بالرغم من نجاح المعارضة السورية في اجتماع الرياض الأخير بتشكيل وفد موحد للمفاوضات، إلا أن ثمة تحديات عدة تواجه هذه المعارضة في المرحلة المقبلة وخيارات محدودة.
ويأتي في مقدمة التحديات مسعى روسيا، لاستبدال مسار جنيف باجتماع سوتشي، وسط ضغوط قوية على المعارضة للقبول بهذا التحول، ووسط تشكيك بمدى قدرة وأهلية الوفد الذي تم تشكيله في الرياض لمواجهة هذه الضغوط، فيما قد تنحصر الخيارات إما بقبول الأسد لمرحلة يتم الاتفاق عليها، أو التوحد سياساً وعسكرياً للوقوف أمام محاولات ترويض الثورة السورية.
وفيما قال نصر الحريري الذي عين رئيسًا لوفد التفاوض للمعارضة السورية في وقت مبكر من صباح اليوم السبت، إن المعارضة مستعدة لبحث جميع القضايا في مفاوضات جنيف المقرر أن تعقد في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، واصفاً مؤتمر "سوتشي" الذي دعت إليه روسيا بأنه "لا يخدم العملية السياسية"، أشاد المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بالجهود التي بذلتها روسيا لإرساء أسس العملية السياسية في سورية.
وقال دي ميستورا خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في موسكو اليوم إنه يأمل بمناقشة آفاق العملية السياسية السورية في جنيف، وخاصة مواضيع الانتخابات والدستور.
من جانبه، شدد وزير الدفاع الروسي على ضرورة تسريع خطوات الانتقال إلى التسوية السياسية في سورية، خاصة بعد أن تم "تحرير 98 في المائة من الأراضي السورية من الإرهابيين".
وكان دي ميستورا قد أجرى في وقت سابق اليوم مباحثات كذلك مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ووصفها بـ "المفيدة"، فيما أكد لافروف الدعم الروسي لجهود السعودية لجمع المعارضة السورية تحت منصة واحدة.
من جهتها، دعت المستشارة الإعلامية والسياسية لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، المعارضة السورية لترك السلاح والمشاركة بمؤتمر "الحوار الوطني" في مدينة سوتشي الروسية.
ونقلت وكالة "سانا" الرسمية، عن شعبان قولها إن نجاح المؤتمر يعتمد على إدراك "جماعات المعارضة المختلفة"، على أن الوقت قد حان لوقف العنف وإلقاء السلاح.
وفي نيويورك، قال رئيس مجلس الأمن الدولي، سيباستيانو كاردي، إن البيان الختامي لـ"قمة سوتشي" التي جمعت روسيا وتركيا وإيران، "سينشر كوثيقة رسمية للمجلس"، وذلك بناء على طلب مندوبي الدول الثلاث في الأمم المتحدة.
وأوضح في تصريحات صحافية أن البيان سيوزع على أعضاء مجلس الأمن للاطلاع عليه، دون تحديد موعد لذلك.
وكانت روسيا قد حددت موعد مؤتمر "الحوار الوطني" في 2 يناير/كانون الثاني المقبل.
ورأى محللون أن روسيا تسعى من خلال مؤتمر "سوتشي" إلى تعديل الدستور الحالي والتمهيد لانتخابات جديدة، وفق مصالحها ورؤيتها، وإعلان قيادة أو مجلس لـ"مؤتمر الحوار الوطني" خلال ذلك المؤتمر.
وقال اللواء محمد الحاج علي، قائد الجيش السوري الموحد، لـ"العربي الجديد" إن الأمور تتجه بالفعل إلى حل ما، لكن لغاية الآن "لا نفهم شكل هذا الحل، لأن أوراقنا كسوريين جميعا، ثورة ونظاماً، هي بيد الآخرين، وعلى وجه الخصوص روسيا وإيران وتركيا وأميركا والسعودية، وعلى ضوء ذلك لا نفهم ما يدبرون".
واستبعد الحاج علي أن يتم "إزاحة بشار الأسد في المرحلة المقبلة بالرغم من أن هذا مطلب حق، وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها انهيار الدولة وخشية المسؤولين الذين أجرموا بحق الشعب السوري من المحاسبة، حيث يعتبر بقاء الأسد ضمانة لهم"، إضافة إلى أن المعارضة لم تستطيع، بحسب الحاج علي إقناع المجتمع الدولي بقدرتها على إدارة دولة.
ورأى الضابط المنشق أن الروس "يحاولون إفراغ جنيف وقرارات الأمم المتحدة من مضمونها لأنها واضحة بمؤشراتها للانتقال السياسي وبالتالي رحيل النظام، وهذا ما لا يريده الروس، لذلك خلقوا مسار أستانة والآن مسار سوتشي، للمناورة على قرارات مجلس الأمن ومسار جنيف".
