هكذا خطف صالح الجيش اليمني واستخدمه في صراعاته

13 ابريل 2015
الجيش اليمني مخترق بالولاءات لصالح (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، شكل العديد من الألوية والتشكيلات العسكرية للجيش اليمني، هدفاً مباشراً للضربات الجوية، بعدما بدا أن غالبيتها منحازة إلى جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. وضع يدفع إلى التساؤل حول كيفية وقوع الجيش في الخانة الحوثية، وتحول المعركة من مواجهة مع الحوثيين كمليشيا مسلحة محدودة إلى ألوية وقوات نظامية في مدن مختلفة من البلاد.

من التشطير إلى "التوريث"
حتى العام 2011، كان الجيش اليمني يُصنف كخامس جيش في المنطقة العربية، وتأسس باندماج جيشي شطري اليمن، بعد توحيد البلاد عام 1990. ويعدّ عام 1962 التاريخ المفصلي للجيش الذي تأسس شمالاً، حين أطاح بالحكم الإمامي، بينما تأسس الجيش جنوباً في عهد الاستعمار البريطاني، وتطور بعد الجلاء بدعم من الاتحاد السوفييتي. وبعد الوحدة دبت الخلافات بين الشريكين في توقيع اتفاقها، وتعرقل دمج الجيشين، الأمر الذي ساهم في إيصال الوضع إلى الحرب الأهلية 1994، والتي توحّد على ضوئها الجيش قسراً.

حينذاك كان الجيش يحمل أعباء من آثار الصراعات الأهلية شمالاً وجنوباً كل شطر على حدة. وكان صالح الطرف الأقوى. لكنه بدأ بعد انتصار عام 1994، بإضعاف شركائه التقليديين في الحكم. في المقابل، قام صالح بتصعيد نجله وأقاربه في الجيش، ليبدأ فصل من الصراع غير المعلن، بين صالح والجنرالات البارزين، في مقدّمتهم، اللواء علي محسن الأحمر، الذي كان يُوصف بأنه الذراع الأيمن لصالح. وتوزّع النفوذ في الجيش خلال هذه الفترة إلى مركزين أساسيين، وهما اللواء الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، ونجل صالح قائد قوات الحرس الجمهوري، التي عمل والده على تقويتها وتوسيعها مقابل إضعاف الأخرى.

اقرأ أيضاً (تسريبات صالح المخادعة تشوّش على "نصائح" السعودية للحوثي)

حرب صعدة
اندلعت في صعدة معقل الحوثيين ست حروب بين الجيش والجماعة، بين عامي 2004 و2010. وكان اللواء الأحمر، بصفته قائداً للمنطقة العسكرية الشمالية الغربية يقود الجيش في تلك الحرب، ويتهم مقربون منه، صالح بالعمل على تطويل أمدها من أجل إضعاف نفوذ الأحمر، الذي ظل خلافه مع صالح ونجله حديث النخبة، حتى عام 2011، عندما أعلن الأحمر وجنرالات في الجيش تأييدهم "السلمي" لثورة الشباب التي خرجت لإسقاط صالح. وهكذا، تحول الخلاف إلى انقسام علني، داخل الجيش، بين الموالين لصالح والموالين للأحمر، مع وجود العديد من الوحدات بقيت على الحياد. وعلى الرغم من الانقسام المباشر، ظل الطرفان يختلفان لكن في حدود لم تتطور إلى حرب شاملة.

خلال المرحلة الانتقالية، أجرى الرئيس عبد ربه منصور هادي "هيكلة للجيش"، وألغى تشكيلي الحرس الجمهوري الذي يقوده أحمد علي صالح، و"الفرقة الأولى مدرع" التي يقودها الأحمر، وأقالهما من منصبيهما، ضمن استحقاقات اتفاق "المبادرة الخليجية" وآليتها التنفيذية، وخطواتها الخاصة بإنهاء التوتر. وجرى تعيين الأحمر، مستشاراً للرئيس لشؤون الدفاع والأمن، وعُين نجل صالح، سفيراً في الإمارات، وعلى الرغم من ذلك، بقي جزء من نفوذ كل واحد منهما.

