23 سبتمبر 2024
هل انتهى مشروع الأكراد في سورية؟
على الرغم من أن سيناريو ما جرى في حلب، أخيراً، أحدث توازن قوى جديدا، وفرض معطيات جديدة على الأرض، ستؤثر حتماً على أوراق التفاوض، بعد أن تمت العودة إلى طاولة المفاوضات في أستانة، عاصمة كازاخستان، هذه المرّة، إلا أن شبح تقسيم سورية ما يزال مخيما على الأجواء، في ظل الوضع العسكري الجديد.
لم يعد خافياً على أحد طموح الأكراد لإيجاد تواصل جغرافي بين منطقة عفرين وبقية المناطق السورية التي ينتشرون فيها، ما من شأنه إقامة حزامٍ يفصل تركيا عن كامل أراضي الجمهورية العربية السورية، وخصوصاً مدينة حلب، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وهو ما يشكل تهديداً واضحاً لأمن تركيا القومي، ويهدّد وحدة أراضي سورية في الوقت نفسه.
سبق أن نفى تانغو بيلغيتش، المتحدث الرسمي باسم الخارجية التركية، وجود اتفاق عسكري سري بين بلاده والولايات المتحدة بخصوص مدينة منبج، حين بدأت قوات التحالف دعم مليشيات كردية، بالتقدم نحوها قبل عدة أشهر، حيث تمثل منبج، بموقعها الجغرافي، أكبر كتلة ديمغرافية تقف عقبةً أمام المشروع الكردي. وقد تكون هذه النقطة وراء تحول وجهتهم، والابتعاد عن الرقة، آنذاك "مرحلياً"، فنتيجة معركة منبج أهم من معركة الرقّة، نظراً إلى أبعادها الاستراتيجية، ربحاً أو خسارةً، لجميع المشاركين فيها، فمنبج يمكنها أن تكون جسراً يربط بين القطاعات الثلاثة للمشروع الكردي الحلم، الجزيرة وعين العرب وعفرين؛ حيث يتصل قطاعا الجزيرة وعين العرب، بعد سيطرة الأكراد على الشريط الحدودي مع تركيا كاملاً، ويبقى الجيب ما بين ضفة الفرات الغربية وعفرين، والذي يبدأ بمنبج وجرابلس شمالها، مروراً بالباب ودابق.
بعد حسمها معركة منبج، تكون المليشيات الكردية بذلك قد تجاوزت نهر الفرات، في مناطق عربية تاريخياً، لا يملك فيها الأكراد أي امتداد تاريخي أو اجتماعي، أو ديمغرافي.
تُعَد تركيا الطرف الأكثر تضرّراً جرّاء الاجتياح الكردي ما تبقى من مدن الشريط الحدودي مع
سورية وبلداته، والواقعة غرب نهر الفرات، خصوصاً أن منبج تقع في قلب المنطقة التي يريد أكراد سورية إقامة حكم ذاتي فيها "مبدئيا"، وهذا ما يفسر الإصرار التركي باستعادتها لأهلها، بعد إخراج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من الباب.
تدرك واشنطن جيداً مخاوف أنقرة. لذلك، قدمت تطميناتٍ بأن نسبة القوات الكردية المشاركة في "قوات سورية الديمقراطية" لا تزيد على الخُمْس، ولكن الأتراك ومعظم السوريين يعلمون جيداً أن التركيبة الفعلية لهذه المجموعة المسلحة مغايرةٌ لما يقدّمه الأميركيون من معلومات، خصوصاً أنه لا يخفى على أحد أن مليشيات صالح مسلم الكردية تشكل غالبية هذه القوات، لا بل إنها الآمر الناهي فيها.
واعتبر مراقبون أن كثافة المجازر التي ارتكبتها قوات التحالف في قرى ريف منبج العربية، في معارك إخراج "داعش" منها العام الماضي، كانت في محاولة منها للإسراع بفتح الطريق أمام المليشيات الكردية لاستكمال مشروعهم الذي يمثل لتركيا خطراً قومياً، في ظل معركتها الطاحنة مع حزب العمال الكردستاني الذي يمثل حزب الاتحاد الديمقراطي، ووحداته الشعبية، امتداده السوري، ما يعني تأمين عمق استراتيجي للأكراد وخطوط إمداد من داخل تركيا وسورية وإليهما، مستغلين انشغال أنقرة بترتيب وضعها الداخلي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/ تموز الماضي.
