18 فبراير 2020
هل يعود الكرد إلى حضن النظام في سورية؟
يجري الحديث، منذ بداية الأزمة السورية، عن تعاون وتنسيق غير معلن بين النظام والكرد، وبشكل أدق بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب. ويقول المسؤولون السوريون إن النظام هو من دعم وحدات حماية الشعب بالسلاح في البداية، سيما في معركة رأس العين عام 2012 عندما هاجمت كتائب من الجيش الحر المدينة، وبفضل ذلك نجح الكرد في إفشال الهجوم. والثابت أن النظام أراد تقديم الدعم للكرد في إطار رؤيته لمواجهة الدور التركي، فيما استفاد الكرد من هذا الدعم لحماية مناطقهم، لكن النقطة الفاصلة في هذا التعاون حصلت خلال معركة كوباني (عين العرب) عام 2015، عندما وجد الكرد أنفسهم وحيدين أمام ضخامة هجوم "داعش" عليهم، قبل أن تقدم الولايات المتحدة الدعم لهم، ويتحول هذا الدعم إلى تحالف بين الجانبين. ومنذ ذلك الوقت، أبدل الكرد التعاون مع النظام بترسيخ تحالفهم مع الولايات المتحدة، والانخراط في استراتيجيتها تجاه الأزمة السورية. وبفضل هذا التحالف، نجح الكرد في تحقيق انتصارات كبيرة، سواء في الميدان ضد "داعش" أو في السياسة، لجهة تشكيل مؤسساتهم الذاتية لإدارة مناطقهم وتنظيم أنفسهم، وتوسيع سيطرتهم في شمال شرق سورية، حتى باتت تركيا تنظر إليهم بعين الخطر على أمنها القومي. وعلى الرغم من أن الشك كان سيد الموقف في علاقتهم بالنظام السوري، إلا أن الكرد حرصوا، في علاقتهم معه، على نقطتين أساسيتين طوال الفترة الماضية: عدم الصدام العسكري مع النظام، وممارسة الضغط عليه لإخراج قواته العسكرية والأمنية من المناطق الكردية، تجنبا لتعرّض مناطقهم
للقصف الجوي، وقد نجحوا بهذا الأسلوب في حماية مناطقهم أولا، وثانيا في بسط سيطرتهم التدريجية على مناطقهم وتوسيع مناطق سيطرتهم. النقطة الثانية: الحرص على التواصل مع الروس، لفتح قنوات الحوار والتواصل مع النظام، وقد تولى الروس هذا الجانب، ونظموا اجتماعاتٍ في حميميم بين الطرفين، بحثا عن التوصل إلى صيغة تفاهم، لكن هذه الجهود منيت بالفشل، بسبب رفض النظام المطالب التي قدمها الطرف الكردي. في المقابل، حرص النظام نفسه على عدم الصدام مع الكرد، لكنه، في الوقت نفسه، رفع الحماية والدعم عنهم، خصوصا وأنه بات ينظر إليهم بعين الخطر، بعد تحالفهم مع الولايات المتحدة، ورفعهم شعار الفيدرالية، وتوسيع نفوذهم، إلى درجة أن النظام وحلفاءه في المحور الروسي – الإيراني، وكذلك تركيا باتوا ينظرون إلى خطر تقسيم سورية من خلال الدعم الأميركي للكرد.
