تجرى في بغداد الاستعدادات النهائية لمشروع "الصندوق الوطني للسينما"، الذي يُعتَبر فرصة مثالية وأخيرة لإنقاذ السينما العراقية من ركودها وأزمتها. فقد أعلن سينمائيون عراقيون عديديون عن إحالة المشروع، الذي أعدّه بعضهم، من مكتب رئاسة الوزراء إلى وزارة الثقافة، لاقتراح تشريع قانون له، ثم إحالته إلى مجلس النواب للمصادقة عليه.
اقترح سينمائيون عراقيون فكرة الصندوق عبر "المركز الوطني المستقلّ للسينما"، الذي يرأسه محمد الدراجي، ويضمّ عددًا من السينمائيين الشباب. وبحسب يحيى العلاق، أحد المساهمين في إطلاق فكرة المشروع والعضو الناشط في المركز نفسه، فإنّ هذه الفكرة بدأت عام 2010، وتحديدًا بعد إنتاج فيلمين روائيين طويلين هما "كرنتينا" لعُدي رشيد و"تحت أرض بابل" لمحمد الدراجي: "(حينها) اقترحنا إنشاء مؤسّسة تأخذ على عاتقها تمويل الأفلام والتظاهرات السينمائية"، على غرار "الهيئة الملكية الأردنية للأفلام" المدعومة من الدولة، وعلمًا أن وزارة الثقافة التونسية تدعم السينمائيين المستقلين، و"المركز الوطني للسينما" في فرنسا يدعم سينمائيين عديدين في الدول النامية.
يضيف العلاق: "استفادت فكرة الصندوق كثيرًا من تجارب هذه الدول والمؤسّسات. هيّأنا المشروع بنسخته الأولى، وأخذنا في الاعتبار ضرورة أن يلائم أوضاع العراق. عام 2010، قدمّناه إلى وزارة الثقافة باعتبارها الواجهة الرسمية للنشاط الثقافي، والسينما جزءٌ منه. لكن الوزارة لم تتحمّس للفكرة أو المشروع. هذا لم يمنع مركزنا من الاستمرار في عمله، الذي أفضى إلى إنتاج فيلمي رشيد والدراجي".
عام 2014، طُرح المشروع مُجدّدًا "بنسخة مُطوّرة عن المشروع السابق"، بعد الاستعانة بمستشارين وقانونيين، "لأن المشروع ضخم، ويلبّي حاجة قطاع كبير من السينمائيين العراقيين". يُضيف العلاق: "هذه المرّة، اصطدمت الفكرة بعدوان "داعش" على العراق، وانشغال مؤسّسات الدولة كلّها بالحرب على الإرهاب". لكن السينمائيين متفائلون بتطبيقه قريبًا: "إنه حاليًا بحكم المنتهي. ننتظر موافقة رئاسة الوزراء عليه وإحالته إلى "وزارة الثقافة" لدراسة جدواه ووضع ملاحظاتها عليه". يضيف: "في إعداد مسودة المشروع انتبهنا إلى أنّ "وزارة الثقافة" و"دائرة السينما والمسرح" تستفيدان منه في إنتاج فيلم لها أو إقامة نشاط خاص بالسينما، فيكون من حقّها الحصول على منحة من الصندوق كباقي المؤسّسات والأفراد المتعاملين معه".
عن فكرة الصندوق وآلية عمله والجهة المشرفة التي تمتلك صلاحيات التصرف بميزانيته، يقول يحيى العلاق: "يأخذ الصندوق تمويلاً من ميزانية الدولة بقيمة 20 مليون دولار أميركي، ثم يبدأ دراسة طلبات الحصول على منح لإنتاج فيلم أو إقامة تظاهرة سينمائية؛ شرط أن يكون الأفراد معروفين بنشاطهم السينمائي، تمامًا كما المؤسّسات العاملة في مجال السينما. في هذه الحالة، تُشكَّل لجنة مختصة لقراءة الطلبات ودراستها، ثم الموافقة عليها إنْ تُلبّي شروط العمل السينمائي، والشروط الأخرى للصندوق، التي سيُعلن عنها قريبًا".
وبخصوص الإشراف والصلاحيات المخوّلة، يقول العلاق إن الصندوق "هيئة مستقلّة عليها واجبات الهيئات المستقلة في هيكلة الدولة العراقية، ولها حقوق. سيكون هناك مستشارون وقانونيون معتمدون، بالإضافة إلى إدارة مالية. كما سيُستعان بخبرات عربية ودولية مختصّة بعمل الصندوق. في هذه الحالة، سيكون المنتجون والمخرجون ومنظّمو التظاهرات السينمائية في مقدمة من سيتم اختيارهم للحصول على هذه المنحة".
أخيرًا، فإنّ "الاستعدادات اللازمة للبدء بعمل الصندوق جاهزة. سيُدعى 50 مخرجًا شابًا واختصاصيًا في السينما للمشاركة في مؤتمر موسّع يُقام قريبًا، تُناقش فيه آليات عمل الصندوق وأهميته، مع أولوية دعم شباب السينما العراقية بشكل خاص، باعتبارهم أصحاب المصلحة الأساسية فيه، من دون التنصّل من دعم الروّاد والاستفادة من خبراتهم".