فجأة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في بغداد، وفجأة يتكشّف أنه المعني الأول بالملف الصيني، والذي أشرف على ترتيب زيارة الرئيس شي جين بينغ، التي تبدأ بعد غد الخميس، ولمدة يومين من الاجتماعات مع الرئيس ترامب في المنتجع الذي يملكه في ولاية فلوريدا.
وقبلها تبيّن أن كوشنر هو المشرف على العلاقات مع كندا، كما على تسوية العلاقات مع المكسيك، وكان في السابق قد سلّمه الرئيس ترامب الملف الفلسطيني– الإسرائيلي.
هذه التكليفات أثارت دهشة المراقبين، كون المعني بها لا يملك التجربة ولا الخبرة ولا الخلفية اللازمة للنهوض بمتطلباتها، إذ إن مهمات من هذا الوزن والحجم والأهمية نادراً ما تسلمها مسؤول في البيت الأبيض، ما عدا قلة لامعة في هذا المجال، مثل هنري كيسنجر أيام الرئيسين نيكسون ثم فورد، وزبغنيو بريجنسكي في عهد الرئيس كارتر.
وكلا الرجلين جاء من التعليم بمادة التاريخ والعلوم السياسية في جامعتي هارفارد وكولومبيا الشهيرتين. الأول صار بعد هذا الدور وزيراً للخارجية. فهل يطمح الرئيس ترامب في رفع صهره إلى هذا المقام؟ وهل تستقيم مثل هذه المحاولة إذا كانت فعلاً جدّية؟
ويعتبر كوشنر أكثر من يحظى بثقة الرئيس ترامب من بين المسؤولين في البيت الأبيض، إذ إنه الأقرب، ويقال إنه صاحب فطنة وعقل هادئ.
كما أن كبير مستشاري ترامب كشف عن اهتمام وطاقة لافتة للتعامل مع القضايا الخارجية، لكن هذه المؤهلات غير كافية لزجّه، وبهذه السرعة، في تعقيدات الشؤون الدولية ودهاليزها، والتي تتطلب القدر الكافي من التمرّس والحنكة المكتسبة بالممارسة وبالمعرفة الواسعة للتاريخ ودروسه.
وقد أثار عدم توفر هذه المواصفات في شخص كوشنر، على الأقل بحكم صغر سنّه (36 سنة) الارتياب، خاصة وأن بين فريق الرئيس لشؤون الأمن القومي من يتفوق في القدرات الخارجية على كوشنر، الذي تنحصر خبراته في المجال العقاري والمالي والإداري، الأمر الذي أطلق العنان للتفسيرات التي تراوحت بين الاعتقاد بأن الرئيس ترامب "يؤسس لسلالة حاكمة"، وبين التخمين بأن تلميع كوشنر بهذه الطريقة ليس غير واحد من تعبيرات الفوضى السائدة في مسيرة الإدارة، بفرعيها الداخلي والخارجي، والتي لا تبدو خواتمها قريبة.
لكن هناك سيناريو غير مستبعد، وإن كان بعيد المنال. فإبراز كوشنر في الحقل الخارجي يترافق مع تزايد ضمور صورة ودور الوزير ريكس تيلرسون أكثر مما هو مهمش منذ البداية، إذ إنه من الأساس غير مهيّأ لهذا الموقع، وربما جرى اختياره لأنه كذلك، ثم حصل تقليص حضوره عن عمد كرئيس للدبلوماسية الخارجية.
ابنة الرئيس إيفانكا وزوجها كوشنر حضرا وشاركا في لقاءات مع قيادات أجنبية أكثر من الوزير تيلرسون، المفترض أن يكون إلى جانب الرئيس ترامب في مثل هذه المناسبات، بل جرى ترك معظم المناصب الرئيسية في وزارته شاغرة حتى الآن، إذ مازال الوزير تيلرسون يتحرك من غير فريق مساعد لتسيير عمل وزارة يعمل فيها 75 ألف موظف إداري ودبلوماسي.
وحتى اللقاء الصحافي اليومي التي دأبت الوزارة على عقده يومياً منذ عقود، توقف العمل به، ولأول مرة، حتى إشعار آخر.
وليس سراً في واشنطن أن الوزير في واد، وباقي طواقم الوزارة في واد آخر، وكأن في الأمر عملية تفشيل للوزير الذي يساهم قبوله بها في تسريع وترسيخ مسارها. وبذلك صار المشهد يبدو وكأن صعود كوشنر يجري على إيقاع تراجع حضور تيلرسون يوماً بعد يوم.
فهل يواصل هذا التطور العكسي مساره لينتهي، أم على أمل أن ينتهي بحلول الصهر محل الوزير، الذي كان يشغل رئاسة واحدة من أكبر شركات النفط في العالم؟