هل تنهي الدول العربية عام 2015 بعجز في موازناتها؟

07 سبتمبر 2015
+ الخط -
انخفاض قياسي في أسعار النفط، ارتفاع تكاليف الحروب، أزمة في أسواق المال... عوامل وتحديات تطرح السؤال حول قدرة الاقتصادات العربية على إنهاء عام 2015 من دون عجز حاد في موازناتها.

فهد الشريعان: العجز قائم ولكن غير ملموس
يشدد الخبير الاقتصادي الكويتي، فهد الشريعان، على ضرورة التمييز ما بين "الموازنة والميزانية التي تصرف في الدول العربية على طول السنة"، قبل الخوض في نقاش تسجيل مجموعة من الدول عجزا في موازناتها مع نهاية العام الحالي. ويوضح فهد شريعان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الموازنات العربية تفتقر إلى نوع من الشفافية من حيث التصريح بالميزانيات المرصودة لمختلف مرافق الدول العامة والاستثمارات، إذ وحسب نفس المتحدث، "نجد دائماً بنودا في قوانين موازنات الدول العربية مخفية، ما يجعل الموازنات كما تعرض بداية العام وعند القيام بتقييم الحصيلة بعيدة جداً عن الواقع".

وبعيداً عن نقاش الشفافية في موازنات الدول العربية من عدمها، يرى المحلل الاقتصادي الكويتي، أن جميع المؤشرات الاقتصادية ومناخ الاستثمار العالمي المتسم أخيراً بحالة الركود في أنشطة الاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى عامل تدني أسعار النفط إلى مستويات قياسية، كل هذه المعطيات، حسب الشريعان، تفرز خلاصة واحدة مفادها "أن الدول العربية سوف تعرف عجزاً مالياً ملحوظاً برسم السنة الحالية".
ويورد فهد الشريعان في حديثه، الإجراءات التي بدأت باتخاذها مجموعة من الدول، ومن بينها الكويت، التي يدور فيها توجه قوي نحو اللجوء إلى صندوق الأجيال، من أجل سداد مجموعة من العجوزات المالية في العديد من القطاعات الاستثمارات العامة. ونفس الشيء، يضيف الشريعان، تعرفه مجموعة من الدول العربية، خاصة الخليجية منها، حالة من العجز، إذ تلجأ منذ مدة إلى صناديقها السيادية من أجل ضمان سيولة مالية تغطي فارق الموارد التي كانت تجنيها من مداخيل بيع النفط. ويؤكد المحلل الاقتصادي الكويتي، أن الدول الخليجية وغيرها مثل الجزائر، التي تعتمد بشكل كبير على النفط والقطاعات الإنتاجية المرتبطة به بشكل مباشر وغير مباشر، سوف تسجل هذه السنة مستويات مرتفعة بشكل ملحوظ في عجزها المالي. وبخصوص تأثيرات الأزمة الاقتصادية التي عرفتها الصين أخيراً، يرى الشريعان أن هذه الأخيرة، بالتأكيد سوف تؤثر على الدول العربية، خاصة على مستوى أسواق المال، وذلك نتيجة ترابط الأسواق المالية، وفق ما أظهرته البورصات العربية من أداء متدن، بسبب إعلان حالة الركود في الاقتصاد الصيني. إلى ذلك، طرحت "العربي الجديد" على المحلل الاقتصادي الكويتي بروز توجه في مجموعة من الدول الخليجية يدعو إلى اللجوء إلى فرض مجموعة من الضرائب، واعتمادها كمورد مالي إضافي أمام استمرار تقهقر أسعار النفط. ويرد الشريعان على هذا الطرح أولا بتأييده، لكن يعتبره في الوقت ذاته مجرد "فقاعة إعلامية، وتلويحا بضرورة اتخاذ مرافق الدول العامة والمواطنين كذلك إجراءات ترشيد النفقات، بعيدا عن إقرار سياسات تقشفية".
ويشدد المتحدث ذاته، على أن فرض مجموعة من الضرائب فعلياً في الخليج طرح مستبعد خلال هذه المرحلة، ويقدم المثال بالكويت التي لا تستطيع فيها الدولة حتى جمع مستحقات خدمة توفير الكهرباء من المواطنين، فكيف يمكن فرض ضرائب لم يعتد المواطن الكويتي على تأديتها، على حد قول الشريعان. أما فيما يخص باقي الدول العربية، فيشير شريعان إلى أن الأزمات السياسية وحالة الصراع المسلح التي تعيشها مجموعة من الدول العربية، تؤكد بالملموس استمرار حالة العجز في كل مناحي الحياة الاقتصادية، باستثناء دول شمال أفريقيا غير النفطية، والتي استفادت طيلة هذه السنة من رخص سعر النفط في الأسواق العالمية، مما مكنها من توفير سيولة مالية مهمة جداً، إن وجهت نحو الاستثمارات، يضيف الشريعان، بالتأكيد سوف تنعكس بشكل إيجابي على نسبة النمو الاقتصادي فيها، وبالتالي سوف تقلص من نسب عجزها المالي السنوي.