توسع الحوثي
في العام 2014، بدأ الحوثيون بالتوسع من معقلهم في محافظة صعدة باتجاه صنعاء، وكانت أبرز النقاط في طريقهم، مدينة عمران، حيث يرابط اللواء 310 مدرع، الموالي للأحمر، الذي يعد الخصم العسكري الأول للحوثيين، لتدور مواجهات قرابة شهرين بين الحوثيين واللواء. ولم يحصل الأخير على تعزيزات من التشكيلات الأخرى، لتنتهي المعركة بسقوطه، ومقتل قائده العميد حميد القشيبي في الثامن من يوليو/تموز من نفس العام. وحينها بدأت مراكز القوى بالتبدل، إذ بدا أن اللواء الأحمر، الذي يمثل الجيش المناوئ لصالح، فقد أبرز أذرعه في الجيش، ولم يكن ذلك بفعل قوة الحوثيين فقط، بل كذلك اجتماع رغبتين: رغبة صالح في الانتقام والتخلص من الأحمر، ورغبة هادي في الحد من نفوذه، وكان ذلك واضحاً من خلال دور "الوسيط" الذي لعبه الرئيس ووزير الدفاع السابق، محمد أحمد ناصر.

بسقوط عمران، أخذت خارطة مراكز القوى تتبدل، فصالح بدأ يستعيد بهدوء نفوذه على قوات الحرس الجمهوري التي أصبحت بعد الهيكلة (قوات الاحتياط). وعمل على دمج جزء من أنصاره ومليشيات تابعة له بالحوثيين، لتنفيذ انقلاب بواجهة حوثية، مستفيداً من أخطاء هادي وإضعافه للواء الأحمر، ووصل الأمر ذروته باجتياح صنعاء في الـ21 من سبتمبر/أيلول، وسقوط القاعدة الرئيسية للقوات المحسوبة على الأحمر، الذي غادر يومها إلى الرياض.

وبحسب مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد"، فإن جزءاً ممن نفّذوا اجتياح صنعاء، كانوا من الجنود الموالين لصالح بأزياء مدنية وشعارات حوثية، بينما جرى تحييد مجموعة الألوية المرابطة على مداخل المدينة والتي استعاد صالح نفوذه عليها.

بعد الـ21 من سبتمبر/أيلول، بدا أن صالح حقق للمرة الأولى آماله بالتخلص من "اللواء الأحمر" الذي وقف ضد "التوريث" في السابق، وانشق مع جنرالات في 2011. ومن جهة أخرى، سعى صالح لابتزاز السعودية بتضخيم "الحوثي"، كي يقدّم نفسه منقذاً يعد بـ "الانقلاب" عليه، بعدما أضعف الأطراف الأخرى. كما استغل دخول الحوثيين إلى صنعاء، لإقناع العديد من العسكريين، بالعودة إليه، تحت مبرر أن هادي فشل ولم يعمل على حماية العاصمة. ومنحت مغادرة الأحمر مزيداً من الفرص لفريق صالح بالتحرك، وخصوصاً بعد استقالة هادي، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، إذ ترك صالح للحوثيين واجهة السلطة، وأخذ ينسق مع الضباط ويشتري الولاءات؛ مستغلاً عدم وجود قيادة غير الحوثي.

وحسب تسريبات سعودية، فإنه عرض على الرياض عبر نجله، الانقلاب على الحوثيين مقابل مطالب وشروط، لكن الرياض لم تعد تثق به، وقد وصفته إحدى الصحف السعودية أواخر العام الماضي بأنه يبقي على الحوثيين ويدعمهم باعتبارهم "دجاجة تبيض ذهباً"، إشارة إلى الدعم الذي يطلبه من الخليج على هامش الوعود بمحاربتهم.

