في البداية، قبل أن نستطيع الإجابة عن هذا السؤال بشكل مباشر، علينا أن نعرف القليل من المفاهيم الأساسية حول الإشعاعات، على اعتبار ان الجوّال جهاز يستخدم الإشعاعات والموجات للتواصل. حيث يوجد نوعان من الإشعاعات، الإشعاعات المؤيّنة والإشعاعات غير المؤيّنة:
الإشعاعات المؤيّنة: هي الإشعاعات التي تؤثّر على الحمض النووي وتقوم بتمرير طاقة إضافية للخلايا البشرية، وبالتالي تُسبب خللًا في عملية استنساخ الحمض النووي، وتُدمّر البُنية الكيميائية وتُضاعف الخلايا بطريقة غير طبيعية، باختصار هذا النوع من الإشعاعات هو النوع الذي من الممكن أن يُسبب سرطانًا؛ هذا النوع من الإشعاعات يتمثّل بأشعة غاما، أو أشعة أكس حيث يتم استخدامهما في الطب في تشخيص ومُعالجة الأمراض.
الإشعاعات غير المؤيّنة: هي الإشعاعات التي تكون طاقتها منخفضة لدرجة أنها لا تستطيع التأثير بالخلايا أو تغيير بُنيتها، مهما كانت شدّة هذا النوع من الإشعاعات، من المُستحيل أن تمتلك طاقة كافية للتأثير ببُنية الخلايا، لأنّ طاقة الإشعاع تعتمد على التردّد، ولا تعتمد على شدّة الإشعاع الساقط، هذا النوع من الإشعاعات يتمثّل بالأشعة الراديوية، التي تُستخدم في الأجهزة مثل الجوّال والمايكروويف وتقنية الواي فاي.
على حسب المعلومات التي نعرفها من الكيمياء والفيزياء، نستطيع أن نؤكّد أن الجوّال من المُستحيل أن يسبب السرطان، وعلى الرغم من هذه المعلومات وبساطتها، نُشاهد انتشار إشاعات على شبكة الإنترنت تزعم أن الجوّال يُشابه في عمله عمل جهاز المايكروويف وكثرة استعماله يمكن أن تجعل دماغك يغلي.
صحيح أن الموبايل والمايكروويف يستخدمان نوعية الإشعاع نفسها، لكن الفرق كبير، المايكروويف يُصدر إشعاعات أقوى بألف ضعف من تلك التي يُصدرها الجوّال.
ظهرت أكثر من دراسة تزعم أن استخدام الجوّال، من الممكن أن يزيد فرص الإصابة بأورام الدماغ إلى ثلاثة أضعاف.
كيف يتم عمل هذه الدراسات؟
النموذج الأوّل يتمثل بأخذ عينة من الناس وفصلها إلى قسمين، قسم يستخدم الموبايل، وقسم يتم إجبارهم على تركه، وتسليط الضوء على المجموعتين لمدّة عشرين سنة تقريبًا، ومراقبة كم شخص منهم أصيب بورم دماغي، وبالطبع سوف تحتاج إلى مئات الآلاف، أو ملايين الناس داخل هذه الدراسة، لأن سرطان الدماغ نادر جدًا، والخطأ واضح بهذا النموذج، ببساطة كل الناس لديها جوّالات، يوجد أجهزة جوّال أكثر من البشر على هذا الكوكب! 91% من الأشخاص البالغين يستخدمون الجوّال بشكل يومي.
النموذج الآخر من الدراسات، هو أن تراقب مجموعة من الناس، لعدّة عقود وتحسب كم شخص أصيب بسرطان الدماغ، وتقارن استخدامه للموبايل
المشكلة هنا، أن الناس الذين سوف تتم مُتابعتهم، من الممكن أن يتعرّضوا لشتّى المؤثرات المسببة للسرطان، منها الإشعاع الضار أو امتلاكهم لمحفزات جينية معينة أو أسباب وراثية.
وحتى لو تابعت حوالي 50.000 شخص لعشر سنوات، سوف تواجه حوالي عشرين حالة إصابة بسرطان الدماغ، وهذا العدد غير كافي حتى تجري المقارنات.
النموذج الثالث، هو أن تأخذ عينة من الناس مصابين بسرطان الدماغ، وعينة مشابهة لهم، يسكنون في البيئة نفسها، لهم عادات متشابهة، وتقارن بين استخدام العينتين للجوّال، وتًقارن إذا ما كانت العينة التي تستخدم الجوّال، قد أظهرت حالات إصابة أكثر من التي لا تستخدمه
الخطأ في هذا النموذج ببساطة خطأ البشري، أي شخص مُصاب بسرطان الدماغ سوف يتذكّر أنه كان يستعمل الموبايل كثيرًا، والشخص السليم سوف يعتقد أنه كان يستخدم الجوّال أقل.
توجد دراسات مُحترمة سيطرت على أعداد كبيرة، منها دراسة ضخمة أجرتها إحدى المجلات البريطانية الطبيّة على عينة من 360 ألف شخص يستخدمون الموبايل وتم تعقبهم لمدة حوالي عشرين سنة.
وهناك دراسة أخرى من الدنمارك استخدمت تقريبًا الشعب بأكمله، وبيانات من شركة الهاتف النقال ولم يجدوا أي ربط بين استخدام الموبايل وتزايد نسبة الإصابة بالسرطان. وكذلك دراسة أخرى استقطبت حوالي مليون امرأة في بريطانيا، مجددًا ولم تجد أي رابط بين الموبايل وسرطان الدماغ.
حسنًا، لقد وقعنا في حيرة، من علينا أن نصدّق؟ الدراسات التي تقول إن الموبايل يسبب السرطان أم الدراسات التي تنفي الموضوع؟
ببساطة، نستطيع النظر للمخطط الزمني مثلًا لسرطان الرئة، قبل وبعد انتشار التدخين، سوف نلاحظ تزايدا بأعداد الناس المصابين بسرطان الرئة بعد انتشار التدخين.
ولو نظرنا للمخطط الزمني لأعداد المصابين بسرطان الدماغ، سوف نشاهد أن المخطط ثابت تقريبًا قبل وبعد اختراع الجوّال، أي أن الجوّالات موجودة في حياتنا منذ زمن ليس بقصير، لو كان لها تأثير ضار بشكل مباشر كانت ستظهر التأثيرات في المخطط