محمد بوجنال: العجز قائم ومستمر
من جهته، يرى المفكر والكاتب في الاقتصاد السياسي محمد بوجنال، أن الدول العربية تعيش حالة أزمة اقتصادية يصفها بـ"المستمرة"، وتتفاوت درجة بروزها حسب متغيّرات الاقتصاد العالمي، والنتائج التي يسجلها أداء الأسواق المالية العالمية، كذا حركية الاقتصاد العالمي في شقه الإنتاجي والتجاري.

ويؤكد محمد بوجنال، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن الدول العربية وحتى الخليجية منها، سوف تسجل هذه السنة نسبة عجز مهمة في موازناتها برسم السنة الجارية، وإنْ بشكل غير معلن، نظراً للمناخ الاقتصادي والمالي الذي طبع هذه السنة، والأزمات التي عرفتها مجموعة من البورصات العالمية، خاصة الأزمة الأخيرة التي سجلتها أسواق المال بسبب تسجيل تباطؤ في نمو الاقتصاد الصيني. ويوضح المتحدث ذاته أن أسواق المال اليوم أصبحت الفاعل الأول في التحكّم بالاقتصادات، سواء من طرف أقطاب الاقتصاد العالمي، أو من طرف المؤسسات المالية الدولية، ولذلك، ومنذ سنة 2008 التي عرفت بروز الأزمة المالية العالمية، تسجل جميع الدول عجزاً مستمراً في ميزانياتها السنوية، وبدرجة كبيرة الدول العربية التي تفتقر لنمط اقتصادي إنتاجي، فما يحصل من مراجعات وإصلاحات كما توصف، يضيف المتحدث ذاته، ما هو إلا "تغطية للأزمة دون معالجة اختلالاتها البنيوية".
ويورد المفكر والكاتب محمد بوجنال في حديثه لـ"العربي الجديد"، أزمة أسعار النفط العالمية، حيث يؤكد على أن الأزمة في الدول العربية النفطية وتأثيرها على موازناتها لم تصل إلى تسجيل آثارها الملموسة، لكن في المقابل جل المعطيات الاقتصادية والمتغيّرات السياسية في الملف الإيراني النووي، تُنبئ بدخول الدول العربية النفطية في مرحلة مواجهة مباشرة مع فاعل جديد في سوق النفط العالمية، والمتمثل في النفط الإيراني، الذي سوف تفتح له الأسواق لا محالة مع نهاية العام الحالي، وعليه سوف تنهي الدول العربية النفطية السنة على وقع عجز مالي مهم، بسبب فقدانها لجزء من مواردها المالية التي كانت تضمنها من نفوذها النفطي. وبالنسبة للدول العربية غير النفطية، وحجم تأثير انخفاض أسعار النفط على إنعاش ميزانياتها السنوية، يقلّل محمد بوجنال من أهمية هذا الطرح، ويفسر ذلك بمعاناة اقتصادات هذه الدول من الضعف في الإنتاجية الفلاحية والصناعية كذا المجال السياحي الذي تعتمد عليه كمورد للعملة الصعبة، بالإضافة إلى عدم توجيهها لفارق السعر الذي تكسبه من انخفاض أسعار النفط نحو مشاريع استثمارية منتجة، ولا يمكن مع هذه المعطيات الحديث عن نمو اقتصادي ينعش ميزانياتها السنوية.


اقرأ أيضاً: هل تقفل الأسواق المالية عام 2015 على وقع الانخفاضات؟
المساهمون