وأضاف أن الروس يحاولون خلق توازنات دولية وإقليمية من أجل خلق بيئة تسمح لهم بفرض حل الأمر الواقع، معتبرا أنهم نجحوا جزئيا بذلك من خلال تفاهمهم مع تركيا والسعودية.
وبشأن الخيارات المتاحة أمام المعارضة، رأى الحاج علي أن الخيارات محدودة أمامها، ولعل أبرزها خياران: "القبول ببقاء الأسد لمرحلة يتم الاتفاق عليها، وأعتقد أن هذا ما سيحصل، أو أن يتوحدوا سياسيين وعسكريين وحاضنة شعبية لتحمل أعباء مواجهة هذا المشروع الترويضي للثورة السورية، وهذا الخيار مستبعد أو غير ممكن التحقيق بعد سبع سنوات من فشل الأداء السياسي والعسكري وتشظي رجالات الثورة السورية".
وحول ورود اسمه في قائمة هيئة التفاوض برغم عدم مشاركته في اجتماع الرياض (اعتذر عن تلبية الدعوة)، أوضح الحاج علي أن الاسم الوارد ليس اسمه بل لنقيب في الجيش يحمل الاسم نفسه.
وأبدى اللواء الحاج علي تحفظه حيال عديد من الأسماء التي ورد ذكرها في قائمة هيئة التفاوض العليا، واعتبر أن أصحابها لا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة لإدارة المرحلة المقبلة، مشيرا إلى ضغوط تعرض لها المؤتمرون لتمرير أجندة معينة.
من جانبه، أشار المحلل السياسي السوري غسان مفلح إلى تناقض في موقف الرياض، إذ جرى استبعاد من وصفهم بـ"المحسوبين" على قطر من اجتماع الرياض، وإحلال ممثلي إيران وروسيا محلّهم.
وقال مفلح في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه ينبغي سؤال الأشقاء في السعودية: "كيف أنتم ضد إيران وتضغطون مع روسيا على المعارضة، من أجل قبول مندوبي إيران فيها؟ ".
من جانبه، قال عضو هيئة التنسيق الوطنية المعارضة إدوار حشوة، إن انتخابات الهيئة العليا للتفاوض رحلت الإخوان المسلمين وحزب الشعب الموالي لهم، وأضعفت الائتلاف إلى درجة كبيرة وزادت من نسبة المستقلين على حساب الأحزاب.
وبعد أن أعلن حشوة عبر صفحته على "فيسبوك" انسحابه من "الهيئة العليا للمفاوضات" ومن "هيئة التنسيق"، من دون توضيح الأسباب، رأى أن ملف المعارضة صار في عهدة الروس، معتبرا أنه رغم "كل الضجيج فإن الأسد، سيبقى إلى ما بعد انتخابات الفترة الانتقالية ووفد المعارضة سوف يحضر مؤتمر سوتشي"، متوقعا تصاعد وتيرة الانسحابات الحزبية والفردية من صفوف المعارضة.
وأشار حشوة إلى ما اعتبره فوضى في صفوف المعارضة، حيث أعلن رئيس وفدها نصر الحريري أنها لن تذهب إلى تجمع الروس في سوتشي، بينما صرحت منصة موسكو الشريك في الوفد التفاوضي أنها ستذهب إلى سوتشي.
وأضاف أن "عدداً من المعارضين الذين تم إقصاؤهم عن اجتماع الرياض صرحوا بأنهم سيذهبون إلى سوتشي إذا تمت دعوتهم إليه، بينما الاتفاق الإيراني الروسي التركي أعلن أن هذه الدول هي وحدها التي ستحدد من سينضم إلى تلك المباحثات".
من جهته، قال عضو مؤتمر الرياض عيسى إبراهيم إنه لم يلمس أية ضغوط من الدولة المضيفة على مجريات اجتماع الرياض ومقرراته.
وأرجع إبراهيم التدخلات الخارجية إلى ضعف الخبرة السياسية لدى مؤسسات المعارضة، مشيراً عبر صفحته على "فيسبوك" إلى طغيان الجانب التمثيلي للأحزاب والمنصات على الجانب الاحترافي، ما أدى إلى غلبة المحاصصة على حساب الحرفية والخبرة والاختصاص في اختيار وفد المعارضة.
أما رئيس الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في الحكومة السورية المؤقتة أيمن أبو هاشم، فقال إن الفشل في توحيد قوى الثورة على الأرض، والفشل في إدارة مجتمع الثورة ومؤسساتها طيلة السنوات الماضية، وترك المناطق المحاصرة والمنكوبة تواجه أقدارها وحيدةً، نتيجته الطبيعية الفشل في توحيد المعارضة سياسيا لأن الطبقة السياسة للمعارضة ليست على الأرض، وليست ملتصقة بمعاناة وهموم أهل الأرض.
وقال أبو هاشم في حديث لـ"العربي الجديد" إن هذه الطبقة السياسية باتت تتعيش على الدول وتُكيف وظيفتها السياسية وفق مصالح تلك الدول.