ولم يكن كل ما سبق بعيدا عن الميدان، إذ أفرزت التطورات الميدانية واقعا جديدا في العلاقات بين النظام والكرد على شكل افتراقٍ في الأهداف، وتضارب في الأولويات، فسيطرة النظام على حلب مكّنته لاحقا من التوجه نحو الحدود الأردنية والعراقية، بدعم روسي وإيراني وحزب الله. وعلى وقع هذا التقدم، بات يعتقد أن باستطاعته استعادة السيطرة على كل المناطق التي خسرها، بما في ذلك المناطق التي سيطر عليها الكرد. في المقابل، سيطرت قوات سورية الديمقراطية، وبدعم أميركي مباشر، على مناطق شمالية وشرقية عديدة، ونجحت في ربطها
جغرافيا على شكل كيانٍ يتشكل خطوة خطوة، ما هيأ له الأرضية للسيطرة على الرقة التي كانت معقل "داعش" في سورية، ومن ثم إعلان معركة الريف الشرقي الجنوبي لمحافظة دير الزور. وجاء القرار الأميركي، تشكيل قوة حرس حدودية من 30 ألف عنصر، ليزيد مخاوف النظام والقوى الإقليمية من توجه الكرد، بدعم أميركي، إلى التقسيم، وهو ما دفع النظام السوري إلى السعي إلى استعادة المناطق التي سيطر عليها الكرد، ولعل ما حصل أخيرا في دير الزور من قصف أميركي لقوات في محوره كانت محاولة في هذا السياق. وعليه، مع صعوبة إمكانية الصدام بين الطرفين في المرحلة الراهنة، نظرا لأن هذا الأمر يخضع لقواعد التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة، فإن مسار التفاهمات الروسية – التركية فتح المجال لتحرك تركي عسكري في شمال سورية، وتحديدا في مدينة عفرين، الواقعة تحت سيطرة قوات وحدات حماية الشعب الكردية. وكانت هذه العملية بمثابة تثبيت المخاوف الكردية من الدور السلبي للعامل الدولي، وانعكاسه على تحالفاتهم، وذلك من خلال التالي:
أولا، أمام تهرب الولايات المتحدة من التدخل لصالح الكرد في عفرين في مواجهة العملية التركية، بات الكرد يشعرون بإمكانية تخلي الولايات المتحدة عنهم، في إطار مصالحها الاستراتيجية وصراعها مع روسيا. ثانيا، يعتقد الكرد أن روسيا عقدت صفقة مع تركيا بخصوص عفرين، قد تشمل، لاحقا، المناطق الأخرى التي سيطر عليها الكرد، ووضعهم أمام العودة إلى حضن النظام أو مواجهة التدخل العسكري التركي حتى النهاية. ثالثا، يرى قسم من الكرد أن النظام السوري غير بعيد عن التفاهمات الروسية – التركية، بغية إجبار الكرد على التخلي عن تحالفهم مع الولايات المتحدة، وتسليم مناطقهم إليه من دون قتال. رابعا، إيران، وعلى الرغم من حساسيتها من الدور التركي، إلا أنها لا تبدو بصدد الخروج عن النقاط الاستراتيجية التي ترسمها روسيا، بما في ذلك التفاهمات الروسية – التركية المتعلقة بالشمال السوري. وفي ظل هذه المعطيات، ثمة من يرى خيارات الكرد صعبة، وربما لا يجدون أمامهم من خيارٍ سوى العودة إلى حضن النظام، إذ قد يشكل ما جرى في عفرين مؤشرا لتكراره في أماكن أخرى.
ولم يكن كل ما سبق بعيدا عن الميدان، إذ أفرزت التطورات الميدانية واقعا جديدا في العلاقات بين النظام والكرد على شكل افتراقٍ في الأهداف، وتضارب في الأولويات، فسيطرة النظام على حلب مكّنته لاحقا من التوجه نحو الحدود الأردنية والعراقية، بدعم روسي وإيراني وحزب الله. وعلى وقع هذا التقدم، بات يعتقد أن باستطاعته استعادة السيطرة على كل المناطق التي خسرها، بما في ذلك المناطق التي سيطر عليها الكرد. في المقابل، سيطرت قوات سورية الديمقراطية، وبدعم أميركي مباشر، على مناطق شمالية وشرقية عديدة، ونجحت في ربطها
أولا، أمام تهرب الولايات المتحدة من التدخل لصالح الكرد في عفرين في مواجهة العملية التركية، بات الكرد يشعرون بإمكانية تخلي الولايات المتحدة عنهم، في إطار مصالحها الاستراتيجية وصراعها مع روسيا. ثانيا، يعتقد الكرد أن روسيا عقدت صفقة مع تركيا بخصوص عفرين، قد تشمل، لاحقا، المناطق الأخرى التي سيطر عليها الكرد، ووضعهم أمام العودة إلى حضن النظام أو مواجهة التدخل العسكري التركي حتى النهاية. ثالثا، يرى قسم من الكرد أن النظام السوري غير بعيد عن التفاهمات الروسية – التركية، بغية إجبار الكرد على التخلي عن تحالفهم مع الولايات المتحدة، وتسليم مناطقهم إليه من دون قتال. رابعا، إيران، وعلى الرغم من حساسيتها من الدور التركي، إلا أنها لا تبدو بصدد الخروج عن النقاط الاستراتيجية التي ترسمها روسيا، بما في ذلك التفاهمات الروسية – التركية المتعلقة بالشمال السوري. وفي ظل هذه المعطيات، ثمة من يرى خيارات الكرد صعبة، وربما لا يجدون أمامهم من خيارٍ سوى العودة إلى حضن النظام، إذ قد يشكل ما جرى في عفرين مؤشرا لتكراره في أماكن أخرى.