انتهت قصة مانشيني مع إنتر، كانت قصة قصيرة في كل شيء، لم تدم طويلا حتى صار الفراق الرسمي، بإقالة المدرب الإيطالي بعد خلافاته المستمرة مع الملاك، ليتم نسف المشروع الثنائي بين الطرفين، ويفكر المدراء في اسم جديد قادم من بيئة مغايرة تماما، الكل في ميلانو يتحدث عن فرانك دي بوير، هولندي قادم من أياكس يقود التكتيك في بلاد الكاتيناتشو، معادلة كروية غريبة وعجيبة تستحق الرصد والانتظار.
ما بعد الرفاهية
قام مانشيني بعمل كبير مع إنتر في ولايته الأولى. الدعم المالي كان مفتوحا على مصراعيه مع موراتي، مع مشاكل اليوفي والميلان وبقية فرق إيطاليا بعد فضائح التلاعب، ليصعد النيرازوري بمفرده إلى القمة المحلية، حتى مجيء جوزيه مورينيو، البرتغالي الذي نقل السطوة إلى أوروبا في 2010، وبالتالي كانت المهمة أسهل سابقا مما يحدث الآن.
حصل روبرتو على مهام أخرى في إنكلترا مع سيتي وتركيا حيث غالطا سراي، كلها أندية تصرف ببذخ وتجلب له ما يريد وفق مجريات السوق، لكن بعد عودته إلى إيطاليا، تغيرت الأمور كثيرا، أصبح اليوفي هو المسيطر والمتحكم، وتراجع الإنتر بوضوح، مع وجود فكر جديد يهدف إلى تقليل الديون ومحاولة الوصول بالوضع المالي إلى بر الأمان.
حدث الطلاق سريعا بسبب سياسة الإدارة الراغبة في عدم ضم نجوم كبار، وبيع بعض الأسماء التي تكلف الميزانية رواتب ضخمة، لكن المدرب في المقابل لا يريد أن يقدموه كبش فداء بعد فترة، بالإضافة إلى عقد صفقات سابقة بأمر مانشيني لم تقدم أي جديد، كالفرنسي كوندوبيا الذي دفع فيه إنتر أموالا كثيرة دون أي إفادة، مع عدد لا بأس به من الأسماء التي لم تصنع الفارق، كمونتويا وفيليبي ميلو وآخرين.
كل هذه الأمور السابقة دفعت الملاك إلى التفكير ألف مرة قبل استمرار مانشيني، أما روبرتو فلم تعجبه أبدا طريقة إدارة الصفقات، وعدم وجود أي مانع من التفريط في بعض النجوم، كالأرجنتيني إيكاردي، فظهرت الفترة الاستعدادية الأخيرة وكأنها مرحلة شد وجذب بين الثنائي، مباريات تحضيرية سيئة ونتائج كارثية، مع عدم تأكيد أو نفي بقاء ماورو، لتتخذ إدارة إنتر قرارها المتوقع، إقالة المدير الفني.
فكر مغاير
فرانك دي بوير خيار مناسب جدا لإدارة إنتر، هو مدرب يميل إلى استخدام المواهب الصغيرة، ومنفتح نحو كل الثقافات الأخرى، ولا يملك أي ضغينة في اللعب بأي تشكيلة ممكنة، لأنه يعتمد أكثر على الطريقة الهولندية في وضع الجماعية فوق المهارة الفردية، واستخدام توليفة خططية تبادر بالضغط على الخصم، ومحاولة استعادة الكرة في أقل زمن ممكن.
مع الأزمات الاقتصادية المستمرة لمعظم أندية أوروبا، وتوغل قواعد اللعب النظيف في كل بلد، صار اللجوء إلى اللاعبين الصغار وأكاديميات الشبان أمر واقع لا بد منه، لذلك فريق مثل إنتر ميلان يحتاج إلى مدرب يعرف كيف يتعامل مع الناشيئن، يهتم بالفرق الأدنى داخل القطاع، يبحث فقط عن المواهب المدفونة، يعمل بأقل ميزانية متاحة، كل هذه الشروط لا تتوافر في مانشيني، لكنها من أهم مميزات دي بوير.
جاء فرانك إلى أياكس بعد فترة من الفشل مع سابقه مارتين يول، وأعاد بطل أمستردام سريعا إلى قواعد الكرة الشاملة، ليحصل على 4 بطولات دوري متتالية، ويقدم عددا كبيرا من الأسماء المميزة كإريكسين وفيرتونخين وميليك وغيرهم، لكن ما جعل فريقه مميزا بحق هو اللعب الجماعي البارز، من خلال استغلال كافة القدرات الفردية ووضعها داخل إطار تكتيك الفريق ككل. ربما نجح هذا الأمر في هولندا بسبب ضعف المنافسين، أو نتيجة تشابه ميزانيات كل الأندية، لكن في إيطاليا هناك أمور أخرى، ومن الصعب بل المستحيل الوقوف في وجه يوفنتوس بهذه الاستراتيجية.
