وتكشف صحيفة "ويست فرانس" رسالة جوابية لرئيس الحكومة إدوار فيليب، على مجموعة من تساؤلات اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، بخصوص واجبات فرنسا تجاه أبنائها في المعسكرات الكردية في سورية، والذين تقدّر أعدادهم بما بين 100 و200 طفل، ولدوا في فرنسا أو في سورية من آباء فرنسيين قاتلوا إلى جانب تنظيم "داعش"، والذين يعيشون، حسب هذه المنظمة، في "ظروف تنعدم فيها الحاجيات الضرورية"، وهو ما دفع هذه المنظمة لمطالبة الحكومة باستعادتهم جميعاً دون شروط.
وفي رسالة رئيس الحكومة لهذه المنظمة، يكرر إدوار فيليب مواقف أعضاء كثيرين من حكومته، من بينهم وزراء الداخلية والعدل والخارجية، ويؤكد أن فرنسا غير مرغَمَة، قط، بسبب معاهدات دولية، في هذا الصدد، ومنها المعاهدة الدولية حول حقوق الطفل، باستعادة أبنائها. ويضيف "لا يبدو لي ممكناً التأكيد على أن فرنسا تتجاهل التزاماتها الدولية بسبب عدم قيامها بعملية إجلاء قاصرين يحملون الجنسية الفرنسية".
ومن مبررات رئيس الحكومة، التي تشدد عليها رسالته الجوابية إلى اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، أن "هؤلاء الأطفال ليسوا تحت مراقبة فرنسية، وإنما تحت مراقبة القوات الديمقراطية السورية"، إضافة إلى أن "الدور الذي تلعبه فرنسا داخل التحالف الدولي الذي يدعم "قسد" لن يجعل فرنسا مسؤولة عن أشخاص خاضعين لسيطرة قسد".
وهذه الإجابة التي لا تختلف عن إجابات مسؤولين سابقين، منهم رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون نفسه، دفعت منظمات وجمعيات حقوقية لانتقاد مواقف الحكومة والسخرية من تبريراتها، وهو موقف رئيس "رابطة حقوق الإنسان"، مالك سالمكور، الذي رأى في جواب إدوار فيليب "جدلا قانونيا فارغا، من أجل تجنب الرد على الواجبات تجاه المعاهدة الدولية لحقوق الطفل"، ساخرا من تذكير رئيس الحكومة بنجاح حكومته في استعادة 17 طفلا ما بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2019، ومشددا على أن "من واجب السلطات الفرنسية استرجاع كل هؤلاء الأطفال، الذين هم ضحايا".
محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتشددين الفرنسيين بالعراق
وليس فقط أطفال المتشددين من يطرح مشكلة للسلطات الفرنسية، فحتى المتشددون منهم لا يزالون يطرحون مشاكل لم تستطع فرنسا تجاوزها بعد. ومنها تجنيبهم أحكام الإعدام التي تجد السلطات القضائية العراقية سهولة في إصدارها، والتي صدرت لحد الآن في حق 11 منهم.
وفي هذا الصدد، تحدث موقع "ميديا بارت" الفرنسي عن رغبة وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية في رؤية محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة هؤلاء المقاتلين في العراق. والسبب يتمثل في الصعوبة التي يواجهها الأكراد السوريون في تأمين اعتقال المتشددين في معسكرات تعج بأكثر من 300 من أبناء هؤلاء المتشددين.
ويضيف الموقع أن ثمة مجموعة عمل بهذا الصدد بين وزارات العدل والداخلية والخارجية، وأن الخيار المفضل لدى السلطات الفرنسية يتجلى في سلطة قضائية عراقية يتم تعزيزُها بقانونيين من مختلف الجنسيات، ومنهم فرنسيون. ثم إن هذه السلطة القضائية سترتكز على القانون العراقي في محاربة الإرهاب الذي يُطبَّق حتى على أفراد لم يرتكبوا، بشكل مادي، أعمالا في العراق، بل لمجرد كونهم انتموا إلى منظمة إرهابية تشكل تهديدات للمصالح العراقية.
وسيتعين على فرنسا إقناع السلطات القضائية العراقية بتجنب إصدار أحكام بالإعدام. وتبدي السلطات الفرنسية استعدادها لتحمل القسم الأكبر من الأعباء المالية.
وعلى الرغم مما يتم تداوله في وسائل الإعلام من أن السلطات العراقية لم تقبل محاكمة المتشددين الفرنسيين على أراضيها، وتحويل أحكام الإعدام إلى مؤبدات، بالمجان، وأن ثمة مقابلا ماديا، إلا أن السلطات الفرنسية تتعمد الالتفاف على هذه التساؤلات، من خلال التأكيد على أنها لم تتلقَّ أي طلب عراقيّ في هذا الاتجاه.
وإذا كانت فرنسا تفكر، حاليا، في إنشاء هذه المحكمة الدولية، فإن موقفها قبل أشهر كان مختلفا، حين رفضت أثناء لقاء وزراء داخلية مجموعة 16 لبحث موضوع مكافحة الإرهاب، تأييد مقترح دول أوروبية بإنشاء هذه المحكمة. لأنها كانت، حينها، تفكر في استعادة مقاتليها.
وتجدر الإشارة إلى أن رفض الرأي العام الفرنسي، في غالبيته، لعودة المتشددين الفرنسيين إلى بلدهم، دفع، قبل أشهر، رئيس حزب "الجمهوريون" اليميني المستقيل، لوران فوكييز، إلى المطالبة بإنشاء ما سماه "محكمة نورنبرغ" لمحاكمة المقاتلين المتشددين الأوروبيين.