بعدما انهارت الدراما السورية في الأعوام الأخيرة، وتفاقمت أزمتها الإنتاجية، وباتت شركات الإنتاج السورية عاجزة عن التسويق لأعمالها الدرامية، كما حصل في رمضان الماضي؛ انشغل العاملون والمختصون في الفنون الدرامية بتحليل أسباب هذه الأزمة، فأرجع البعض السبب إلى تحول الجمهور العربي نحو الدراما التركية المدبلجة باللهجة السورية، عوضاً عن الدراما السورية التي باتت مشبعة بالرسائل السياسية والوطنية، ولاسيما بعد اندلاع الثورة السورية سنة 2011.
ولكن هل كان لدبلجة المسلسلات الدرامية التركية أثر سلبي بالفعل على مسيرة الدراما السورية، وعلى العاملين في قطاع الدراما؟
تعتقد الممثلة السورية، ديانا قدح، والتي عملت في قطاع دوبلاج المسلسلات التركية ما بين عامي 2010 و2015، أن: "دوبلاج المسلسلات التركية خلق فرصة عمل للممثلين السوريين، وخصوصاً للممثلين الجدد أو لأولئك الذين لم يتمكنوا من تحقيق نجومية في قطاع الدراما السورية، فمئات الممثلين السوريين يعتاشون من عملهم بقطاع الدوبلاج، في سورية وفي لبنان. ورغم تدني أجور السوريين العاملين في الدوبلاج إذا ما قورنت بأجورهم في الدراما التلفزيونية، ولاسيما بعد تدني سعر صرف الليرة السورية، إلا أن الدوبلاج كان مصدر الرزق الأساسي لمئات الفنانين السوريين في الأعوام العشرة الأخيرة، من فنانين وتقنيين". وتحاول قدح أن تلخص سلبيات الدوبلاج على الكوادر الفنية السورية بالتالي: "مشكلة الدوبلاج تكمن بكونه عملاً يفتقد للإبداع غالباً، فعمل الممثل فيه ميكانيكي بحت، ويتلخص بمحاولة تقليد الممثل الرئيسي الذي يظهر على الشاشة، وذلك يؤدي إلى حصر إمكانيات الممثلين السوريين وتقييدها".
في حين أن فرح حوارنة، والتي تعمل في قطاع دوبلاج المسلسلات التركية كمترجمة ومعدة ومشرفة وممثلة، ترى بأن لدبلجة الأعمال الدرامية التركية آثاراً إيجابية على الدراما السورية في العديد من النواحي، فتقول: "الدراما التركية ساهمت بتطور الدراما السورية خصوصاً، والدراما العربية عموماً، فهي تطورت وتأثرت بالمنتجات التركية، أو من الممكن أن نقول بأنها كسرت حاجزاً كبيراً، لأن الكثير من الأشياء الممنوعة رقابياً في الدراما المحليّة، مسموح بها في الأعمال المدبلجة، كالإنجاب بدون زواج، وقصص الحب بحد ذاتها، باستقلاليتها عن العادات والتقاليد والمجتمع والأهل، ولاسيما أنها تصور في مجتمع مسلم، وقريب جداً منا. ولذلك فإنَّ تلقي الدراما التركية وتأثرنا بها مختلف تماماً عن تلقينا للدراما الأميركية اللاتينية، بسبب التشابه بين العرب والأتراك في العادات والتقاليد". وتضيف حوارنة: "ومن ناحية أخرى، فإن الدراما التركية المدبلجة ساهمت بشكل واضح بإدخال ثقافة الصورة إلى الجمهور العربي، فهي تعتني بالصورة تماماً كما في السينما، فارتقت ذائقة المشاهد العربي، وذلك ما جعل الدراما العربية تعتني أكثر بالصورة لتواكب تطور ذائقة الجماهير. ولم تقتصر محاولات الدراما العربية على مواكبة الدراما التركية في الأمور التقنية، بل إن عدداً كبيراً من المسلسلات العربيَّة استمدت حكاياتها من خطوط درامية في المسلسلات التركية، وصلت إلى حد التقليد، كما حدث في مسلسل "الهيبة" الذي استمد 70% من أحداثه ومشاهده وشخصياته من المسلسل التركي المدبلج "عشق وجزاء". وتؤكد حوارنة بأن انهيار الدراما السورية لا يمكن أن نبرره بأسباب خارجية، وهو متعلق بمحتواها، حيث تقول: "إن ذائقة المشاهد العربي ارتقت بالتأكيد بعد الانفتاح على ثقافات أخرى، ولا يمكن أن نرجع أسباب تدهور الدراما السورية إلى انتزاع الدراما التركية لمكانتها، بل إلى عدم قدرة الدراما السورية على مواكبة الذائقة العربية".
