تدخل العملية العسكرية التركية البرية شمالي العراق أسبوعها الثالث، لتكون بذلك أطول عملية لأنقرة تستهدف مسلحي حزب "العمال الكردستاني"، الذي يتخذ من الأراضي العراقية الحدودية شرق دهوك وشمال أربيل معاقل تقليدية له، ويشنّ من خلالها هجمات باتجاه الداخل التركي. في غضون ذلك، يجري الحديث حالياً في أوساط سياسية وأمنية داخل إقليم كردستان العراق، عن مخاوف من نوايا تركية في إقامة شريط أو منطقة عازلة داخل العراق تكون مشابهة للمنطقة الآمنة التي سعت لها تركيا على حدودها مع سورية. على أن تمتد المنطقة أو الشريط الآمن داخل العراق من بلدة شمزينان الحدودية التابعة لمحافظة دهوك، وصولاً إلى منطقة قلباني في شرناخ على المثلث العراقي التركي الإيراني، بعمق قد يصل لأكثر من 30 كيلومتراً، ويعزل بالمحصلة نحو 300 قرية حدودية عراقية، بشكل يضمن لتركيا عدم تسلل أي من مسلحي العمال إلى أراضيها.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية في 15 يونيو/حزيران الماضي بدء عملية عسكرية تستهدف مواقع حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان، ثمّ باشرت في 17 يونيو، بعملية برية في منطقة حفتانين، أطلقت عليها اسم "مخلب النمر". وبحسب مصادر سياسية كردية في الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الحاكم بأربيل، فإنّ طريقة تحرّك القوات التركية والضربات التي شهدتها منطقة العمليات، وسيطرة القوات التركية على جبال ومناطق حيوية وتشييدها ثكنات جديدة، تثير مخاوف من أنّ الخطة في النهاية قد تكون إقامة منطقة آمنة داخل العراق.
المنطقة التي بات يسيطر عليها الجيش التركي في العراق لم تعد مجرّد مسافة بسيطة
وقال قيادي في الحزب، في حديث هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "بغداد على ما يبدو اختارت التوجه إلى مجلس الأمن كحل أخير، لكنها لا تمتلك جواباً بشأن الطلب التركي المعتاد، وهو: لا تجعلوا أراضيكم منطلقاً للهجمات على أراضينا، واطردوا حزب العمال"، لافتاً إلى أنّ "المنطقة التي بات يسيطر عليها الجيش التركي في العراق لم تعد مجرّد مسافة بسيطة".
وأضاف القيادي نفسه أنّ "استمرار الضربات الجوية أو عمليات الإنزال للقوات الخاصة التركية، يسبب خسائر في صفوف حزب العمال الكردستاني، وسجّل تراجعاً لهم في مناطق تواجدهم، والقوات الأمنية (البيشمركة والأسايش) مهمتها الآن هي ضمان عدم توسيع رقعة الاشتباكات أو العمليات العسكرية، وأن تبقى محصورة في نطاق البلدات والمناطق الحدودية، خصوصاً أنّ مسلحي حزب العمال سيحاولون دخول مناطق جديدة في الإقليم إذا اضطروا للانسحاب من مناطق تواجدهم الحالية، ما يعني أنّ القوات التركية ستلاحقهم فيها أيضاً".
وقال المتحدث باسم وزارة البيشمركة، بابكر فقي، إنّه تمّ إخلاء العديد من القرى الحدودية، حيث نزح سكانها منها، فيما لحقت خسائر بالقطاع الزراعي جراء العمليات، معتبراً في تصريحٍ لقناة محلية ناطقة بالكردية، مقربة من حكومة أربيل، أنّ "هذه العملية انتهاك صارخ لسيادة الأراضي العراقية وبصورة خاصة لسيادة إقليم كردستان".
وتواصل "العربي الجديد" مع قائد عسكري بقوات البيشمركة الكردية للحديث عن الملف، إلا أنه أكد أنّ "مسؤولية السيادة الوطنية تقع على عاتق الحكومة الاتحادية في بغداد، وليست في أربيل، كما أنّ قوات البيشمركة ليس لديها التخويل للحديث بالأمور السياسية، وهي مؤسسة عسكرية تابعة للحكومة وتنفذ أوامرها".
