08 نوفمبر 2024
هل ساندرز 2020 هو ماكغفرن 1972؟
يعيش الحزب الديمقراطي حالة فزع حقيقية، شبيهة بالتي مرَّ فيها الحزب الجمهوري عام 2016، عندما بدا أن الرئيس الحالي، المتنافس حينها، دونالد ترامب، قد يكون مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية. حينها، بدأت المؤسسة التقليدية في الحزب، (Establishment)، والمتنافسون الآخرون المحسوبون عليها، بإطلاق صرخات التحذير من أن الحزب سينتهي إلى هزيمة ساحقة أمام الديمقراطيين، ليس فقط في الانتخابات الرئاسية، بل وفي الانتخابات التشريعية، لمجلسي النواب والشيوخ. كان ترامب مرشّحاً غير عادي قادما من خارج الأطر الرسمية للجمهوريين، وكان خطابه متسماً بشعبوية سطحية وسفيهة، مجبولة بعنصرية بغيضة وبذاءة غير مسبوقة في التاريخ السياسي الأميركي الحديث. وعندما اتضح أن ترامب سيفوز بأعلى نسبة من المندوبين الانتخابيين، (Delegates)، بدأ أقطاب في المؤسسة التقليدية يتحدثون صراحة إنهم سيتحدّونه في المؤتمر الوطني للحزب، وسيطرحون مرشحاً بديلاً عنه. بقية القصة معروفة، فقد اختار الجمهوريون الوحدة وراء الرجل، مع يقين لديهم أن لا فرص حقيقية لديه للفوز، ذلك أنه ذو شخصية منفّرة وتثير انقساماً حادّاً، وانتهى الحال به، كما نعلم، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
تتكرّر القصة اليوم، ديمقراطياً، مع تصدّر السناتور اليساري التقدمي، بيرني ساندرز، المنافسات على الظفر ببطاقة الترشح عن الحزب، منافساً لترامب، في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/
تشرين الثاني المقبل. ومما يفيد ساندرز في هذا السياق تشتت معسكر تيار الوسط في الحزب بين مرشحين كثيرين، كنائب الرئيس السابق، جو بايدن، وعمدة نيويورك السابق، مايكل بلومبيرغ، والسناتور عن ولاية مينيسوتا، إيمي كلوبوشا، وعمدة ساوث بند السابق، بِيت بوتيدجيج.
مشكلات المؤسسة التقليدية في الحزب الديمقراطي مع ساندرز كثيرة، منها أنه "عضو مَوْسِمِيٌّ" فيه، فساندرز عضو مستقل في مجلس الشيوخ، وإنْ كان يصوّت إلى جانب الديمقراطيين منذ عام 2007. وهو لم ينضم للحزب رسمياً، إلا عام 2015، عندما نافس في انتخاباته التمهيدية ليكون مرشحه لانتخابات الرئاسة عام 2016، وشكّل حينها صداعاً حقيقياً لمرشحة الحزب المفضلة، هيلاري كلينتون، وانتهى الأمر بإقصائه بتواطؤ من مؤسسة الحزب، وهو ما ساهم في خسارة كلينتون لاحقاً بعد أن كشفت ويكيليكس (تقول المؤسسات الاستخباراتية الأميركية إن ذلك تمَّ بدعم روسي، وللمفارقة، تقول المؤسسات نفسها اليوم إن روسيا تعد العدة للتدخل لصالح ساندرز، إذ ترى فيه مرشحاً ديمقراطياً ضعيفاً لضمان ولاية ثانية لترامب) حقيقة ما جرى عبر قرصنة حواسيب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. بعد الانتخابات الرئاسية، حينها، انسحب ساندرز من الحزب، ولم يعد له إلا عام 2019 للتنافس مجدّداً على موقع مرشحه للرئاسة.