السعودية و"عاصفة الحزم"
السعودية من جانبها، المعني الأول إقليمياً بالتطورات في اليمن، وتوسع الجماعة المحسوبة على إيران، تملك سجلاً مريراً مع صالح، ولم يعد مأموناً لديها، خصوصاً بعدما غدر بشريكه اللواء الأحمر، الذي كان مقرباً من الرياض، وانتقل بعد سقوط صنعاء إليها، فاختارت "عاصفة الحزم"، لتغيير الموازين في اليمن، بعدما أصبحت السيطرة لمصلحة طرفين غير مرغوبين؛ هما الحوثي وصالح، يزداد غرورهما ويرفضان الأطراف الأخرى. وكانت "شرعية هادي" الورقة التي أمسكتها الرياض، كمدخل لتحركها المفاجئ، رغم أنها كانت قد نسجت تحالفاً عريضاً ضم عشر دول عربية.

بدأت "عاصفة الحزم" بالتزامن مع دخول القوات الموالية للحوثيين وصالح إلى عدن. ومنذ اليوم الأول، قُصفت القاعدة الجوية الرئيسية في صنعاء، وقُصفت "قوات العمليات الخاصة" الخاضعة لنفوذ نجل صالح، وساعد انفجار الوضع في عدن على توسيع ساحة الحرب؛ ما تطلب استهداف الألوية الخاضعة لنفوذ صالح، والتي تتحرك لمواجهة "اللجان الشعبية" الموالية للرئيس هادي. ولأسباب منها تنسيق صالح مع غالبية الألوية، وعدم وجود القيادة الشرعية في البلاد، أصبحت غالبية الألوية تتلقى أوامرها من صنعاء وتتعرض للاستهداف.
 
من جهة ثانية، يبدو أن الرياض لا تثق بالجيش الملغم بالولاءات لصالح، فضلاً عن تعايشها مع الحوثيين. يدفعها لهذا الموقف مراحل مرت فيها علاقات البلدين بتدهور شديد، وتعبئة ضد الآخر في الأوساط العسكرية؛ ففي ستينيات القرن الماضي وقفت السعودية مع الملكيين ضد الجمهوريين الذين كان غالبيتهم عسكريين بخلفية ناصرية وبعثية، وصولاً إلى عهد صالح، الذي كانت التعبئة في أوساط العسكرية في عهده بعثية متأثرة بالعراق إلى حد كبير. وكان صالح يخزن الأسلحة، كالصواريخ البالستية، وينظر إلى السعودية، التي ترى الجيش الموالي له مُحرضا ضدها.

اقرأ أيضاً (الخليج وعلي عبد الله صالح: لا فرصة جديدة)

ضحية مغامرات صالح
أخيراً، أصبح الجيش اليمني، في أسوأ مراحله، يجني آثار زمن طويل من الصراعات، ابتداء من صراعات منطقية نشأت باكراً أثناء العهد التشطيري، ثم آثار التشطير بعد الوحدة والحرب الأهلية عام 1994، وصولاً إلى مرحلة "التوريث" التي سعى فيها صالح لضرب شركائه والاستفراد بالجيش من خلال عائلته والمقربين منه، تمهيداً لتوريث الحكم لنجله أحمد، الذي كان يصعد بالتزامن مع ظواهر توريث مماثلة، كجمال مبارك في مصر، وكذلك نجل القذافي، وغيرهما. وفي السياق، يجني الجيش أيضاً، آثار التصفيات بين صالح واللواء الأحمر، الذي يدفع ثمن التعايش مع المليشيات الحوثية بالتنسيق مع صالح، ليصبح في نهاية المطاف ضحية أطماع صالح وثاراته، واستخدام الجيش كأداة لمساعيه بالتوريث وخلافاته مع هادي والتحالف مع الحوثي.