هل يعجّل انهيار مسار التهدئة بالمواجهة بين "حماس" وإسرائيل؟

09 سبتمبر 2018
أمهلت حماس شهرين لتغيير الوضع الاقتصادي في غزة (Getty)
+ الخط -

تدلّ جميع المؤشرات على أن حركة "حماس" تعرضت، على مدى الأشهر الستة الماضية، لحملة تضليل مُحكمة من قبل كل من إسرائيل ونظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبإسناد من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فقد تبيّن أن كل الجهود التي بُذلت من أجل إنجاز مسار تهدئة بين المقاومة وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، كانت في الواقع محاولة إسرائيلية - مصرية لكسب الوقت، وإغراء الفلسطينيين في القطاع بوقف نشاط حراك مسيرات العودة، وتحديداً الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، التي تعد الأكثر تأثيراً على العمق الإسرائيلي.

وقد بات واضحاً أن إسرائيل كانت معنية بإطالة اتصالات التهدئة، بحيث تتمكن من تجاوز فصل الصيف، على اعتبار أن قدرة الفلسطينيين على المحافظة على زخم "مسيرات العودة" بعد انقضاء هذا الفصل قليلة، حيث لا تساعد اتجاهات الريح على توجيه البالونات الحارقة إلى العمق الإسرائيلي، علاوة على أنه سيكون من الصعب على الجماهير، في ظلّ الأمطار والرياح والبرد، أن تعسكر في مخيمات العودة، المقامة على طول الحدود، على أرض ترابية مكشوفة.

وقد حرصت كل من إسرائيل ونظام السيسي على توظيف المعارضة الشديدة التي أبداها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لمسار التهدئة، في إطالة أمد الاتصالات الهادفة للتوصل إلى هذا المسار، والتغطية على موقفيهما الحقيقي الرافض للتهدئة.

فبالرغم من أن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب معنية بتجنّب مسار يفضي إلى مواجهة مع المقاومة في غزة، إلا أنها في المقابل غير مستعدة لدفع ثمن سياسي يظهرها أمام الرأي العام الإسرائيلي على أنها "خاضعة للإرهاب"، بحسب توصيفاتها. في حين أن نظام السيسي، وعلى الرغم من خلافه مع قيادة السلطة الفلسطينية، غير معنيّ بأن يفضي مسار التهدئة إلى تعزيز مكانة حكم حركة "حماس" في قطاع غزة، على اعتبار أنه يتعامل مع الحركة كجزء لا يتجزأ من جماعة "الإخوان المسلمين"، التي يناصبها العداء.


ومن أجل إطالة أمد الاتصالات الهادفة للتوصل إلى مسار التهدئة، فقد عمد نظام السيسي إلى إحياء الجهود الهادفة إلى تطبيق اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" رغم إدراكه استحالة إحداث اختراق في هذا الملف، بزعم أن إنجاز المصالحة سيسهل مهمة إنجاز التهدئة، مع أن نظام السيسي يعي أن "حماس" تقبل بإحياء تفاهمات التهدئة التي تم التوصل إليها في أعقاب حرب 2014، والتي قاد الجانب الفلسطيني في التفاوض عليها في حينه عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عزام الأحمد.

ومن أجل استدراج "حماس" إلى حيث تريدان، فقد وافقت إسرائيل ومصر على السماح لجميع أعضاء المكتب السياسي للحركة بدخول القطاع، وعلى رأسهم نائب رئيس المكتب، صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية عن توجيه عمليات المقاومة في الضفة الغربية. وكان الهدف من هذه الخطوة طمأنة "حماس" بأن هناك جدية كبيرة في إنجاز التهدئة، وأنه يجدر بها تسهيل هذه المهمة من خلال ضبط حراك العودة.

وبعدما تمّ إيقاف إطلاق البالونات الحارقة، وشارف الصيف على الانتهاء، واجه نظام السيسي وإسرائيل "حماس" بموقفيهما الحقيقي من التهدئة. فوزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أعلن أنه ضد التوصل إلى التهدئة مع "حماس" من حيث المبدأ. وفجأة، خرج رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي حرص على التزام الصمت طوال تواصل الجهود الهادفة إلى التوصل إلى مسار التهدئة ليعلن، بحضور عائلات جنود الاحتلال الأسرى لدى "حماس"، أن أي اتفاق تهدئة لن يرى النور في حال لم يتضمن تحرير الجنود الأسرى.

من جهته، أوصل نظام السيسي، عبر جهاز الاستخبارات العامة، رسالة واضحة لـ"حماس" أنه لن يتعاون مع أيّ جهود تهدف للتوصل إلى التهدئة، ما لم يتم إنجاز مسار المصالحة أولاً.

وقد حظي موقفا نظام السيسي وإسرائيل بإسناد أميركي قوي، حيث شدد السفير الأميركي في القدس المحتلة، ديفيد فريدمان، على أن واشنطن ترفض أي مسار تهدئة يفضي إلى مراكمة إنجازات سياسية لحركة "حماس".

"حماس"، التي أدركت متأخرة ما يجري، باتت في وضع لا تُحسد عليه، ما جعلها تحشد لاستعادة الزخم الجماهيري لحراك مسيرات العودة من جهة، إلى جانب العمل على عودة البالونات الحارقة بشكل مقنّن من جهة ثانية.

لكن في ظل التحولات المتوقعة على أحوال الطقس، والمرتبطة بانتهاء الصيف، فإن قدرة مناشط حراك العودة في التأثير مجدداً على العمق الإسرائيلي ستكون محدودة، ما يمنح صانع القرار في تل أبيب هامش مرونة كبيرا، ويجعله قادراً على التعايش مع هذا الواقع لوقت أطول.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن رئيس حركة "حماس" في قطاع غزة، يحيى السنوار، قد منح، قبل أسبوعين، الأطراف المختلفة مهلة شهرين لإنجاز مسار التهدئة وإحداث تحول جذري على الواقعين الاقتصادي والإنساني في القطاع، فإن فشل مسار التهدئة وبقاء هذين الواقعين قد يفضيان إلى اندلاع مواجهة كبيرة بين حركة المقاومة وإسرائيل.

هكذا، فإن أي قصف إسرائيلي رداً على "حراك العودة"، من الممكن أن يولّد رد فعل للمقاومة، ما يقصر الطريق أمام تفجّر مواجهة شاملة.