28 مارس 2021
هذه الجرائم والانتهاكات في لندن
المكان (جنوب لندن): وقف على رصيف محطة فوريست هيل في لندن، طعن رجلاً بجانبه وهو يصرخ: أريد أن أقتل مسلماً، الموت للمسلمين، عودوا إلى سورية، سوف نقتل المسلمين جميعهم.. ثم طفق يتفحص وجوه البشر المتراكضين على رصيف المحطة، باحثاً عن أي شجاع يتجرأ بالإجابة تصريحاً أو تلميحاً عن سؤال البطل البريطاني المقدام: من منكم مسلم لأقتله أيضاً؟
المكان (غرب لندن): خالد صافي شاب في الثامنة عشرة من العمر، قضى سنواتٍ، وهو ينتظر في أدغال مخيمات اللاجئين المهملة في كاليه الفرنسية، ليتمكّن، بعد محنة طويلة، من القدوم إلى بريطانيا، ليبدأ حياةً جديدةً، ينسى فيها أتراحه التي حرمته من طفولته منذ غادر أفغانستان. ففكّر أن يستقر في ضاحية آكتون تاون في لندن التي تمثل المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالعرب والمسلمين في لندن، وأراد أن يتسوق، مثل كل البشر الأحرار، من أكبر (وأرخص) مجمّعات التسوق فيها لتحضير وجبة عشائه أو غدائه، لكنه واحسرتاه سقط منه كيس تسوقه، وانفرطت محتوياته على الرصيف، واختلطت بلون أحمر غريب، لم تستكنه المارة سببه، إلا حينما سقط خالد الشاب الوسيم على الأرض، بعيد سقوط كيسه منه، صريعاً بطعنة سكين في ظهره، اخترقت قلبه، وكل الأحزان الطويلة والمريرة التي تعتَّقت فيه، وهو يحلم بالوصول إلى الجنة التي تخيلها في بريطانيا ليلقى حتفه فيها.
وصلت الشرطة بعد حين، لكنها عادت بخُفي حُنين، لأن أياً من الشهود في مسرحي الموت في فوريست هيل وأكتون تاون لم يتجرأ، أو يرغب بالشهادة بما رآه، لغايةٍ في نفس يعقوب، أو لرهابه من أن يأتي الدور عليه المرة المقبلة.
ليسا مشهدين دراميين في رواية، أو سيناريو مسلسل تليفزيوني، بل حكايتين حقيقتين موثقتين
صحفياً، الدماء فيها قانية دافئة، وليست حبراً أحمر بارداً، والقلوب القتيلة فيها، قلوب كانت تنبض بحلم حياة كريمة وآمنة في الجنة المشتهاة لندن، والتي يبدو أنها في طور تحول بنيوي عميق، مآله الأخير أن تصبح جهنم المسلمين في قابل الأيام، حيث مشاهد سحل المحجبات على أرصفة شوارعها، والبصاق عليهن في وسائل النقل العامة أصبحت حدثاً يومياً، بالكاد يحصل على الإدانة الرسمية والإعلامية له، بما لا يتجاوز حد رفع العتب.
نعم، إنها بريطانيا منظّرة حقوق الإنسان على المستوى الكوني التي تحدث فيها محاولة انتحار واحدة على الأقل يومياً في معسكرات احتجاز المهاجرين من طالبي اللجوء الإنساني أو السياسي فيها، لإحساسهم بأنها سلاحهم الوحيد لإنهاء معاناتهم المريرة مع نظام القهر البيروقراطي المتوحش الذي مهمته الفعلية هو قوننة احتقار حقوق المقهورين في كل أرجاء الأرض التي لم تسلم من استغلال السادة المستعمرين البيض لها من إنكليز أو غيرهم، والذين بدورهم يستكثرون الملاذ الآمن لأولئك الذين كانت سرقة ثروات بلادهم مصدر الثروة في غرب القارة الأوروبية، منذ تدشين عصر الاستعمار الكولونيالي المباشر في القرن السادس عشر، وحتى اللحظة المريرة المعاصرة التي لم يرحل فيها المستعمرون إلا شكلياً عن مستعمراتهم، حيث تركوا فيها نواطيرهم المحميين أبداً بأساطيل أرباب نعمتهم في الغرب.