ولافت، بعد مواجهات مدينة الحسكة قبل أشهر، بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة
السورية، أن "الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني (الأسايش) صعّد، أخيراً، من أعماله الاستفزازية في مدينة الحسكة، كالاعتداء على مؤسسات الدولة وسرقة النفط والأقطان وتعطيل الامتحانات وارتكاب أعمال الخطف بحق المواطنين الآمنين، وإشاعة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار". ولم يكن ذكر العمال الكردستاني، الحزب التركي، بالاسم في البيان، من قبيل المصادفة، فالبيان يحمل رسالتين: داخلية، للفصيل الكردي الانفصالي، بأنه ذهب بعيداً، في التعاون مع واشنطن، ويرتبط توقيت هذه الرسالة بالتعاون التركي الروسي بعد المصالحة. والرسالة الثانية خارجية، إلى أنقرة، مفادها بأن تركيا كانت محقة في كل اتهاماتها للمليشيات الكردية السورية، بأنها الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة إرهابياً.
يسيطر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي المصنف إرهابياً في تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)أبرز القوى الكردية السورية ومليشياته (YPG) القوتان اللتان تصفهما أنقرة إرهابيتين، على ثلاثة أرباع الحدود السورية مع تركيا، ويتابع استفزازه تركيا والعرب، بالتقدم إلى مناطق كان النظام السوري في السابق قد تعهد بمنع أي تحرك مسلح كردي فيها، أو السماح للجيش التركي بالتوغل داخل الأراضي السورية، لملاحقة المسلحين الأكراد فيها، كما حدث في أوقات سابقة.
يدور الحديث عن أن الأكراد في سورية يشكلون القومية الثانية، وقد يكون هذا كلام حق يُراد به باطل، لإسقاط الحالة الكردية في شمال العراق على أكراد سورية، من دون الأخذ بالاعتبار فوارق كبيرة بين الحالتين، وهي أنهم في سورية لا يمتلكون المقومات التي لدى نظرائهم شمال العراق، ديمغرافياً وجغرافياً. وسبق أن أشار المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، إلى أن نسبة أكراد سورية (5%)، ولا تمتلك أي تواصل جغرافي بين المناطق الرئيسية التي تقطنها (القامشلي- عين العرب- عفرين)، بالإضافة إلى أنه، حتى المناطق التي هي فيها أكثرية، لا تشكل أغلبية مطلقة، وهذا يفسّر التحرك السريع والمفاجئ، في الآونة الأخيرة، لمليشياتٍ كردية، بدعم روسي تارة، وأميركي تارة أخرى، في مناطق غرب الفرات، وفي محيط مدينة حلب، استعداداً لسيناريو كهذا معد مسبقاً، لتحقيق عمق وامتداد جغرافي، ولم تكن معركة منبج، في النصف الثاني من العام المنصرم، إلا استمراراً في هذا السيناريو. إلا أن عملية درع الفرات لمحاربة الإرهاب في الشمال السوري، بعد المصالحة الروسية التركية، أوقفت (أجّلت) تمزيق سورية، وباتت قاب قوسين أو أدنى من السيطرة الكاملة على مدينة الباب، لتكمل نحو الهدف الأهم منبج. وهنا، لا يمكن إغفال حقيقة تغير الأولوية التركية في الساحة السورية، منذ شهور كثيرة، حيث بات المشروع الكردي في شمال سورية والمدعوم أميركياً مبعث قلق كبير لأنقرة، ما يجعل النقاط الخلافية الأخرى مجرد تفاصيل يمكن مناقشتها لاحقاً.
يبقى القول إن نجاح أي مشروع في سورية بات رهن مساومات إقليمية دولية. وفي ضوء التطورات الأخيرة، تتجه الأنظار نحو إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وكيف ستتعامل مع الأطراف المتشابكة داخل سورية.
لم يعد خافياً على أحد طموح الأكراد لإيجاد تواصل جغرافي بين منطقة عفرين وبقية المناطق السورية التي ينتشرون فيها، ما من شأنه إقامة حزامٍ يفصل تركيا عن كامل أراضي الجمهورية العربية السورية، وخصوصاً مدينة حلب، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وهو ما يشكل تهديداً واضحاً لأمن تركيا القومي، ويهدّد وحدة أراضي سورية في الوقت نفسه.
سبق أن نفى تانغو بيلغيتش، المتحدث الرسمي باسم الخارجية التركية، وجود اتفاق عسكري سري بين بلاده والولايات المتحدة بخصوص مدينة منبج، حين بدأت قوات التحالف دعم مليشيات كردية، بالتقدم نحوها قبل عدة أشهر، حيث تمثل منبج، بموقعها الجغرافي، أكبر كتلة ديمغرافية تقف عقبةً أمام المشروع الكردي. وقد تكون هذه النقطة وراء تحول وجهتهم، والابتعاد عن الرقة، آنذاك "مرحلياً"، فنتيجة معركة منبج أهم من معركة الرقّة، نظراً إلى أبعادها الاستراتيجية، ربحاً أو خسارةً، لجميع المشاركين فيها، فمنبج يمكنها أن تكون جسراً يربط بين القطاعات الثلاثة للمشروع الكردي الحلم، الجزيرة وعين العرب وعفرين؛ حيث يتصل قطاعا الجزيرة وعين العرب، بعد سيطرة الأكراد على الشريط الحدودي مع تركيا كاملاً، ويبقى الجيب ما بين ضفة الفرات الغربية وعفرين، والذي يبدأ بمنبج وجرابلس شمالها، مروراً بالباب ودابق.