وكذلك ترى حوارنة بأن دبلجة الأعمال التركية لم تؤثر على سلباً على الممثلين السوريين، وأن تدني أجور العاملين في قطاع الدوبلاج لم يؤثر على مردود نجوم الدراما السورية، إذْ تقول: "عندما يشارك نجوم الدراما السورية في دبلجة الأعمال الأجنبية، فإنهم لا يعاملون بنفس الطريقة التي يعامل بها بقية المؤدين، حيث تبرم معهم صفقات أفضل".
أمَّا خالد أبو بكر، وهو ممثل ومشرف يعمل في قطاع الدوبلاج، فيرى بأن الدراما التركية تمكنت في الأعوام الأخيرة من احتلال مكانة كبيرة لدى الجمهور العربي، ويحاول أن يفسر السبب في ذلك، حيث يقول: "بالتأكيد الدراما التركية سحبت البساط من الدراما السورية، ولكن ذلك يعود إلى أسباب فنية حتماً، فنحن دائماً ما نتهرب من الإجابة عن التساؤل حول سر جذب الدراما التركية في العقد الأخير للجمهور العربي، كما فعلت الدراما المكسيكية في التسعينيات، وكما ستفعل الدراما البرازيلية في المستقبل القريب، والتي بدأنا بالعمل على دبلجتها. والحقيقة تكمن في كون الدراما السورية غير متجددة، لا على مستوى النص ولا على مستوى الإخراج ولا على مستوى التمثيل. ففي الدراما التي نصنعها، نجد نجوماً تجاوزوا عمر الستين سنة يلعبون دور الشاب العاشق، فنجوم الصف الأول في سورية، والذين لا يتجاوز عددهم العشرة، احتكروا الشاشة منذ التسعينيات. ولذلك فإن الجمهور عموماً ملَّ من الدراما السورية، وملَّ من تكرار نفس الوجوه ونفس الحكايات ونفس طريقة التصوير. وهم يبحثون باستمرار عن شيء جديد، وقد وجدوا هذا الجديد في الأعوام الماضية في الدراما التركية المتجددة".
اقــرأ أيضاً
ولا يرى أبو بكر أن استيراد المسلسلات التركية ودبلجتها قد أثر سلبياً على سوق الدراما السورية، حيث يقول: "الفضائيات العربية لا تعرض المسلسلات التركية المدبلجة في شهر رمضان، في حين أن الدراما السورية عادةً ما تنتج مسلسلاتها لتخوض السباق الرمضاني، ولذلك فمن الصعب أن نتحدث عن مزاحمة الدراما التركية للدراما السورية، إذْ لكل منهما سوق مختلفة تماماً".
ولكن هل كان لدبلجة المسلسلات الدرامية التركية أثر سلبي بالفعل على مسيرة الدراما السورية، وعلى العاملين في قطاع الدراما؟
تعتقد الممثلة السورية، ديانا قدح، والتي عملت في قطاع دوبلاج المسلسلات التركية ما بين عامي 2010 و2015، أن: "دوبلاج المسلسلات التركية خلق فرصة عمل للممثلين السوريين، وخصوصاً للممثلين الجدد أو لأولئك الذين لم يتمكنوا من تحقيق نجومية في قطاع الدراما السورية، فمئات الممثلين السوريين يعتاشون من عملهم بقطاع الدوبلاج، في سورية وفي لبنان. ورغم تدني أجور السوريين العاملين في الدوبلاج إذا ما قورنت بأجورهم في الدراما التلفزيونية، ولاسيما بعد تدني سعر صرف الليرة السورية، إلا أن الدوبلاج كان مصدر الرزق الأساسي لمئات الفنانين السوريين في الأعوام العشرة الأخيرة، من فنانين وتقنيين". وتحاول قدح أن تلخص سلبيات الدوبلاج على الكوادر الفنية السورية بالتالي: "مشكلة الدوبلاج تكمن بكونه عملاً يفتقد للإبداع غالباً، فعمل الممثل فيه ميكانيكي بحت، ويتلخص بمحاولة تقليد الممثل الرئيسي الذي يظهر على الشاشة، وذلك يؤدي إلى حصر إمكانيات الممثلين السوريين وتقييدها".