واليوم، يصر رموز من الديمقراطيين أن ساندرز الذي لا يتردّد في وصف نفسه "ديمقراطياً اشتراكياً" سيكون كارثة محققة على الحزب في الانتخابات الرئاسية، كما سيتسبب بخسارته لمجلس النواب، وإجهاض طموحاته، لاستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ. وَيُحَذِرُ بعض قادة المؤسسة الديمقراطية التقليدية من أن ترامب سيلعب على وتر تشويه ساندرز وتقديمه للرأي العام الأميركي "شيوعيا". وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وزوال الخطر الشيوعي الذي كانت تروجه واشنطن، إلا أن المصطلح (الشيوعية) ما زال يثير اشمئزازاً واسعاً في الولايات المتحدة. وعلى غرار ما جرى مع ترامب، جمهورياً، عام 2016، لا يُخفي بعض أقطاب الديمقراطيين أنهم سيسعون إلى إفشال إمكانية ترشّح ساندرز عن حزبهم للرئاسة في مؤتمر الحزب الوطني المقبل في مدينة ميلووكي. وتقوم خطة هؤلاء على أنه حتى وإن حصل ساندرز على عدد أعلى من المندوبين الانتخابيين مقارنة بمنافسيه، فإن غالبية "المندوبين الكبار" (Super Delegates) الخمسمائة، وهم قادة الحزب ومسؤولوه وممثلوه في الكونغرس (المؤسسة التقليدية)، سيعطون أصواتهم، في المرحلة الثانية من التصويت، في مؤتمر الحزب، إن لم يحصل ساندرز على نسبة (50+1)، لصالح مرشح آخر. وقد حذر ساندرز من ذلك صراحةً على أساس أن المرشّح الذي يربح أعلى نسبة من المندوبين العاديين هو من ينبغي أن يكون مرشح الحزب، أو أن ذلك سيعد انقلاباً على إرادة قواعد الحزب.
وكي يعضد رافضو وجود ساندرز على رأس البطاقة الديمقراطية حجتهم ضده، فإننا نجدهم
يستدعون تجربة السناتور، جورج ماكغفرن، والذي فاز بترشيح الحزب عام 1972 لينافس الرئيس الجمهوري، ريتشارد نيكسون، المرشح لولاية ثانية حينها. كان ماكغفرن، مثل ساندرز، يسارياً تقدمياً وكان يدافع عن ذات السياسات التي يطالب بها هذا الأخير اليوم، إلا أنه انتهى إلى هزيمةٍ ساحقة أمام نيكسون، إذ لم يفز إلا بولاية واحدة من أصل 50 ولاية أميركية، في حين فاز نيكسون بالبقية، وبـ96% من أصوات المجمع الانتخابي (Electoral College). ويقول من يعقدون هذه المقارنة إن ماكغفرن حينها، كساندرز اليوم، استطاع أن يبني قاعدة شعبية متنوعة عرقياً، وجمع ميزانية كبيرة من التبرّعات الصغيرة، إلا أن ذلك لم يشفع له. ويؤكد هؤلاء أن أي حزبٍ لا يمكن له أن يكسب الانتخابات الرئاسية، إلا إذا استطاع مرشّحه أن يوسع قاعدته الانتخابية، بمن في ذلك ترامب نفسه الذي رأى فيه أغلب الناخبين مرشّحاً "معتدلاً" عام 2016. وحسب منطق أصحاب هذا الرأي، فإنه حتى وإن كان ترامب رجلاً لا أخلاقي كنيكسون، وحتى إن كان عمله لا يحظى بالتأييد الشعبي الذي كان يحظى به نيكسون المترشح لولاية ثانية حينها، إلا أن الاقتصاد القوي سيلعب لصالح ترامب هذه المرة، كما لعب لصالح نيكسون عام 1972.
