يبدو أن تركيا تتجه إلى اعتماد تغيير في سياستها الخارجية، بعدما أصبح مبدأ القوة الناعمة الذي انتهجته أنقرة لسنوات، متجنبة التدخل العسكري المباشر، غير مجدٍ في ظل الصراع الذي يعم المنطقة. هذا التغيير بدأت ملامحه تظهر، مع ما كشفته صحيفة "حرييت" التركية، نقلاً عن مسؤولين أتراك، بأن "القوات الخاصة التركية تعمل على تدريب قوات سنّية عراقية، في إطار اتفاق جرى مع الحكومة العراقية أثناء الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع التركي عصمت يلماز إلى كل من بغداد وأربيل، وذلك بالإضافة إلى تدريب قوات تركمانية سورية من المفترض أن تشكّل نواة قوات المعارضة السورية المعتدلة التي تم الاتفاق على تدريبها بين أنقرة وواشنطن الشهر الماضي".
هذا التحوّل أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال كلمة ألقاها يوم الإثنين، في افتتاح مركز تقنيات الرادار والحرب الإلكترونية التابع للصناعات العسكرية الإلكترونية في أنقرة، قائلاً: "ستواصل تركيا جهودها إزاء تلك التطورات (في سورية والعراق)، مستخدمة كل الإمكانيات الدبلوماسية، ولكننا على علم بأننا ما لم ندعّم قوتنا السياسية والدبلوماسية بالقوة العسكرية، فلن نحصل على النتيجة المنشودة".
وأضاف: "تركيا الجديدة لن تكون بلداً يتوقف عند حد الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الدفاعية، بل ستساعد جميع إخوتها وأصدقائها، وتسدّ احتياجاتهم".
اقرأ أيضاً: اليسار التركي يحلم بـ"سيريزا جديدة" في الانتخابات
وكان محافظ نينوى، أثيل النجيفي، قال لوكالة "الأناضول"، إن "خبراء أتراكا بدأوا بتدريب قوات عراقية سنّية بناء على الطلب الذي تقدمت به القوى العراقية السنّية للحكومة التركية عبر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ووزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، خلال زيارة وزير الدفاع التركي إلى بغداد، حيث تمت مناقشة الأمر أيضاً خلال الزيارة التي قام بها نائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، في وقت سابق إلى أنقرة، ووعد الأتراك أيضاً بتقديم السلاح لهذه القوات، من دون تحديد الآليات والزمان وكمية ونوعية هذه الأسلحة".
وأكدت الصحيفة التركية المعارِضة أن ذوي "القبعات الحمراء" أي القوات الخاصة التركية، تعمل على تدريب قوات البشمركة في أربيل، وقوات أخرى في كل من تكريت والموصل معظمها من التركمان، إضافة إلى تدريب قوات تركمانية سورية، لكن في موقع ضمن الأراضي السورية لم يتم الكشف عنه لدواعٍ أمنية.
وبحسب الصحيفة، يركّز برنامج التدريب الذي تقدّمه القوات التركية، على قتال الشوارع وجمع المعلومات الاستخباراتية، إذ من الممكن أن يمتد لمناطق أخرى من العراق.
ويظهر من خلال التسريبات الأخيرة أن القوات العسكرية التي تحدّث عنها أردوغان، يجب أن تكون شديدة الولاء، وبعد الفشل في إنشاء قوات عسكرية من العرب في سورية على مدى السنوات الثلاث الماضية على الرغم من المحاولات العديدة، تتوجّه أنظار الأتراك للاعتماد على التركمان في المنطقة ليشكّلوا نواة تضمن ولاء أي قوات عسكرية يتم العمل عليها.
من الناحية السياسية، يبدو أن كل شيء بات جاهزاً لمشاركة عسكرية تركية أكبر في الشرق الأوسط، فعلى الصعيد الداخلي من المتوقع أن يُعلن حزب "العمال الكردستاني" في عيد النوروز الشهر الحالي وقف "النضال المسلّح ضد أنقرة والبدء بالنضال الديمقراطي". كما تم إخلاء ضريح سليمان شاه في سورية مع ما يقارب الأربعين عنصراً من القوات الخاصة التي كانت تتولى حماية الضريح، وهم كانوا آخر الأوراق التركية في يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
أما على الصعيد الخارجي، فقد سهّل الأمر الاتفاق التركي الأميركي، ومن ثم التقارب السعودي التركي الأخير، في ظل الانزعاج العربي الواضح من التدخّل الإيراني الواسع في العراق، وقيادة الحرس الثوري للمليشيات العراقية في معركة السيطرة على تكريت.