في لقائه الصحافي يوم الأربعاء، قطع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الشك باليقين حول دعم واشنطن لتحرك وخطة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في لبنان، بعدما أكد أن إدارة الرئيس دونالد ترامب "تشاركه الأهداف" وتتعاون معه "عن قرب" لتحقيق "التغيير" الذي يطلبه الشعب اللبناني. الرسالة أن واشنطن عملت من خلف الستار مع ماكرون لتركيب حكومة لبنانية برئاسة السفير مصطفى أديب وأنها تمنح هذا الأخير دعمها لإنجاح مهمته.
في الوقت نفسه بدا توقيت زيارة الرئيس الفرنسي إلى العراق بعد لبنان فوراً وكأنها جاءت لتؤكد وقوف باريس مع واشنطن في منح الدعم والمساندة لرئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، الذي سبق وقام قبل حوالي أسبوعين بزيارة لواشنطن التقى خلالها بترامب وأركان إدارته وقيادات في الكونغرس ولاقى الكثير من الترحيب والدعم.
بهذا بدا وكأن فرنسا وأميركا تلتقيان على شد أزر بغداد وبيروت لتحقيق الأهداف التي أشار إليها بومبيو والمدرجة تحت عنوان "الإصلاح" واسترجاع على الأقل بعض "السيادة والقرار" من إيران للعراق ولبنان. لكن السؤال المطروح يظل هو إلى أي مدى يعتزم الثنائي الدولي تمكين "المصطفيين" لإنجاز هذه المهمة؟
ما لفت المراقبين أن طهران بقيت صامتة وهادئة، خلافاً للعادة. فعندما يكون هناك "هجوم غربي" بهذا الحجم على هاتين العاصمتين، لا تخفي طهران اعتراضها ناهيك عن تهديداتها. لكنها هذه المرة لم تعترض، بل بدت موافقة ضمناً. وتبدّى ذلك في الليونة التي أبدتها القوى النافذة المحسوبة عليها في بيروت وبغداد، خاصة في الأولى، حيث أبدى "حزب الله" استعداده ليس فقط للقبول بحكومة "مستقلة" خلافاً لرفضه الأولي لها، بل أيضاً للتعاون في موضوع الإصلاحات "إلى أبعد الحدود".
يندرج التحرك الأميركي – الفرنسي في أساسه، ضمن إطار الاستدراك لاحتواء فائض النفوذ الإيراني
وكأن إيران كانت بصورة أو بأخرى على خط هذه التطورات عبر الجسر الفرنسي المفتوح بضوء أخضر من واشنطن المنهمكة الآن في الانتخابات. والمراهنة هنا أن إيران التي تنتظر الاستحقاق الرئاسي الأميركي بعد شهرين، ليست في وارد المصادمة خلال هذه الفسحة الزمنية التي قد تكون مفتوحة على حلحلة ما مع واشنطن لو فاز منافس ترامب في الانتخابات الرئاسية، جو بايدن. خاصة وأن لا أميركا ولا فرنسا تزمع الذهاب في هذا التوجه إلى أكثر من لجم وكبح النفوذ الإيراني.
إدارة ترامب كما سابقاتها شددت أكثر من مرة على أنها لا تنوي تغيير النظام في إيران بل "سلوكه" فقط مع الاستعداد للتحاور معه لو توفرت شروط الحوار. وفي الاعتقاد أن هذا التوجه يترجم استراتيجية تقوم على التعامل مع الشرق الأوسط من موقع إدارة أزماته وليس تغيير معادلاته. بهذه الصورة يجري تركه في حالة اشتباك مع نفسه وبما يجعله بحاجة إلى طلب العون الخارجي مع ما يرافق ذلك من شروط تحصد إسرائيل ومبيعات الأسلحة منافعها.
من هذا المنظور، يندرج التحرك الأميركي – الفرنسي في أساسه، ضمن إطار الاستدراك لاحتواء فائض النفوذ الإيراني وما أدى إليه من خلل في العراق ولبنان على شكل فساد سياسي واضمحلال للسيادة وقرارها وبما استوجب تصحيحه وليس اقتلاعه. ومن هنا الحديث عن نسبية النجاح المحتمل في الحالتين الحكوميتين الجديدتين في لبنان والعراق. هذا إذا تيسر لهما المساحة اللازمة للتصرف الذي يبدو أن واشنطن يغلب لديها الشك على اليقين بصدده. وربما هذا ما يفسر ابتعادها عن أضواء التحرك الباهرة وتركها بالكامل للرئيس الفرنسي، الذي قد يجري تحميله المسئولية لو انتهت الهمروجة (اختلاط الأشياء وضجيجها) إلى الفشل. فواشنطن تعرف أن أوراق إيران على الأرض ما زالت حتى الآن فاعلة في العراق ولبنان، وهي ليست في وارد الذهاب إلى أبعد من سياسة رد الفعل مع طهران.