بعد حسمها معركة منبج، تكون المليشيات الكردية بذلك قد تجاوزت نهر الفرات، في مناطق عربية تاريخياً، لا يملك فيها الأكراد أي امتداد تاريخي أو اجتماعي، أو ديمغرافي.
تُعَد تركيا الطرف الأكثر تضرّراً جرّاء الاجتياح الكردي ما تبقى من مدن الشريط الحدودي مع
تدرك واشنطن جيداً مخاوف أنقرة. لذلك، قدمت تطميناتٍ بأن نسبة القوات الكردية المشاركة في "قوات سورية الديمقراطية" لا تزيد على الخُمْس، ولكن الأتراك ومعظم السوريين يعلمون جيداً أن التركيبة الفعلية لهذه المجموعة المسلحة مغايرةٌ لما يقدّمه الأميركيون من معلومات، خصوصاً أنه لا يخفى على أحد أن مليشيات صالح مسلم الكردية تشكل غالبية هذه القوات، لا بل إنها الآمر الناهي فيها.
واعتبر مراقبون أن كثافة المجازر التي ارتكبتها قوات التحالف في قرى ريف منبج العربية، في معارك إخراج "داعش" منها العام الماضي، كانت في محاولة منها للإسراع بفتح الطريق أمام المليشيات الكردية لاستكمال مشروعهم الذي يمثل لتركيا خطراً قومياً، في ظل معركتها الطاحنة مع حزب العمال الكردستاني الذي يمثل حزب الاتحاد الديمقراطي، ووحداته الشعبية، امتداده السوري، ما يعني تأمين عمق استراتيجي للأكراد وخطوط إمداد من داخل تركيا وسورية وإليهما، مستغلين انشغال أنقرة بترتيب وضعها الداخلي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/ تموز الماضي.
ولافت، بعد مواجهات مدينة الحسكة قبل أشهر، بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة
يسيطر الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي المصنف إرهابياً في تركيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)أبرز القوى الكردية السورية ومليشياته (YPG) القوتان اللتان تصفهما أنقرة إرهابيتين، على ثلاثة أرباع الحدود السورية مع تركيا، ويتابع استفزازه تركيا والعرب، بالتقدم إلى مناطق كان النظام السوري في السابق قد تعهد بمنع أي تحرك مسلح كردي فيها، أو السماح للجيش التركي بالتوغل داخل الأراضي السورية، لملاحقة المسلحين الأكراد فيها، كما حدث في أوقات سابقة.
يدور الحديث عن أن الأكراد في سورية يشكلون القومية الثانية، وقد يكون هذا كلام حق يُراد به باطل، لإسقاط الحالة الكردية في شمال العراق على أكراد سورية، من دون الأخذ بالاعتبار فوارق كبيرة بين الحالتين، وهي أنهم في سورية لا يمتلكون المقومات التي لدى نظرائهم شمال العراق، ديمغرافياً وجغرافياً. وسبق أن أشار المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، إلى أن نسبة أكراد سورية (5%)، ولا تمتلك أي تواصل جغرافي بين المناطق الرئيسية التي تقطنها (القامشلي- عين العرب- عفرين)، بالإضافة إلى أنه، حتى المناطق التي هي فيها أكثرية، لا تشكل أغلبية مطلقة، وهذا يفسّر التحرك السريع والمفاجئ، في الآونة الأخيرة، لمليشياتٍ كردية، بدعم روسي تارة، وأميركي تارة أخرى، في مناطق غرب الفرات، وفي محيط مدينة حلب، استعداداً لسيناريو كهذا معد مسبقاً، لتحقيق عمق وامتداد جغرافي، ولم تكن معركة منبج، في النصف الثاني من العام المنصرم، إلا استمراراً في هذا السيناريو. إلا أن عملية درع الفرات لمحاربة الإرهاب في الشمال السوري، بعد المصالحة الروسية التركية، أوقفت (أجّلت) تمزيق سورية، وباتت قاب قوسين أو أدنى من السيطرة الكاملة على مدينة الباب، لتكمل نحو الهدف الأهم منبج. وهنا، لا يمكن إغفال حقيقة تغير الأولوية التركية في الساحة السورية، منذ شهور كثيرة، حيث بات المشروع الكردي في شمال سورية والمدعوم أميركياً مبعث قلق كبير لأنقرة، ما يجعل النقاط الخلافية الأخرى مجرد تفاصيل يمكن مناقشتها لاحقاً.
يبقى القول إن نجاح أي مشروع في سورية بات رهن مساومات إقليمية دولية. وفي ضوء التطورات الأخيرة، تتجه الأنظار نحو إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وكيف ستتعامل مع الأطراف المتشابكة داخل سورية.