بدوره، أشار الباحث في الشأن السياسي الكردي، كفاح محمود، إلى أنّ "الحديث الرسمي عن إنشاء منطقة آمنة جديدة على الحدود العراقية التركية لم يصدر إلى حدّ الآن، ولكن هناك إشارات لهذه النية منذ بدء العملية العسكرية التركية الأخيرة، ولا سيما بعد تعليق للوزير العراقي الأسبق هوشيار زيباري الذي اعتبر أنّ التوغل التركي يشكل تغييراً خطيراً في البعد الجيوسياسي في المنطقة"، مبدياً تأييده لتعليق زيباري. وأوضح محمود في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "أنقرة تسعى إلى إنشاء منطقة آمنة أو حزام يؤمن الأراضي التي تفترض أن هناك وجودا لعناصر حزب العمال الكردستاني فيها، وهناك هواجس كثيرة بهذا الخصوص، ومخاوف من استمرار توغل الطيران التركي في العمق العراقي، ولا سيما بعد بلوغ هذا التوغّل أكثر من 120 كيلو متراً، وهو ما ترفضه بغداد وأربيل وحتى التحالف الدولي الذي من المفترض أنه يسيطر على الأجواء العراقية".
مخاوف من استمرار توغل الطيران التركي في العمق العراقي
ولفت محمود إلى أنّ "العراق بحاجة إلى التعامل بجدية أكثر مع تركيا، وألا تكتفي حكومتا أربيل وبغداد بالاستهجان وبيانات التنديد، بل هناك حاجة ملحة للجوء إلى العالم لحلّ الأزمة، من دون التوجه إلى خيارات مواجهة النار بالنار، لأن الوضع في العراق لا يحتمل المزيد من التوتر، في ظلّ وجود خلافات بين أربيل وبغداد وأزمات سياسية، إضافة إلى أزمات المليشيات وتفشي وباء كورونا، وتردي الوضع الاقتصادي". وأشار إلى أنّ "هناك خيارا سهلا يمكن أن يساهم في حلّ الكثير من المشاكل الحالية، وهو عقد مؤتمر موسّع يضم كل أطراف النزاع (بغداد وأربيل وأنقرة وحزب العمال الكردستاني) لوضع خارطة سياسية تمنع حزب العمال من الاستمرار باعتبار العراق منطلقاً لهجماته ضدّ تركيا، كما تمنع تركيا من الاستمرار بضرب المناطق العراقية".
من جهته، أشار قائمقام قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى، محما خليل، إلى أنّ "المنطقة الآمنة التي قد تسعى إليها تركيا، لا بدّ أن تكون بقرارٍ عراقي، وليس من حق أنقرة أن تفرض إرادتها على أربيل أو بغداد، مع العلم أنّ حزب العمال الكردستاني يهدد الجميع، غير أنه لا بدّ من مراعاة السيادة العراقية".
وأوضح خليل في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "حزب العمال يضرب ويهدد سنجار، كما يتحكم بالدوائر الحكومية وتوزيع المناصب، ويشارك بعمليات تهريب عناصر تنظيم داعش من المناطق العراقية إلى مناطق أخرى. كما أنه يدخل على خط تهريب المواد الغذائية والمخدرات، وهو مرفوض رفضاً شعبياً وسياسياً وأمنياً، ولكن في النهاية نحتاج إلى تكافل شامل من أجل إنهاء مخاطره".
صليوا: فرص إنشاء المنطقة الآمنة ضعيفة، ولا يمكن أن تتحقق
من جانبه، اعتبر عضو كتلة "الوركاء" في البرلمان العراقي، جوزيف صليوا، أنّ "فرص إنشاء المنطقة الآمنة ضعيفة، ولا يمكن أن تتحقق، في ظلّ الرفض الكبير من قبل بغداد وأربيل ومن أهالي المناطق أنفسهم المستهدفين في هذه المنطقة". وأضاف في اتصال مع "العربي الجديد"، أنّه في حال إقامة هذه المنطقة، "فهي لن تكون أقل من احتلالٍ، وناقوس خطر قد ينتهي إلى مذابح كبيرة يذهب ضحيتها سكان المناطق العراقية ولعل أولهم أبناء المكون المسيحي". ولفت صليوا إلى أنه "ليس هناك أي ثقة بأنقرة، كما أنّ الحكومة في إقليم كردستان العراق يبدو أنها أسيرة للحكومة التركية، إذ لم تصدر لغاية الآن أي مواقف مدافعة عن الأكراد في المناطق التي تعرضت للقصف"، معتبراً أنّ "الحل المنطقي لأزمة حزب العمال الكردستاني هو اللجوء إلى طاولة الحوار، وحزب العمال أكثر الأطراف التي تسعى إلى الحلول السلمية والسياسية، إلا أنّ الطرف التركي يواصل العمل بمبدأ السلاح"، وفقاً لقوله.
بدوره، قال عضو الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، الحاكم في إقليم كردستان، عماد باجلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "إنشاء المنطقة الآمنة لا يتم وفق الإرادة التركية فقط، وإنما بموافقة دولية كما حدث في سورية، إلا أنّ أنقرة تسعى حالياً إلى التوسع من جهة، ومن جهة أخرى تروم إلى إشهار ورقة ضاغطة بوجه الحكومة العراقية"، معتبراً أنّ "الخطوة غير ممكنة حالياً".