونانية شديدة اللهجة على الاتفاق، والتي وصلت إلى حد طرد اليونان السفير الليبي، تساؤلا أساسيا بشأن الأسباب الكامنة في رفض هذا الاتفاق، على الرغم من أنّ كلا من مصر واليونان وقبرص اليونانية و"إسرائيل" قد بادرت إلى ترسيم حدودها البحرية في البحر المتوسط، وفقاً لاتفاقيات ثنائية، بعد الاكتشافات الغازية الضخمة التي توالت في المنطقة.
تتضمن الإجابة عن هذا التساؤل نقاطا مهمة تمسّ جميع دول منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، أولاها أنّ الاتفاق التركي – الليبي جاء محاولة من تركيا لإثبات دورها وتأكيده في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، وإفشال محاولات عزلها سياسياً واقتصادياً، والتي تسارعت أخيرا من خلال تأسيس "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي ضم مصر و"إسرائيل" وقبرص اليونانية واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين، من دون إشراك تركيا وليبيا وسورية ولبنان في هذا
المنتدى، على الرغم من أنها من دول الحوض الشرقي للمتوسط. وبالتالي، تسعى تركيا من إدخال ليبيا إلى جانبها في المعادلة الإقليمية في الحوض الشرقي للمتوسط إلى إعادة خلط الأوراق، بما لا يتوافق مع مساعي التكتل المعادي لها، حيث بدا واضحاً أنّ الحديث عن ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين يتجاوز العلاقات الثنائية، ليؤثر على التوازنات الإقليمية والدولية في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط التي تشهد، في السنوات الأخيرة، استقطابات سياسية، وصراعاتٍ غير مسبوقةٍ مدفوعة بسباق السيطرة على مصادر الطاقة وتثبيت النفوذ.
ثاني هذه النقاط أنّ تركيا تمكنت، من خلال الاتفاق التركي - الليبي الخاص بترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، من فصل بين المياه الإقليمية لكل من قبرص اليونانية واليونان، وبالتالي تمكّنت من إحباط الخطة الرامية إلى حبسها في نطاق ضيق لا تتعدى مساحته 43 ألف كيلومتر مربع في الحوض الشرقي للمتوسط، لتتوسع مساحتها بعد الترسيم إلى حوالي 190 ألف كيلومتر مربع. كما يمكن القول هنا أيضاً إنّ الاتفاق التركي - الليبي جاء محاولة تركية لإفشال المخطط الإسرائيلي - اليوناني الرامي إلى التحكّم في إمدادات الغاز من منطقة الحوض الشرقي للمتوسط إلى أوروبا عبر جزيرة كريت، وتقاسم خطط ومشاريع التنقيب عن الغاز واستخراجه وبيعه، ومحاولة إقصاء تركيا من معادلة استخراج الغاز ونقله باتجاه أوروبا، ومن ثم حرمانها مع جمهورية شمال قبرص التركية، من عائدات النقل المربحة.
وبالتالي، يعتبر الاتفاق عائقاً أمام توقيع اتفاق تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين اليونان وقبرص اليونانية، ومقدّمةً لقطع الطريق من توقيع النظام المصري اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قوات الجنرال خليفة حفتر التي تسيطر على الشرق الليبي، وكذلك مقدمة لقطع الطريق على اتفاقيات نقل الغاز من الحوض الشرقي للمتوسط باتجاه أوروبا من دون المرور بتركيا.
ثالث هذه النقاط أنّ الاتفاق التركي - الليبي جاء محاولة من تركيا لإفشال مخططات مصر واليونان في الحوض الشرقي للمتوسط، ولإعادة التوازن في المنطقة، بعد أن أخلّت الدولتان به، في ظل محاولتهما قضم مساحة من المياه الإقليمية الليبية، بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وحالة الانقسام الداخلي التي تعانيها ليبيا حالياً، وتقدّر هذه المساحة بحوالي 39 ألف كيلومتر مربع، حيث كانت الحكومة الليبية بحكم الخاسرة لها، على الرغم مما تحويه من ثرواتٍ هيدروكربونيةٍ ضخمةٍ في أعماقها تقدّر بمليارات الدولارات، كما يعد أيضاً مكسباً سياسياً وقانونياً مهماً لحكومة الوفاق الوطني في مواجهتها أطماع حفتر من ناحية، وأطماع نظام عبد الفتاح السيسي من ناحية أخرى.
كما أنّ هذا التقارب يعطي لتركيا مكانةً متقدّمة في الملف الليبي، باعتبارها شريكاً استراتيجياً لمن
يمثّل السلطة الشرعية في ليبيا (حكومة الوفاق الوطني)، ويحرم في الوقت نفسه الدولة المصرية وحلفائها من الانفراد بصفقات إعادة الإعمار والنفط والغاز الليبي.
رابع هذه النقاط أن الاتفاق التركي - الليبي لترسيم الحدود البحرية بينهما يأتي رد فعل طبيعي منهما على ترسيم بقية دول الحوض، كمصر واليونان و"إسرائيل" وقبرص اليونانية، حدودها البحرية من دون الاكتراث بمصالح بقية الدول في الحوض، كتركيا وقبرص التركية وليبيا، وهو ما يعتبر حقا لأي دولة في ترسيم حدودها البحرية وفقاً لقانون البحار لعام 1982، والذي يعتبر الأساس القانوني الذي تستند إليه الدول في الشؤون المتعلقة بالحدود البحرية والاستغلال الاقتصادي لها. وبالتالي، سوف يغير هذا الاتفاق من موازين القوى في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، وسيعزّز الوجود البحري التركي في المنطقة، وسيعمل على توسيع نطاق وجوده الإقليمي، وسيمنحه مساحة أكبر للمناورة، تمكّنه من زيادة نشاطاته وتحرّكاته على مستوى الإقليم، إلى جانب شرعنة مطالبه بأن يكون طرفاً بترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها، وهو ما يتعارض مع استراتيجية النظام المصري الذي يحاول عزل تركيا في المنطقة، والعمل على إيجاد واقع جديد، وتحالفات قوية ضد الوجود التركي الذي يمثل تحدّياً أيدلوجياً للنظام المصري بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي.
