04 نوفمبر 2024
هل تلتزم أميركا بمبادراتها عن سورية؟
ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الولايات المتحدة عن مبادرة أو خطوة لحل الصراع في سورية، على مستوى كامل الأراضي السورية، أو جزئية مناطقية، كاتفاق خفض التصعيد في الجنوب، والذي أنهى النظام مفاعيله، من دون أي عقبات أو عواقب تذكر من صانع الاتفاق الأميركي، ما فتح المجال لروسيا أن تأخذ طريقها إلى صناعة ما تسمى عملية تسوية الجنوب، انتهت بتسليم الجنوب لقوى النظام السوري الخدمية، ولاحقاً الأمنية، وتحجيم دور الفصائل وتدويره بما يخدم السياسات الروسية في سورية. ومن ضمن المساعي الأميركية، يمكن الحديث اليوم عن اتفاق "ممر أو حزام أمان" حسب التسمية الأميركية، أو "المنطقة الآمنة" حسب الترويج التركي للاتفاق الذي أعلنت عن البدء بتنفيذ استحقاقاته منذ نحو أسبوع مضى مع الجانب الأميركي، بتشكيل غرفة عمليات مشتركة على الحدود التركية السورية، على الرغم من أن سرد الوقائع من الطرفين لا يزال يعبر عن هوةٍ في الوصول إلى توافق كلي حول أهداف
وباعتبار أن من المبكر الحكم حول ما يمكن أن ينتج عن الاتفاق الأميركي – التركي من انعكاساتٍ على الوضع الأمني في المنطقة، وهل تستطيع من خلاله إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حقيقة ضبط الحماسة التركية في التوغل في الأراضي السورية إلى عمق 35-40 كلم كما ترغب، وحماية حلفائها "قوات سورية الديمقراطية" التي أعلنت تركيا مراراً وتكراراً عن قرب بدء عمليتها العسكرية ضدها؟ وعلى الطرف المقابل، هل يتمكّن الرئيس التركي، أردوغان، من تحويل الاتفاق الذي يبدو "هشاً"، حتى اليوم، إلى نقطة ارتكاز في تعزيز العمل المشترك مع القوات الأميركية في منطقة شرق الفرات، ما يجعل من تركيا حليفاً بديلا ووحيداً لضمان المصالح الأميركية، وسد الطريق على إيران من جهة الحدود العراقية، وانتزاع دور القوات الكردية وإنهاء حلم الأكراد بربط مناطق نفوذهم المجاورة لحدودها؟
في كل الأحوال، اتفاقية الحزام الأمني مبادرة أميركية جديدة في "تسكين" ملف الصراع في سورية، وهي تفتح الباب على تساؤلاتٍ فيما إذا كان الجانب الأميركي يحاول تهدئة الأوضاع الميدانية مقدمة للبدء في استكمال مسار مبادرته السياسية التي تشكلت عبر ما سميت "المجموعة الدولية المصغرة" حول سورية، والتي ستعقد اجتماعها على مستوى الخبراء والمبعوثين الدوليين في 12 سبتمبر/ أيلول المقبل، أي بعد يوم فقط من انتهاء قمة أنقرة التي تجمع بين رؤساء الدول الضامنة لمسار أستانة العسكري، ما يوحي أن توزيعاً للأدوار بين
مريدي المسارين العسكري والتفاوضي (في جنيف)، حيث جاء ذلك على شكل الصمت الأميركي على العمليات العسكرية الروسية في إدلب وحماة (مخرجات أستانة 13)، يقابله التزام روسي – تركي - إيراني باستكمال لجنة الدستور للبدء بأعمالها في جنيف، ومن مستلزماتها أيضاً نزع فتيل الحرب التركية على كرد "قوات سورية الديمقراطية"، وانتهاء دول مسار أستانة من عملياتهم العسكرية، وتحديد خطوط التماس وتقاسم النفوذ بينهم شرق الفرات وغربه.
وعلى ذلك، تعيدنا التحضيرات لاجتماع على مستوى وزراء المجموعة المصغرة بشأن سورية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 23 سبتمبر/ أيلول، يعيدنا إلى طرحها الأول الذي عبرت عنه في ما سمته "اللاورقة"، حيث كانت نقطة انعطاف ملموسة باتجاه التعاطي مع تفاصيل الحل السياسي، وما يمكن أن ينتج عنه من شكل سورية الجديدة ومضمونها، ما أوحى بأن هذه المجموعة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، السعودية، الأردن وانضمت لهم مصر) قد استبدلت مساعيها بإسقاط النظام عسكرياً، ليحل مكانها إسقاطه دستورياً، وهو ما عبرت عنه مخرجات اجتماع باريس في 24 يناير/ كانون الثاني 2018، والتي رسمت معالم جديدة لخطوات الحل السياسي، تمثلت أهم نقاطها:
إنهاء مسلسل الجولات العبثية لمسار جنيف والدخول في عملية مستمرة ومحدّدة الهدف
والمضمون. النص على تقليص صلاحيات الرئيس، وتوزيعها على الحكومة والبرلمان. إعطاء صلاحيات موسعة لرئيس الحكومة الذي لا يأخذ قرار تعيينه أو إقالته من رئيس الدولة. اعتماد النظام البرلماني المشكل من غرفتين، تختص إحداهما بتمثيل الأقاليم أو المحافظات، ما يعني نظاما برلمانيا لا مركزيا. وضع حد لإفلات أجهزة الأمن من العقاب، والتزامها الدستور وحقوق الإنسان، وضمناً إصلاحها وضمان الرقابة عليها.
