بعد انطلاق الثورة في سوريّة، حاول الشباب سواءً الذي له صلةٌ بالمجال الإعلامي والصحافي (وهم قلة) أو الشباب العادي الذي حاول بأدوات بسيطة نقل صورةٍ حقيقية لمجريّات الأحداث بأبسط الأدوات في سوريّة منذ اندلاع ثورتها، ليكسرَ الاحتكار الإعلامي الذي فرضهُ النظام، وبالطبع كانت وسائل التواصل الاجتماعي الملاذ المُحبّب للشباب.
اليوم وبعد أعوام عدة على انطلاقة الثورات، نجدُ أنفسنا أمام أسئلة لا مفَرّ منها حول العلاقة بين الشباب باعتبارهم "حوامل هذه الثورات" وبين منابر التعبير التي حاول الشباب إيصال صوتهم وأخذوا حيزهم الخاص فيها، لذا يتبادر إلى الذهن أسئلةُ حول الإشكاليات والمعوقات التي يعاني منها الشباب، وما هي الصعوبات التي تواجه الشباب في تعامله مع وسائل الإعلام التقليدية أو المشاركة في الندوات والاستعانة بدور النشر لإيصال أصواتهم وأفكارهم للجمهور؟ وهل كانت وسائل التواصل الاجتماعي بتنوعها كافية للشباب كي تصل أفكارهم إلى مجتمعاتهم؟
"رند صباغ" كاتبة صحافية سورية، وباحثة في شؤون الإعلام في النزاعات تقول في معرض إجابتها عن هذه التساؤلات: "فعلياً تطور وسائل الاتصال، وحصول الأفراد على منابر للتعبير عن آرائهم وبالأخص في الفضاء الافتراضي ليس بالضرورة دليلاً على زيادة حقيقية في حرية التعبير، فلا يمكن للأفراد ممارسة حرية التعبير دون تأمين حماية لهم من المخاطر المترتبة عنه".
أما بخصوص الوصول إلى وسائل الإعلام التقليدية تضيفُ رند: "إن الوصول إلى وسائل الإعلام التقليدية ودور النشر وكل وسائل الاتصال التقليدية أو الحديثة، غدا أسهل من قبل بحسب وجهة نظري، ولكن في النهاية لا وجود لجهة لا تملك سياستها الخاصة وأجندتها التي تعمل على تحقيقها".
وفي رؤيتها لدور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز حرية التعبير بالنسبة للشباب، تعلّق رند قائلة: وسائل التواصل الاجتماعي بالطبع ليست بكافية، وإن كانت مساهمة بقوة، وتمنح فرصاً لم تكن سانحةً من قبل، وبالتالي إن أراد الشباب إيصال أصواتهم فعليهم العمل باستراتيجيات محددة عن طريق الحملات المنظمة.
ويقول الصحافي السوري ناجي الجرف رئيس تحرير مجلة حنطة: المعوقات هي الحالة الأمنية للشباب العاملين في المجال الصحافي "المواطنين الصحافيين" أثناء عملهم داخل سورية، في غالب الأحيان يتعرض المواطنون الصحافيون لمضايقات تتعلق بحرية الحركة والعمل والتغطية وخاصة إن كانت تتعارض مع توجه الفصيل العسكري المسيطر على المنطقة.
وعن دور وسائل التواصل الاجتماعي يقول ناجي: "ما زالت مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الالكترونية هي المكان الأكثر حرية لنشر أفكار وأخبار الشباب العاملين في الحقل الإعلامي وخاصة بعد تعدد ممارسات التضييق على عملهم من جهات متعددة".
فيما يرى سامر نشقبندي وهو "مُعدّ ومُقدّم برامج في إذاعة نسائم سورية" بأنّ الشاب السوريّ اليوم ومع انفتاح فضاء الإعلام أمامه وامتلاكه مساحات أوسع للتعبير عن رأيه صار يقف أمام خيارين، إما التعبير بصدقٍ وبحريّةٍ كاملة أو الالتزام تجاه الحركة أو الجماعة أو الحزب الذي ينتمي إليه وهذا ما يقيد تفكيره ويحدُّ من إبداعه. ويضيف، وسائل الإعلام اليوم منحت الشاب السوري منبراً طالما حلم به سواءً أكان الإعلام السوري البديل أو الإعلام العربي ولكن هذه الأعطية لم تكن مجانية أبداً فهي تحاول توجيه فكر الشباب نحو منحىً معيّن. ويرى سامر أنّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هي الفضاءُ الحر الوحيد والصديق الحميم للشاب السوري للتعبير عن مكنوناته الفكريّة رغم كلّ العقبات والموانع التي تغلّفُ العلاقة بين الشباب السوريّ والمنابر المختلفة المخصصة للتعبير عن أفكاره، إلاّ أنّ الثابت الوحيد بعد انطلاقة الثورة وأخذ دورهم الطبيعي في الفضاء المرئي والمسموع والمقروء؛ هو مجابهة كل مشروع أو جهة، تحاول إعادتهم إلى أيام العهد الأول حيث تكميم الأفواه واعتياد السكوت والصمت المُطبق الذي ساد عقوداً طويلة.
(سورية)