في حين أن فرح حوارنة، والتي تعمل في قطاع دوبلاج المسلسلات التركية كمترجمة ومعدة ومشرفة وممثلة، ترى بأن لدبلجة الأعمال الدرامية التركية آثاراً إيجابية على الدراما السورية في العديد من النواحي، فتقول: "الدراما التركية ساهمت بتطور الدراما السورية خصوصاً، والدراما العربية عموماً، فهي تطورت وتأثرت بالمنتجات التركية، أو من الممكن أن نقول بأنها كسرت حاجزاً كبيراً، لأن الكثير من الأشياء الممنوعة رقابياً في الدراما المحليّة، مسموح بها في الأعمال المدبلجة، كالإنجاب بدون زواج، وقصص الحب بحد ذاتها، باستقلاليتها عن العادات والتقاليد والمجتمع والأهل، ولاسيما أنها تصور في مجتمع مسلم، وقريب جداً منا. ولذلك فإنَّ تلقي الدراما التركية وتأثرنا بها مختلف تماماً عن تلقينا للدراما الأميركية اللاتينية، بسبب التشابه بين العرب والأتراك في العادات والتقاليد". وتضيف حوارنة: "ومن ناحية أخرى، فإن الدراما التركية المدبلجة ساهمت بشكل واضح بإدخال ثقافة الصورة إلى الجمهور العربي، فهي تعتني بالصورة تماماً كما في السينما، فارتقت ذائقة المشاهد العربي، وذلك ما جعل الدراما العربية تعتني أكثر بالصورة لتواكب تطور ذائقة الجماهير. ولم تقتصر محاولات الدراما العربية على مواكبة الدراما التركية في الأمور التقنية، بل إن عدداً كبيراً من المسلسلات العربيَّة استمدت حكاياتها من خطوط درامية في المسلسلات التركية، وصلت إلى حد التقليد، كما حدث في مسلسل "الهيبة" الذي استمد 70% من أحداثه ومشاهده وشخصياته من المسلسل التركي المدبلج "عشق وجزاء". وتؤكد حوارنة بأن انهيار الدراما السورية لا يمكن أن نبرره بأسباب خارجية، وهو متعلق بمحتواها، حيث تقول: "إن ذائقة المشاهد العربي ارتقت بالتأكيد بعد الانفتاح على ثقافات أخرى، ولا يمكن أن نرجع أسباب تدهور الدراما السورية إلى انتزاع الدراما التركية لمكانتها، بل إلى عدم قدرة الدراما السورية على مواكبة الذائقة العربية".
وكذلك ترى حوارنة بأن دبلجة الأعمال التركية لم تؤثر على سلباً على الممثلين السوريين، وأن تدني أجور العاملين في قطاع الدوبلاج لم يؤثر على مردود نجوم الدراما السورية، إذْ تقول: "عندما يشارك نجوم الدراما السورية في دبلجة الأعمال الأجنبية، فإنهم لا يعاملون بنفس الطريقة التي يعامل بها بقية المؤدين، حيث تبرم معهم صفقات أفضل".
أمَّا خالد أبو بكر، وهو ممثل ومشرف يعمل في قطاع الدوبلاج، فيرى بأن الدراما التركية تمكنت في الأعوام الأخيرة من احتلال مكانة كبيرة لدى الجمهور العربي، ويحاول أن يفسر السبب في ذلك، حيث يقول: "بالتأكيد الدراما التركية سحبت البساط من الدراما السورية، ولكن ذلك يعود إلى أسباب فنية حتماً، فنحن دائماً ما نتهرب من الإجابة عن التساؤل حول سر جذب الدراما التركية في العقد الأخير للجمهور العربي، كما فعلت الدراما المكسيكية في التسعينيات، وكما ستفعل الدراما البرازيلية في المستقبل القريب، والتي بدأنا بالعمل على دبلجتها. والحقيقة تكمن في كون الدراما السورية غير متجددة، لا على مستوى النص ولا على مستوى الإخراج ولا على مستوى التمثيل. ففي الدراما التي نصنعها، نجد نجوماً تجاوزوا عمر الستين سنة يلعبون دور الشاب العاشق، فنجوم الصف الأول في سورية، والذين لا يتجاوز عددهم العشرة، احتكروا الشاشة منذ التسعينيات. ولذلك فإن الجمهور عموماً ملَّ من الدراما السورية، وملَّ من تكرار نفس الوجوه ونفس الحكايات ونفس طريقة التصوير. وهم يبحثون باستمرار عن شيء جديد، وقد وجدوا هذا الجديد في الأعوام الماضية في الدراما التركية المتجددة".