بالمختصر، كانت المبادرة "المعطلة" تعني قلب نظام الحكم عبر عملية دستورية ملزمة لكل الأطراف، وهو ما يتقاطع، في الرؤية العامة، مع مقترحات دستورية قدّمتها سابقاً روسيا إلى المعارضة التي ادّعت رفضها، ثم سارعت إلى قبول مخرجات مؤتمر سوتشي (الحوار الوطني) الذي روج إنشاء لجنة دستورية أصبحت أساس العملية السياسية في جنيف، إن لم تكن هي كل العملية، حيث يسعى النظام حالياً إلى أن تكون سلاحه في إجهاض كل ما أشارت إليه اللاورقة، من تغييراتٍ جوهرية في شكل النظام السوري الجديد ومضمونه، وهو ما يضع روسيا على المحك بين أن تكون شريكاً للمجتمع الدولي في استخلاص حل سياسي لا يعيد سورية إلى ما قبل عام 2011، أو تكون شريكاً للنظام السوري، تتحمل كامل أعباء استمراره مع شريكته إيران في المنطقة.
لعله في ظل ضعف الأطراف السورية المتحاربة، واستنزافها لقواها القتالية، وحتى الشعبية الوطنية، وارتهاناتها لدول حمايتها، سواء على جانب النظام أو المعارضة، تبقى المبادرات الدولية المطروحة منذ ثمانية أعوام مجرد تجارب لإعادة هيكلة علاقات الدول مع بعضها، ولا تحمل عوامل جدّيتها والتفاتها إلى قضية السوريين على أنها قضية سياسية حقوقية، قبل أن تتحول إلى قضية إنسانية، بسبب تراخي المجتمع الدولي عن مسؤولياته في إقرار خطة تنفيذ القرارات الدولية، بدءاً من بيان جنيف1 وانتهاء بالقرار الأممي 2254.
في كل الأحوال، اتفاقية الحزام الأمني مبادرة أميركية جديدة في "تسكين" ملف الصراع في سورية، وهي تفتح الباب على تساؤلاتٍ فيما إذا كان الجانب الأميركي يحاول تهدئة الأوضاع الميدانية مقدمة للبدء في استكمال مسار مبادرته السياسية التي تشكلت عبر ما سميت "المجموعة الدولية المصغرة" حول سورية، والتي ستعقد اجتماعها على مستوى الخبراء والمبعوثين الدوليين في 12 سبتمبر/ أيلول المقبل، أي بعد يوم فقط من انتهاء قمة أنقرة التي تجمع بين رؤساء الدول الضامنة لمسار أستانة العسكري، ما يوحي أن توزيعاً للأدوار بين
وعلى ذلك، تعيدنا التحضيرات لاجتماع على مستوى وزراء المجموعة المصغرة بشأن سورية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 23 سبتمبر/ أيلول، يعيدنا إلى طرحها الأول الذي عبرت عنه في ما سمته "اللاورقة"، حيث كانت نقطة انعطاف ملموسة باتجاه التعاطي مع تفاصيل الحل السياسي، وما يمكن أن ينتج عنه من شكل سورية الجديدة ومضمونها، ما أوحى بأن هذه المجموعة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، السعودية، الأردن وانضمت لهم مصر) قد استبدلت مساعيها بإسقاط النظام عسكرياً، ليحل مكانها إسقاطه دستورياً، وهو ما عبرت عنه مخرجات اجتماع باريس في 24 يناير/ كانون الثاني 2018، والتي رسمت معالم جديدة لخطوات الحل السياسي، تمثلت أهم نقاطها:
إنهاء مسلسل الجولات العبثية لمسار جنيف والدخول في عملية مستمرة ومحدّدة الهدف
بالمختصر، كانت المبادرة "المعطلة" تعني قلب نظام الحكم عبر عملية دستورية ملزمة لكل الأطراف، وهو ما يتقاطع، في الرؤية العامة، مع مقترحات دستورية قدّمتها سابقاً روسيا إلى المعارضة التي ادّعت رفضها، ثم سارعت إلى قبول مخرجات مؤتمر سوتشي (الحوار الوطني) الذي روج إنشاء لجنة دستورية أصبحت أساس العملية السياسية في جنيف، إن لم تكن هي كل العملية، حيث يسعى النظام حالياً إلى أن تكون سلاحه في إجهاض كل ما أشارت إليه اللاورقة، من تغييراتٍ جوهرية في شكل النظام السوري الجديد ومضمونه، وهو ما يضع روسيا على المحك بين أن تكون شريكاً للمجتمع الدولي في استخلاص حل سياسي لا يعيد سورية إلى ما قبل عام 2011، أو تكون شريكاً للنظام السوري، تتحمل كامل أعباء استمراره مع شريكته إيران في المنطقة.
لعله في ظل ضعف الأطراف السورية المتحاربة، واستنزافها لقواها القتالية، وحتى الشعبية الوطنية، وارتهاناتها لدول حمايتها، سواء على جانب النظام أو المعارضة، تبقى المبادرات الدولية المطروحة منذ ثمانية أعوام مجرد تجارب لإعادة هيكلة علاقات الدول مع بعضها، ولا تحمل عوامل جدّيتها والتفاتها إلى قضية السوريين على أنها قضية سياسية حقوقية، قبل أن تتحول إلى قضية إنسانية، بسبب تراخي المجتمع الدولي عن مسؤولياته في إقرار خطة تنفيذ القرارات الدولية، بدءاً من بيان جنيف1 وانتهاء بالقرار الأممي 2254.