وفي المحصلة، يمكن القول إنّ الاتفاق التركي - الليبي يعد امتداداً لمعارك النفوذ المشتعلة بين مختلف الأطراف في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، في ظل ما تعانيه المنطقة من توتراتٍ واصطفافاتٍ سياسية متجدّدة، وإعادة رسم موازين القوى بما يتوافق مع توجهات الدول ومصالحها.
ثاني هذه النقاط أنّ تركيا تمكنت، من خلال الاتفاق التركي - الليبي الخاص بترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، من فصل بين المياه الإقليمية لكل من قبرص اليونانية واليونان، وبالتالي تمكّنت من إحباط الخطة الرامية إلى حبسها في نطاق ضيق لا تتعدى مساحته 43 ألف كيلومتر مربع في الحوض الشرقي للمتوسط، لتتوسع مساحتها بعد الترسيم إلى حوالي 190 ألف كيلومتر مربع. كما يمكن القول هنا أيضاً إنّ الاتفاق التركي - الليبي جاء محاولة تركية لإفشال المخطط الإسرائيلي - اليوناني الرامي إلى التحكّم في إمدادات الغاز من منطقة الحوض الشرقي للمتوسط إلى أوروبا عبر جزيرة كريت، وتقاسم خطط ومشاريع التنقيب عن الغاز واستخراجه وبيعه، ومحاولة إقصاء تركيا من معادلة استخراج الغاز ونقله باتجاه أوروبا، ومن ثم حرمانها مع جمهورية شمال قبرص التركية، من عائدات النقل المربحة.
وبالتالي، يعتبر الاتفاق عائقاً أمام توقيع اتفاق تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين اليونان وقبرص اليونانية، ومقدّمةً لقطع الطريق من توقيع النظام المصري اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قوات الجنرال خليفة حفتر التي تسيطر على الشرق الليبي، وكذلك مقدمة لقطع الطريق على اتفاقيات نقل الغاز من الحوض الشرقي للمتوسط باتجاه أوروبا من دون المرور بتركيا.
ثالث هذه النقاط أنّ الاتفاق التركي - الليبي جاء محاولة من تركيا لإفشال مخططات مصر واليونان في الحوض الشرقي للمتوسط، ولإعادة التوازن في المنطقة، بعد أن أخلّت الدولتان به، في ظل محاولتهما قضم مساحة من المياه الإقليمية الليبية، بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وحالة الانقسام الداخلي التي تعانيها ليبيا حالياً، وتقدّر هذه المساحة بحوالي 39 ألف كيلومتر مربع، حيث كانت الحكومة الليبية بحكم الخاسرة لها، على الرغم مما تحويه من ثرواتٍ هيدروكربونيةٍ ضخمةٍ في أعماقها تقدّر بمليارات الدولارات، كما يعد أيضاً مكسباً سياسياً وقانونياً مهماً لحكومة الوفاق الوطني في مواجهتها أطماع حفتر من ناحية، وأطماع نظام عبد الفتاح السيسي من ناحية أخرى.
كما أنّ هذا التقارب يعطي لتركيا مكانةً متقدّمة في الملف الليبي، باعتبارها شريكاً استراتيجياً لمن
رابع هذه النقاط أن الاتفاق التركي - الليبي لترسيم الحدود البحرية بينهما يأتي رد فعل طبيعي منهما على ترسيم بقية دول الحوض، كمصر واليونان و"إسرائيل" وقبرص اليونانية، حدودها البحرية من دون الاكتراث بمصالح بقية الدول في الحوض، كتركيا وقبرص التركية وليبيا، وهو ما يعتبر حقا لأي دولة في ترسيم حدودها البحرية وفقاً لقانون البحار لعام 1982، والذي يعتبر الأساس القانوني الذي تستند إليه الدول في الشؤون المتعلقة بالحدود البحرية والاستغلال الاقتصادي لها. وبالتالي، سوف يغير هذا الاتفاق من موازين القوى في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، وسيعزّز الوجود البحري التركي في المنطقة، وسيعمل على توسيع نطاق وجوده الإقليمي، وسيمنحه مساحة أكبر للمناورة، تمكّنه من زيادة نشاطاته وتحرّكاته على مستوى الإقليم، إلى جانب شرعنة مطالبه بأن يكون طرفاً بترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها، وهو ما يتعارض مع استراتيجية النظام المصري الذي يحاول عزل تركيا في المنطقة، والعمل على إيجاد واقع جديد، وتحالفات قوية ضد الوجود التركي الذي يمثل تحدّياً أيدلوجياً للنظام المصري بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي.
وفي المحصلة، يمكن القول إنّ الاتفاق التركي - الليبي يعد امتداداً لمعارك النفوذ المشتعلة بين مختلف الأطراف في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، في ظل ما تعانيه المنطقة من توتراتٍ واصطفافاتٍ سياسية متجدّدة، وإعادة رسم موازين القوى بما يتوافق مع توجهات الدول ومصالحها.
مقالات أخرى
05 أكتوبر 2024
28 سبتمبر 2024
31 اغسطس 2024