هل تتخلى موسكو عن حفتر للحفاظ على مصالحها في ليبيا؟

09 يوليو 2020
تدرك روسيا أن الأوضاع تغيرت، وهي تحاول الرجوع إلى الوراء (آريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي لا تزال فيه المعارك متوقفة عند تخوم قطاع الجفرة – سرت؛ تتواصل تفاهمات في كواليس عواصم الدول المعنية بالملف الليبي، يبدو أنها انتهت عند اعتراف موسكو ضمنياً برغبتها في التوصل لحل سلمي بعيداً عن الحل العسكري. حيث قالت مصادر ليبية رفيعة إن طرابلس تلقّت اتصالات تطالبها بضرورة عدولها عن إصرارها على استئناف العمليات العسكرية في الجفرة – سرت.

وأضافت المصادر التي تحدثت لــ"العربي الجديد" أن الاتصالات جاءت من الجانب الإيطالي الذي لا يزال يحتفظ بعلاقات مع كل الأطراف المتنافسة في الملف الليبي بضوء أخضر أميركي.

ورجحت المصادر أن تكون طرابلس ومن ورائها أنقرة ثابتتين على موقفهما من استئناف العمليات القتالية والسيطرة على الجفرة وسرت، لكن الوساطة الإيطالية لا تزال تضغط باتجاه إخلاء مناطق سرت والجفرة من السلاح كحلٍّ وسط بين الطرفين المتصارعين في البلاد، وهو سيناريو تداولته أوساط عديدة من بينها الولايات المتحدة الأميركية في مناسبات سابقة، كما أشار إليه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي طالب خلال كلمته في مجلس الأمن أمس بأن يكون جعل المنطقتين منزوعتي السلاح خطوة أولى لإطلاق المفاوضات.

تلقّت طرابلس اتصالات تطالبها بضرورة العدول عن استئناف العمليات العسكرية

واتفقت آراء الفاعلين الدوليين، خلال جلسة خاصة بمجلس الأمن أمس الأربعاء، على ضرورة وقف القتال في ليبيا واستئناف المحادثات العسكرية لتمهيد الطريق أمام محادثات سياسية تفضي لحلّ سلمي.

ورأى الباحث السياسي الليبي بلقاسم كشادة، أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جلسة مجلس الأمن بشأن استعداد حفتر للتوقيع على اتفاق وقف لإطلاق النار كانت لافتة للانتباه، معتبراً أن روسيا لم تجد في عقيلة صالح حليفاً قوياً بعد استضافته الأسبوع الماضي، ولذا قررت الحفاظ على مصالحها ووجودها من خلال حفتر ولكن في سياق جديد.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد أكد في تصريحات أمس الأربعاء، على استعداد الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا، متهماً حكومة طرابلس بأنها "غير راغبة" في ذلك، بحسب وكالة أنباء تاس الروسية.

وأضاف كشادة متحدثًا لــ"العربي الجديد" أن "روسيا تدرك جيداً أن حفتر رهان خاسر، ولذلك لن تربط مصالحها الدائمة في ليبيا به، فمن يقبل بحفتر الذي بات متهماً، وبشكل صريح من الأمم المتحدة، بجرائم حرب وزرع ألغام تستهدف المدنيين؛ شريكاً في صنع السلام"، مشيراً إلى أن روسيا تحاول القول إن الأوضاع رجعت إلى ما قبل حملة حفتر على طرابلس ولذا فقد تمسكت بوجود قواتها في قاعدة الجفرة التي انطلق منها حفتر باتجاه طرابلس.

 

ويضيف كشادة أن روسيا تدرك جيداً أن الأوضاع تغيرت، فهي لا تتحدث عن اتفاقها القديم الذي دعت من خلاله لوقف إطلاق النار في كانون الثاني/يناير الماضي، والذي وقّعت عليه حكومة الوفاق، فلماذا تدعوها مجدداً للتوقيع عليه؟ علماً أن حفتر هو من رفض التوقيع، فلا معنى للحديث عن استعداده اليوم للتوقيع عليه، إلا أن روسيا تحاول الرجوع إلى الوراء لبناء واقع سياسي جديد.

ويرجّح كشادة أن موسكو تدرك أن حفتر خسر كل شيء، ولا يمكن التعويل عليه إلا مؤقتاً للوصول إلى تفاهمات جديدة تحفظ وجودها وحصتها في الكعكة الليبية.

تدرك موسكو أن حفتر خسر كل شيء، ولا يمكن التعويل عليه

من جانبه يرى الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، أن تصريحات أعضاء مجلس الأمن تتجه نحو فرض وقف لإطلاق النار والذهاب إلى طاولة سياسية، لكن شكل تلك الطاولة وشكل الميدان هو محل الخلاف.

ويرجّح الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد" أن حلف تركيا مع طرابلس بدأت ترجح كفته، خصوصاً بتقاربها مع إيطاليا ووجود أميركي غير ظاهر في صفها، مقابل الطرف الآخر الذي يبدو أنه لم يجد شريكاً داخلياً قوياً يُعوّل عليه بعد تراجع قوة حفتر وانحسار دوره كطرف أساسي في أية عملية تسوية جديدة.

ولفت الأطرش إلى أن موسكو من خلال تأكيدها على قبول حفتر بالتوقيع على وقف إطلاق النار، تفيد بأنها مستعدة للقبول بحلول سلمية، ما يعني أنها تبحث عن صيغة تحفظ مصالحها، وأنها ليست راغبة في مواجهة عسكرية مع أي طرف ولصالح أي طرف، وبالتالي فإن موقفها من سيطرة حكومة من ورائها تركيا على سرت والجفرة يمكن أن يُبحَث بصيغ أخرى غير السيناريو العسكري، وهذا يتقارب مع الرغبة الأميركية التي تسعى لإخلاء المنطقتين من السلاح.

ويرجح الأطرش أن تصريحات لافروف تكشف عن قرب توصل الأطراف المتنفّذة في الملف الليبي إلى صيغة لحل قضية الجفرة – سرت بوسائل تمكّن حكومة الوفاق من استلامها بدون حرب وبدون أن تكون لها سيطرة عسكرية عليها.