ثمّة آخرون لا يتفقون مع هذه المقارنة، ويصرّون على أن عام 2020 ليس كعام 1972. وحسب منطق هذا الفريق، فإن ترامب نفسه كسر "الحكمة السائدة" عام 2016، حين عادتْه مؤسسة الحزب الجمهورية، ورأت فيه مرشحاً شعبوياً كارثياً سيجرها إلى هزيمة ساحقة، إلا أن النتيجة كانت عكس ذلك. ويرى هذا الفريق أن ساندرز قد يحقق عام 2020 ما حققه ترامب عام 2016، ويقارنون بين حجم تجمعاتهما الانتخابية التي تجتذب الآلاف وعشرات الآلاف. ويضيف أنصار هذا الرأي أن استطلاعات الرأي عام 1972 لم تكن يوماً لصالح ماكغفرن،
على عكس بعض استطلاعات الرأي اليوم التي تعطي أفضلية لساندرز مقابل ترامب. وبناء على ذلك، يستنتج أصحاب هذه المقاربة أن رافعة ساندرز، التقدّمية الشبابية بالدرجة الأولى، في الحزب الديمقراطي، تمثل المعادل الموضوعي لصعود تيار "حزب الشاي" اليميني في الحزب الجمهوري عام 2010، والذي مهّد لبروز ترامب لاحقاً. كما يشير هؤلاء إلى أن حملة ماكغفرن الانتخابية كانت كارثيةً، إذ واجه معارضةً عنيفةً من مؤسسة الحزب التقليدية وقياداته، ولم يتمكّن بسهولة من إيجاد نائبٍ يترشح إلى جانبه، كما أنه لم يكن يحظى بشعبية داخل حزبه. بل إن ماكغفرن لم يكن المرشح المفترض لحزبه، لولا حملة التشويه المتعمدة التي قامت بها حملة نيكسون ضد المرشح الديمقراطي الأكثر حظاً حينها، السناتور، إدموند موسكي، وهي أحد الأسباب التي ساهمت في دفع نيكسون إلى الاستقالة عام 1974.
باختصار، يعيش الحزب الديمقراطي أزمة حقيقية اليوم، وهو مرشّح لخسارة الانتخابات الرئاسية المقبلة أمام ترامب، كما تفيد أغلب التوقعات، على الرغم من أن بعض الاستطلاعات تعطي أملاً بهزيمته. هزيمة الديمقراطيين إن وقعت، قد تكون عائدة في جزء كبير منها إلى انقسام الحزب حول مرشّحه، أياً كان، كما جرى عامي 1972 و2016. في 1972، كان المرشّح تقدمياً (ماكغفرن)، فانقسم الحزب من حوله. وفي 2016، تواطأت مؤسسة الحزب التقليدية على تَصْديرِ مرشحتها (كلينتون)، فنفرت القاعدة الشبابية والتيار التقدمي الصاعد في الحزب، فأسهم ذلك في خسارةٍ فاضحة، ما كان ينبغي أن تقع. فأي طريق سيختار الديمقراطيون اليوم؟ وهل سيهدون ترامب والجمهوريين الرئاسة والكونغرس، بل وحتى المحكمة العليا، على طبق من ذهب؟ وحدها الأيام ستجيب عن هذه الأسئلة.
مشكلات المؤسسة التقليدية في الحزب الديمقراطي مع ساندرز كثيرة، منها أنه "عضو مَوْسِمِيٌّ" فيه، فساندرز عضو مستقل في مجلس الشيوخ، وإنْ كان يصوّت إلى جانب الديمقراطيين منذ عام 2007. وهو لم ينضم للحزب رسمياً، إلا عام 2015، عندما نافس في انتخاباته التمهيدية ليكون مرشحه لانتخابات الرئاسة عام 2016، وشكّل حينها صداعاً حقيقياً لمرشحة الحزب المفضلة، هيلاري كلينتون، وانتهى الأمر بإقصائه بتواطؤ من مؤسسة الحزب، وهو ما ساهم في خسارة كلينتون لاحقاً بعد أن كشفت ويكيليكس (تقول المؤسسات الاستخباراتية الأميركية إن ذلك تمَّ بدعم روسي، وللمفارقة، تقول المؤسسات نفسها اليوم إن روسيا تعد العدة للتدخل لصالح ساندرز، إذ ترى فيه مرشحاً ديمقراطياً ضعيفاً لضمان ولاية ثانية لترامب) حقيقة ما جرى عبر قرصنة حواسيب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. بعد الانتخابات الرئاسية، حينها، انسحب ساندرز من الحزب، ولم يعد له إلا عام 2019 للتنافس مجدّداً على موقع مرشحه للرئاسة.
