هل الخمر حرام؟

10 مارس 2015

محمد الطالبي ..

+ الخط -

لمن لا يعرفون الدكتور محمد الطالبي، هو من أهم المؤرخين التونسيين، كان عميداً لكلية الآداب، وتخرج على يديه مئات من الكوادر العلمية. وعلى الرغم من أنه انخرط في النضال السياسي ضد بن علي، وكان يسأل الله أن يموت شهيداً على يد نظام بن علي، إلا أنه بقي غير معروف لدى عموم التونسيين. وفي هذه الأيام، سطع نجمه عندما أعلن أن تأملاته في القرآن الكريم أوصلته إلى القول إن الخمر والبغاء ليسا محرميْن. أعلن عن هذا الرأي باسم "الجمعية العالمية للقرآنيين". وبما أن موقفا مثل هذا لا يمكن أن يبقى بعيداً عن التناول الإعلامي، فقد تحول إلى قضية رأي عام، خصوصاً بعد أن توالى شيوخ في نقده وتكذيبه، بمن في ذلك مفتي الديار التونسية السابق، الشيخ محمد المختار السلامي.

ليس المهم في هذا الجدل ما ذكره الطالبي الذي قادته الدراسات التاريخية إلى الاهتمام بمجال الإسلاميات، فرأيه ليس جديداً، وقد سبق لآخرين أن عبروا عنه قبل سنين، في تونس وفي غيرها. ولكن، الأهم طبيعة المواقف التي تم التعبير عنها لإسكات الرجل، أو التشكيك في رأيه. إذ لأول مرة تتوفر للتونسيين فرصة لمتابعة جدل حر حول مسألة تتعلق بحكم من الأحكام الإسلامية التي يبدو حولها إجماع، مثل تحريم شرب الخمر أو ممارسة البغاء.

صحيح أن التونسيين منهمكون، في هذه الفترة، في مواجهة تحديات خطيرة وثقيلة، مثل الإرهاب أو تدهور القدرة الشرائية. وبالتالي، هم غير معنيين بالتوقف عند ما يقوله الطالبي أو غيره عن مسائل لا تحتل بالنسبة إليهم أولوية. مع ذلك، الحريات التي أصبحوا يتمتعون بها، منذ أربع سنوات، أخضعتهم لتدريب يومي، حتى يستوعبوا كيفية إدارة الاختلاف، وسماع وجهة نظر المخالف وخصومه. وعلى الرغم من أن المنابر السياسية أرهقتهم بسبب حجم التوتر الذي أطلقه السياسيون الجدد في سجالاتهم وصراخهم عبر وسائل الإعلام، إلا أن التونسيين، هذه المرة، أرادوا، فعلاً، أن يسمعوا رجلاً منهم، يتمتع بمستوى علمي لا يشك فيه، قد بلغ 93 عاما، لكنه بقي متماسكاً عقليا، وتوفرت له الجرأة والشجاعة، ليخاطب قومه عن مسألة دينية حساسة ومثيرة للجدل.

فشلت مختلف المنابر الإعلامية التي تناولت هذا الموضع في تنظيم مناظرة هادئة بين الطالبي وخصومه. حال التشنج في الغالب دون تمكين الرجل من إتمام عرض أفكاره على الجمهور. تم اتهامه بالشيخوخة وبالجهل وبإثارة الفتنة، وزعم بعضهم بأنه مصاب بالزهايمر وأعراض الجنون، وهناك من دعاه إلى التوبة إلى الله، وذكره آخرون بأنه لم يعد يفصله عن الموت إلا القليل، وعليه أن ينقذ نفسه من عذاب القبر، ومن نار جهنم.

لست مع الطالبي في ما ذهب إليه، ولا أرى في مسألة تناول الخمر من عدمه قضية تستحق أن تحدد مصير شعب يمر بتجربة مهمة وخطرة. لكن، ما يجب قوله في هذا السياق أمور ثلاثة:

أولاً: من حق الطالبي أن يعلن عن رأيه بكل حرية، ليس لأن ذلك حق ضمنه له الدستور التونسي، عندما نص على "حرية المعتقد والضمير". ولكن، لأن ذلك جزء من عقيدة الإسلام وأخلاقياته.

ثانياً: على المتحدثين باسم الإسلام الرسمي، أو السياسي، أو الشعبي، أن يتحملوا مخالفيهم، وأن يرتقوا بمستوى الخطاب، وأن يعتمدوا الحجة، ولا يلجأون إلى التشكيك في النيات والعقائد والسلوك. الحجة مقابل الحجة. فلا خطر على الدين، إن قال أحدهم، وخصوصاً وهو مسلم ملتزم دينياً، لم يشرب خمراً في حياته، مثل الطالبي، ولا ينوي شربه كما أعلن.

ثالثاً: عندما تضمن حرية التعبير، ويلتزم الجميع بأخلاقيات الحوار، حينها، يتعلم الشعب قيم التسامح والتعايش. وفي تلك فضيلة من فضائل الثورة.