20 أكتوبر 2024
هذه الرسائل الإسرائيلية
ثمّة سؤال أساسي يتبادر إلى أذهان كل من تابع، في الآونة الأخيرة، التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، والصادرة عن أكثر من مسؤول إسرائيلي أمني وسياسي، هو: ما الهدف من عودة التهديدات ضد لبنان؟ هل هدفها الحؤول دون نشوب حرب جديدة في الجبهة الشمالية ضد حزب الله، أم إعداد الرأي العام الدولي لحرب مدمرة جديدة ضد لبنان، أم إن لها هدفاً أبعد يتناول الوجود العسكري الإيراني في سورية، وتعاظم نفوذها هناك؟
بداية، ينبغي الاعتراف بأن الذي أثار وكر الدبابير الإسرائيلي ضد لبنان هو تحديداً كلام الرئيس اللبناني ميشال عون في القاهرة، وقوله إن سلاح حزب الله ضروري للدفاع عن لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية. استغل المسؤولون الإسرائيليون هذا الكلام للادعاء بأنه اخيراً سقط القناع عن الوجه الحقيقي للدولة اللبنانية، فلا يمكن التفريق بينها وبين الحزب، وشجعهم على ترويج صورة مفزعة عن الأهوال التي ستنتظر لبنان، لو نشبت حرب جديدة بينهم وبين حزب الله.
وما يمكن قوله إن التهديدات الإسرائيلية هي، في الدرجة الأولى، رسالة موجهة تحديداً إلى حزب الله الذي، في نظر الإسرائيليين، خرج منتصراً من الحرب في سورية، وبات يشعر بكثير من الثقة بنفسه، نتيجة الخبرة العسكرية التي حصلها هناك، وتوظيفه ذلك في معادلة الردع المتبادل بينه وبين إسرائيل. لذا، فإن تجدّد التهديدات الإسرائيلية هي بمثابة رسالة ردع للحزب، وتحذير من انه من الآن وصاعداً كل لبنان بجيشه وبناه التحتية وسكانه المدنيين من شتى الطوائف والانتماءات السياسية أهداف مشروعة في أي حربٍ مقبلة.
لكن، تجدر الإشارة إلى أن هذه التهديدات لا تدخل في باب الردع والتهويل فحسب، بل هي بداية مؤشر لمساع جدية تبذلها أطراف في الائتلاف الحكومي، كي تجعل منها سياسة إسرائيلية رسمية في أي مواجهة مقبلة، بدليل حديث صحيفة هآرتس، في 10 مارس/ آذار الجاري، مع وزير التعليم نفتالي بينت الذي شدد على أن السبب الذي حال دون انتصار إسرائيل على حزب الله في صيف العام 2006، كان موافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، إيهود أولمرت، على طلب كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي للرئيس بوش، عدم مهاجمة أهداف لها علاقة بالحكومة اللبنانية. ففي رأيه أن هذا هو السبب الأساسي لاستمرار الحرب أكثر من شهر، وعدم قدرة إسرائيل على تحقيق الحسم العسكري.
يعترف بينت، وهو الذي شارك في تلك الحرب، بأن إسرائيل لا تملك حتى الآن رداً فعالاً ضد الترسانة الصاروخية التي يملكها حزب الله، القادرة على قصف الجبهة الداخلية يومياً بأكثر من ألف صاروخ. ويوضح أنه خلال السنوات الماضية طوّر الحزب قدراته القتالية، ونقل صواريخه من "المحميات الطبيعية" في جنوب لبنان، وخبأها داخل القرى المكتظة سكانياً، ما يجعل عملية مطاردة مطلقي الصواريخ شبه مستحيلة. من هنا، يقترح حلاً جهنمياً، هو تحويل لبنان كله إلى ساحة حرب ودمار، أو كما قال "إعادته إلى القرون الوسطى".
لعودة التهديدات ضد لبنان، في هذا الوقت بالذات، علاقة أيضاً بنتائج التحقيق الذي نشره مراقب الدولة في إسرائيل بشأن عملية الجرف الصامد ضد غزة سنة 2014، فمن أهم الانتقادات فيه إلى الحكومة عدم قيامها بأي خطوة سياسية للتخفيف من الضائقة التي تمر بها غزة التي كان من الممكن أن تجعل "حماس" تتردّد في خوض الحرب. لذا، لا يمكن أن نستبعد إمكانية استخدام سياسة التهديدات بتدمير لبنان من أجل منع وقوع الحرب، والحؤول دون تكبد الطرفين، إسرائيل ولبنان، ثمناً باهظا، فالتوجه المباشر الإسرائيلي إلى السكان المدنيين اللبنانيين، وترهيبهم من الأعظم، يمكن أن يكون أداة فعالة قد تساهم في نظر الإسرائيليين في كبح توجهات حزب الله الحربية، وستدفعه إلى التفكير ملياً قبل الإقدام على مجازفة جديدة.
لكن، من المحتمل أن تكون هذه التهديدات موجهة أيضاً نحو إيران، الرابح الأكبر من حرب سورية، وهدفها تحذيرها من مغبة توريط حزب الله في مواجهة مستقبلية، سيدفع اللبنانيون ثمنها الغالي، وأن إسرائيل لن تسمح، ولا بأي صورة استغلال إيران نفوذها المتنامي في لبنان وسورية للضغط على إسرائيل.
كل هذا يجعل لبنان يعيش على فوهة بركان، قد ينفجر، في أي لحظة، سواء نتيجة سوء تقدير في الحسابات، أم نتيجة تخطيط إسرائيلي لتوريط حزب الله في مواجهة عسكرية جديدة بذريعة تهريب سلاح نوعي كاسر للتوازن من سورية إلى لبنان.
مقالات أخرى
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024