واليوم، يصر رموز من الديمقراطيين أن ساندرز الذي لا يتردّد في وصف نفسه "ديمقراطياً اشتراكياً" سيكون كارثة محققة على الحزب في الانتخابات الرئاسية، كما سيتسبب بخسارته لمجلس النواب، وإجهاض طموحاته، لاستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ. وَيُحَذِرُ بعض قادة المؤسسة الديمقراطية التقليدية من أن ترامب سيلعب على وتر تشويه ساندرز وتقديمه للرأي العام الأميركي "شيوعيا". وعلى الرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، وزوال الخطر الشيوعي الذي كانت تروجه واشنطن، إلا أن المصطلح (الشيوعية) ما زال يثير اشمئزازاً واسعاً في الولايات المتحدة. وعلى غرار ما جرى مع ترامب، جمهورياً، عام 2016، لا يُخفي بعض أقطاب الديمقراطيين أنهم سيسعون إلى إفشال إمكانية ترشّح ساندرز عن حزبهم للرئاسة في مؤتمر الحزب الوطني المقبل في مدينة ميلووكي. وتقوم خطة هؤلاء على أنه حتى وإن حصل ساندرز على عدد أعلى من المندوبين الانتخابيين مقارنة بمنافسيه، فإن غالبية "المندوبين الكبار" (Super Delegates) الخمسمائة، وهم قادة الحزب ومسؤولوه وممثلوه في الكونغرس (المؤسسة التقليدية)، سيعطون أصواتهم، في المرحلة الثانية من التصويت، في مؤتمر الحزب، إن لم يحصل ساندرز على نسبة (50+1)، لصالح مرشح آخر. وقد حذر ساندرز من ذلك صراحةً على أساس أن المرشّح الذي يربح أعلى نسبة من المندوبين العاديين هو من ينبغي أن يكون مرشح الحزب، أو أن ذلك سيعد انقلاباً على إرادة قواعد الحزب.
وكي يعضد رافضو وجود ساندرز على رأس البطاقة الديمقراطية حجتهم ضده، فإننا نجدهم
ثمّة آخرون لا يتفقون مع هذه المقارنة، ويصرّون على أن عام 2020 ليس كعام 1972. وحسب منطق هذا الفريق، فإن ترامب نفسه كسر "الحكمة السائدة" عام 2016، حين عادتْه مؤسسة الحزب الجمهورية، ورأت فيه مرشحاً شعبوياً كارثياً سيجرها إلى هزيمة ساحقة، إلا أن النتيجة كانت عكس ذلك. ويرى هذا الفريق أن ساندرز قد يحقق عام 2020 ما حققه ترامب عام 2016، ويقارنون بين حجم تجمعاتهما الانتخابية التي تجتذب الآلاف وعشرات الآلاف. ويضيف أنصار هذا الرأي أن استطلاعات الرأي عام 1972 لم تكن يوماً لصالح ماكغفرن،
باختصار، يعيش الحزب الديمقراطي أزمة حقيقية اليوم، وهو مرشّح لخسارة الانتخابات الرئاسية المقبلة أمام ترامب، كما تفيد أغلب التوقعات، على الرغم من أن بعض الاستطلاعات تعطي أملاً بهزيمته. هزيمة الديمقراطيين إن وقعت، قد تكون عائدة في جزء كبير منها إلى انقسام الحزب حول مرشّحه، أياً كان، كما جرى عامي 1972 و2016. في 1972، كان المرشّح تقدمياً (ماكغفرن)، فانقسم الحزب من حوله. وفي 2016، تواطأت مؤسسة الحزب التقليدية على تَصْديرِ مرشحتها (كلينتون)، فنفرت القاعدة الشبابية والتيار التقدمي الصاعد في الحزب، فأسهم ذلك في خسارةٍ فاضحة، ما كان ينبغي أن تقع. فأي طريق سيختار الديمقراطيون اليوم؟ وهل سيهدون ترامب والجمهوريين الرئاسة والكونغرس، بل وحتى المحكمة العليا، على طبق من ذهب؟ وحدها الأيام ستجيب عن هذه الأسئلة.