وهم السوريون المعذّبون أنفسهم أصبحوا كبش الفداء للسياسة الشعبوية البريطانية التي كانت المحرّك الحقيقي للزلزال السياسي في بريطانيا، المتمثل بتصويت الشعب البريطاني للخروج عن الاتحاد الأوروبي؛ وهو ما تمثل بشكل عياني مشخص يفقأ العين باللافتة الإعلانية الشهيرة لزعيم حزب الاستقلال البريطاني آنذاك، نايجل فراج، والمتمثل في تهديد البريطانيين إذا لم يتركوا الاتحاد الأوروبي بجحافل من اللاجئين السوريين الذين سوف يأكلون الأخضر واليابس في بريطانيا. وهو السياسي نفسه ذا الأصول الألمانية، يعرف أن العشرين ألفاً من اللاجئين السوريين الذين وافقت الحكومة البريطانية على توطينهم في بريطانيا خلال خمس سنوات لا يمثلون قطرةً في بحر ملايين المهاجرين لأسباب اقتصادية من دول شرق أوروبا في بريطانيا، والذين لأنهم من ذوي العيون الزرقاء والخضراء، والشعور الشقراء، لا يجدر التخويف بهم، أو منهم لعنصرية متأصلة في الوعي المعرفي السياسي للنخبة الحاكمة في بريطانيا، بيمينها ويسارها، اللهم إلا باستثناء رئيس حزب العمال الحاكم الحالي، جيرمي كوربين، والقلة القليلة
التي لفت لفه، وهو السبب في التآمر الذي لا ينقطع من برلماني حزب العمال نفسه، لخلعه من منصبه، لعدم اتفاقه مع الثوابت العنصرية المتوحشة التي لخصتها شخصية الأفّاق المتقن لصنعته توني بلير، والذي بعد انكشاف عري تلفيقاته، قبيل غزو العراق في العام 2003، عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي كانت، بزعم بلير نفسه، في وضع الجاهزية للإطلاق لتنال من العاصمة لندن خلال دقائق، رفض الاعتذار عن تهشيم العراق، معتبراً أن ما فعله خطوة ضرورية لوضع "العراق على طريق الديمقراطية"، وهو ما ينعكس فعلياً فيما وثقه الباحث المرموق، مارك كورتيس، في كتابه "التآمر البريطاني مع الإسلام الجذري" حول كيف دأبت الإدارة البريطانية في البصرة وجنوب العراق على إضعاف كل القوى القومية والعلمانية في البصرة، عقب احتلال العراق، لصالح تقوية (وتعزيز) إمكانيات كل القوى الشيعية المتطرّفة فيها، وتسليمها مفاتيح الإدارة التنفيذية فيها، وهي نفسها القوات التي شكّلت عماد المليشيات الشيعية المتطرفة التي تحركها إيران راهناً في المجزرة المزمنة في سورية الجريحة، وهو الذي يبدو أنّ نواتجه من الناحية العلمية لم تكن مضرّة أبداً، إنْ لم تكن مفيدة ومحبذة للاقتصاد البريطاني، بحسب تسريبات صحيفة الإندبندنت في الخامس من سبتمبر/ أيلول من العام 2016، والتي أوضحت فيها صعود بريطانيا لتحتل المركز الثاني بين الدول المصدرة للسلاح عالمياً ومنذ العام 2010، وبعد الولايات المتحدة فقط، وعلى حساب ثروات العرب، والتي لم يستفد العرب منها في أي تنميةٍ حقيقيةٍ على مستوى البنى التحتية الإنتاجية، ولكنها لم تتزحزح عن التزامها بتسديد فواتير ثلثي الصادرات البريطانية من الأسلحة على المستوى العالمي.
ولا يستطيع المراقب المدقق إلا أن يستشف معايير مزدوجة لحقوق الإنسان، فهي ثابتة وراسخة ومتأصلة، حينما يتعلق ذلك بأمور السادة البيض، أينما حلّوا في بريطانيا أو غيرها، وهي رغاء لغرض ذرّ الرماد في العيون، وإشاحة نواظرها عن الوجه الاستعماري الاستغلالي البغيض الذي تنصبُّ كل جهود إعلام القوة الناعمة البريطانية، وآلة الدعاية السياسية المتوازية معها، لتزويق ملامحه المتوحشة المنفلتة من كل عقالٍ أخلاقي، خصوصاً إن تعلق ذلك بحقوق إنسان عربي أو مسلم مقهور، أو حياته.
