هل فشل المؤتمر الاقتصادي في مصر؟
إذاً، إنها الحرب، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، يتكالب الأعداء علينا من أجل إفشال المؤتمر الاقتصادي. أيها الشعب العظيم، انتظروا النعيم بعد هذا المؤتمر الذي فاق اجتماعات الأمم المتحدة من حيث العدد والتكاليف التي تم إنفاقها عليه، ونتائجه ستفوق نتائج كل المؤتمرات الإقليمية والدولية. هذا ما يقوله صراحة وبكل قوة قادة الانقلاب في مصر.
ومن المدهش أن يتم اختزال الأزمة السياسية المستعصية على الحل في انعقاد مؤتمر، يقاس نجاحه ليس بتحقيق أهدافه المتمثلة في ضخ استثمارات في مشروعات مدروسة، لتستوعب جزءاً من البطالة، وترتقي بمصر لتخرج من شرنقة الفقر والغلاء، بل تمحور الهدف في عدد الحضور ومستوى التمثيل للوفود، وما دام العدد معيار النجاح فليس مستغرباً أن تدعى إليه الصومال، والسنغال، وإثيوبيا، وقبرص، ومالي وفلسطين، وهي من الدول الأشد فقراً في العالم، والتي تحتاج إلى حبة واحدة من الرز المطلوب، والرز هو الاسم الحركي للمليارات المنهوبة من "أنصاف الدول" كما يراها قائد الانقلاب.
ومع تضارب أعداد الوفود المشاركة التي بلغت 60 دولة، وفقاً للمنسق العام للمؤتمر في تصريحه لجريدة اليوم السابع، أو 89 دولة، وفقاً للمتحدث الرسمي للمؤتمر في تصريحات في قناة الحياة الفضائية، فمما لا شك فيه أنه لن يأتي بعائد يكافئ المنح والهبات التي حصل عليها الانقلابيون من بعض دول الخليج، والتي بلغت نحو أربعين مليار دولار، وفقاً للتصريحات الواردة بالتسريبات. وبالتالي، ما لم تستطع المليارات الممنوحة فعله، لن تجدي معه الاستثمارات نفعاً، مهما بلغت قيمتها، خصوصاً أن بعض المشروعات المقدمة ذات طابع ترفيهي، في بلد لا يجد فيه المواطن رغيف الخبز، أو حتى أسطوانة الغاز، مثل (مشروع زايد كريستال)، والذي يهدف لبناء أعلى برج في مصر، ولعله لمواكبة ظاهرة الانتحار المنتشرة بين الشباب، حتى تكون أكثر جاذبية من فوق أعلى الأبراج الترفيهية.
يعلم قادة الانقلاب جيداً أن الهدف من المؤتمر ليس الاستثمار، أو انتشال مصر من حالة شبه الإفلاس المقدمة عليها، والدليل عدم اقتصار الدعوة على المستثمرين، أو الدول صاحبة رؤوس الأموال، وليس دعوة دول تعاني من شدة الفقر، كما أسلفنا، كما أن دعوة كل الوزارات لعرض ما لديها، وكأنهم جزر منفصلة، وفي وضع تنافس للحصول على أموال المدعوين، من دون وجود نظرة استراتيجية لما تحتاجه البلاد، أو دور حقيقي لوزارة الاستثمار، يؤكد أن الهدف ليس الاستثمار، بقدر ما هو نوع من استجداء جديد للشرعية التي لم ينعم بها الانقلاب وقادته، وهذا ما يفسر التركيز على عدد الحضور، من دون التعويل على مستويات الدخل أو القدرات المالية لهم.
انعقاد المؤتمر في منتجع شرم الشيخ البعيد عن القاهرة، وتحول هذا المنتجع ثكنة عسكرية، كفيل بهدم ادعاء وجود استقرار جاذب للاستثمار، كما أن القوانين العديدة التي صدرت قبيل انعقاد المؤتمر بسرعة، وبإرادة منفردة من شخص واحد، وبمفهوم قوانين تحت الطلب، ستصل رسالته السلبية إلى مستثمر جاد، فالذي يستطيع أن يغير بيئة الدولة الاستثمارية بالقوانين سريعة الإصدار، ويحصّن العقود ويعطي امتيازات عديدة للمستثمرين، عبر قوانين تصدر قبل ساعات من انعقاد مؤتمر، فمن الأسهل عليه تعديل تلك القوانين، مرة أخرى في لحظات، ومن دون مقدمات، ما يهدد الاستثمارات، خصوصاً عندما تنعدم المؤسسات، وتنحصر الدولة في شخص واحد، يحرك كل السلطات بتليفونات من مدير مكتبه، ثم إن فشل العسكر في إدارة البلاد وحمل لواء محاربة الإرهاب الذي انتقل من سيناء إلى وسط القاهرة لن يكون جذاباً لرؤوس الأموال الأجنبية.
فشل المؤتمر الاقتصادي قبل انعقاده، عندما تم إنفاق أكثر من مائة مليون جنيه عليه، عدا عن تكاليف التأمين الباهظة، في الوقت الذي يدعو فيه السيسي المصريين إلى الجوع، حتى تعيش مصر العسكر، وفشل عندما تسول طعام ضيوف المؤتمر من الشركات الراعية، وعددها 24 شركة، وفشل عندما انعقد ودماء المصريين تسيل، ويقتلون في بيوتهم وأمام أبنائهم. وحتى الهدف الدعائي للمؤتمر لن يتحقق في ظل خروج مظاهرات كبيرة قد تطغى على أحداثه، وفشل عندما عجز قادة الانقلاب أن يعقدوه في وسط القاهرة، وإن كان اقتصاديون يرون أنه مؤتمر لبيع مصر، فإن كاتب هذه السطور يخالفهم الرأي، لأن مصر تم البدء في بيعها، منذ تاريخ الانقلاب، وما زال مسلسل البيع مستمراً، ولن ينتظر مؤتمراً لاستكمال الصفقة.