الشيء المؤكد أن مدراء إنتر يعرفون هذه الحقيقة، ومسألة قدوم دي بوير لا تتعلق بالمنافسة على لقب الدوري في البدايات، ولكن الرهان الحقيقي في صناعة فريق شاب، ومحاولة العودة شيئا فشيئا إلى مقاعد الشامبيونزليغ، خصوصا أن حال بقية الفرق - باستثناء يوفي ثم نابولي - ليست أفضل، وبالتالي يستطيع الهولندي نشر أفكاره على المدى المتوسط لا البعيد.
نظرة فنية
فلسفة دي بوير تتعلق بالمبادرة، أن تكون الفعل لا رده، مع استخدام استراتيجية الهجوم لتحقيق ذلك، ليس فقط بالاستحواذ والسيطرة، لكن بواسطة اللعب الموضعي والتمركز الإيجابي. ويشترك فان غال في الميل إلى مزيج بين 4-3-3/ 3-4-3، بمحاولة خنق الخصم في نصف ملعبه وعدم ترك الكرة له أبدا، واللجوء إلى فكرة ثلاثي الخلف في عملية بناء الهجمة وصعود الكرة إلى الثلث الهجومي.
المهاجم يجب أن يبدأ الدفاع بالضغط على حامل الكرة من لاعبي المنافس، بينما المدافع الصريح عليه أن يعرف كيف يتصرف بالكرة أمام مرماه، إنها قواعد الكرة الشاملة التي سينقلها فرانك من أمستردام إلى ميلانو. ويهدف هذا الأسلوب في اللعب إلى وضع عدد كبير من اللاعبين في منطقة المنتصف، إما عن طريق صعود المدافعين إلى الارتكاز، أو تحركات المهاجمين المستمرة دون تقيّدهم بمركز معيّن.
استخدم مدرب أياكس السابق لاعبه القديم بليند في مركز جديد تماما، جلبه من الظهير الأيسر إلى منطقة الارتكاز الدفاعي، وجعله المدافع الثالث أثناء عملية الاستحواذ، من أجل التحول إلى ما يشبه 2-3-2-3، لأن لاعب مان يونايتد الحالي قوي في التمرير من الخلف، لذلك يعود بضع خطوات إلى الوراء بين قلبي الدفاع، من أجل السماح للظهيرين بالصعود إلى المنتصف.
بالتالي فإن اختياراته معظمها ستكون باتجاه اللاعب الذي يجيد اللعب في أكثر من مركز، مع الميل إلى تعاقدات شابة بأسعار معقولة، دون التقيد بنجم كبير أو اسم بعينه.
أيام إنتر
من أهم قواعد فرق فرانك دي بوير امتلاك أظهرة تجيد الهجوم، مع ثنائي متحرك في الوسط، برفقة هجوم متنوع وسريع، لذلك يمكن مشاهدة المهاجم كلاعب وسط في بعض الأحيان، مع تحوله إلى الرواق بالتبادل مع الجناح الصريح، وكل هذا لا يتم دون وجود لاعب ارتكاز ممرر، يعطي الأريحية الكاملة لزملائه في التحرك في الخطوط وبينها.
الرهان على دي بوير قرار جريء من إدارة إنتر، وموافقة الهولندي أيضا أمر ليس بالسهل، فالرجل كان يملك نجاحا شبه مضمون في إنكلترا أو إسبانيا، لكنه اختار بيئة جديدة تماما بخلفية مختلفة عن بيئته، لكن هناك هامشا للنجاح، لأن الكرة الإيطالية تبدلت كثيرا في السنوات الأخيرة، وأصبحت متقبلة للفكر الآخر، ولنا عبرة بساري، قائد نابولي، صحيح هو مدرب إيطالي لكنه صاحب فكر هجومي شجاع، مع تجارب أخرى مثيرة للإعجاب.
تعاقد إنتر مع إيفر بانيغا، اللاعب المناسب لأفكار دي بوير، من خلال استخدامه في المركز 6 بالملعب، كارتكاز متحكم في نسق المباريات، وصانع لعب متأخر في الخلف، مع دعم كلي من جانب لاعب آخر كميدل، لاعب الوسط الذي يتمركز كمدافع صريح في تشكيلة منتخب بلاده، ويمكن لفرانك إعادة استخدامه في هذا المكان، كلاعب حر بين الدفاع والوسط، يعود للتغطية ويصعد لحماية ظهر بانيغا أثناء الهجوم.
كاندريفا أيضا تدعيم أكثر من ممتاز، لاعب ذكي خططيا ويجيد اللعب في أكثر من مكان، برفقة بروزوفيتش وبيرسيتش، مع إمكانية الحفاظ على إيكاردي أو تعويضه بمهاجم متحرك، كلها أسماء ستساعد دي بوير في رحلته، فقط يتطلب الأمر بحثا عن بعض الأظهرة الهجومية التي تساعده في تطبيق خطة ثلاثي الخلف، خصوصا على اليسار. بانتظار تجربة مختلفة تماما لهولندي مغامر في ملاعب إيطاليا.