المكان (غرب لندن): خالد صافي شاب في الثامنة عشرة من العمر، قضى سنواتٍ، وهو ينتظر في أدغال مخيمات اللاجئين المهملة في كاليه الفرنسية، ليتمكّن، بعد محنة طويلة، من القدوم إلى بريطانيا، ليبدأ حياةً جديدةً، ينسى فيها أتراحه التي حرمته من طفولته منذ غادر أفغانستان. ففكّر أن يستقر في ضاحية آكتون تاون في لندن التي تمثل المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالعرب والمسلمين في لندن، وأراد أن يتسوق، مثل كل البشر الأحرار، من أكبر (وأرخص) مجمّعات التسوق فيها لتحضير وجبة عشائه أو غدائه، لكنه واحسرتاه سقط منه كيس تسوقه، وانفرطت محتوياته على الرصيف، واختلطت بلون أحمر غريب، لم تستكنه المارة سببه، إلا حينما سقط خالد الشاب الوسيم على الأرض، بعيد سقوط كيسه منه، صريعاً بطعنة سكين في ظهره، اخترقت قلبه، وكل الأحزان الطويلة والمريرة التي تعتَّقت فيه، وهو يحلم بالوصول إلى الجنة التي تخيلها في بريطانيا ليلقى حتفه فيها.
وصلت الشرطة بعد حين، لكنها عادت بخُفي حُنين، لأن أياً من الشهود في مسرحي الموت في فوريست هيل وأكتون تاون لم يتجرأ، أو يرغب بالشهادة بما رآه، لغايةٍ في نفس يعقوب، أو لرهابه من أن يأتي الدور عليه المرة المقبلة.
ليسا مشهدين دراميين في رواية، أو سيناريو مسلسل تليفزيوني، بل حكايتين حقيقتين موثقتين
نعم، إنها بريطانيا منظّرة حقوق الإنسان على المستوى الكوني التي تحدث فيها محاولة انتحار واحدة على الأقل يومياً في معسكرات احتجاز المهاجرين من طالبي اللجوء الإنساني أو السياسي فيها، لإحساسهم بأنها سلاحهم الوحيد لإنهاء معاناتهم المريرة مع نظام القهر البيروقراطي المتوحش الذي مهمته الفعلية هو قوننة احتقار حقوق المقهورين في كل أرجاء الأرض التي لم تسلم من استغلال السادة المستعمرين البيض لها من إنكليز أو غيرهم، والذين بدورهم يستكثرون الملاذ الآمن لأولئك الذين كانت سرقة ثروات بلادهم مصدر الثروة في غرب القارة الأوروبية، منذ تدشين عصر الاستعمار الكولونيالي المباشر في القرن السادس عشر، وحتى اللحظة المريرة المعاصرة التي لم يرحل فيها المستعمرون إلا شكلياً عن مستعمراتهم، حيث تركوا فيها نواطيرهم المحميين أبداً بأساطيل أرباب نعمتهم في الغرب.
وهم السوريون المعذّبون أنفسهم أصبحوا كبش الفداء للسياسة الشعبوية البريطانية التي كانت المحرّك الحقيقي للزلزال السياسي في بريطانيا، المتمثل بتصويت الشعب البريطاني للخروج عن الاتحاد الأوروبي؛ وهو ما تمثل بشكل عياني مشخص يفقأ العين باللافتة الإعلانية الشهيرة لزعيم حزب الاستقلال البريطاني آنذاك، نايجل فراج، والمتمثل في تهديد البريطانيين إذا لم يتركوا الاتحاد الأوروبي بجحافل من اللاجئين السوريين الذين سوف يأكلون الأخضر واليابس في بريطانيا. وهو السياسي نفسه ذا الأصول الألمانية، يعرف أن العشرين ألفاً من اللاجئين السوريين الذين وافقت الحكومة البريطانية على توطينهم في بريطانيا خلال خمس سنوات لا يمثلون قطرةً في بحر ملايين المهاجرين لأسباب اقتصادية من دول شرق أوروبا في بريطانيا، والذين لأنهم من ذوي العيون الزرقاء والخضراء، والشعور الشقراء، لا يجدر التخويف بهم، أو منهم لعنصرية متأصلة في الوعي المعرفي السياسي للنخبة الحاكمة في بريطانيا، بيمينها ويسارها، اللهم إلا باستثناء رئيس حزب العمال الحاكم الحالي، جيرمي كوربين، والقلة القليلة
ولا يستطيع المراقب المدقق إلا أن يستشف معايير مزدوجة لحقوق الإنسان، فهي ثابتة وراسخة ومتأصلة، حينما يتعلق ذلك بأمور السادة البيض، أينما حلّوا في بريطانيا أو غيرها، وهي رغاء لغرض ذرّ الرماد في العيون، وإشاحة نواظرها عن الوجه الاستعماري الاستغلالي البغيض الذي تنصبُّ كل جهود إعلام القوة الناعمة البريطانية، وآلة الدعاية السياسية المتوازية معها، لتزويق ملامحه المتوحشة المنفلتة من كل عقالٍ أخلاقي، خصوصاً إن تعلق ذلك بحقوق إنسان عربي أو مسلم مقهور، أو حياته.