علاقة حميمة ربطت إرنست همنغواي (1899-1961) بكوبا التي أقام فيها ما بين عامي 1939 و1960، وفيها كتب روايته الشهيرة "الشيخ والبحر" عام 1952، التي نالت جائزة "بوليتزر" الأميركية في العام نفسه، قبل أن يحصل على نوبل في عام 1954، واعتبرها كثير من النقاد "رواية كوبية بامتياز".
ورغم العلاقات الدبلوماسية المعدومة بين كوبا وأميركا، إلا أن هوليوود لم تيأس من التمرد عليها حين قرّر المخرج بوب ياري التوجه إلى كوبا لتصوير فيلم يتحدث عن سنوات الكاتب الأميركي إرنست همنغواي الأخيرة، بعد قطيعة هوليوودية كوبية تجاوزت نصف قرن من الزمن.
وبإذن خاص من وزارة المالية في الولايات المتحدة، وبند لا يعرف شروطه سوى المخرج والمنتج وحكومة باراك أوباما، تمكّن الفريق من الانتقال إلى كوبا في أبريل/ نيسان الماضي لتصوير مشاهد الفيلم.
وصل همنغواي كوبا للمرة الأولى عام 1928 مع زوجته الأولى بولين بفيفر، لكن الفضل يعود إلى زوجته الثالثة مارتا غيلهورن التي عثرت على مزرعة "فيهيَّا" التي كتب فيها همنغواي كثيراً من أعماله، وكان قد اشتراها بـ 18.500 دولار، هي حصته المالية من حقوقه كمؤلف لرواية "لمن تُقرع الأجراس" الصادرة عام 1948.
"عاش همنغواي وأحبّ وكتب في كوبا"، تؤكد روسا ألفونسو روسالس، المديرة والمسؤولة عن البيت الذي عاش فيه الكاتب في تلك المزرعة. وقد ذكر همنغواي نفسه في إحدى المقابلات أنها "مكان جيد للكتابة، لأنها خارج المدينة وتقع على تلة".
كان لكوبا حصة الأسد في قلب همنغواي، ومع هذا فقد اتهمه بعض النقاد بتركها بعد الثورة الكوبية (1959) خوفاً من "شبح الشيوعية"، لكن روسالس ستردّ مرة أخرى على ذلك الجدل القديم الذي يتجاهل أو يُقلّل من مكانة كوبا في حياة وأعمال همنغواي بقولها: "أحبّ همنغواي كوبا قبل وبعد الثورة". ويؤكد ذلك كلام همنغواي نفسه الذي كتب في رسالة إلى أحد أصدقائه يقول: "كنت محظوظاً بالكتابة في كوبا"، وفي مناسبة أخرى يقول عنها: "حيث يشعر الإنسان أنه في بيته بعيداً عن المكان الذي ولد فيه. هذا هو المكان الذي قُدِّرَ لي".
لم تكن تلك المزرعة فقط المكان الوحيد الذي يكتب فيه، بل أيضاً الغرفة رقم 511 في فندق "أمبوس موندوس" حيث كان يعزل نفسه من أجل الكتابة، وكان مقعده المفضل في بار فلوريدا الأسطوري حيث يجلس على كرسي مطل على شاطئ كوخيمار. وقد وصف كوبا في رواية "تلال إفريقيا الخضراء" بـ "الجزيرة الطويلة والجميلة والتعيسة".
الفيلم الذي انتهى بوب ياري من تصويره في كوبا، وتدور أحداثه في فترة نهاية الخمسينيات قبل الثورة، كتب قصته الصحافي والكاتب ديني بارت بيتيكليرك (1929-2006) الذي عرف همنغواي خلال عمل الأول في صحيفة ميامي هيرالد عام 1958 وأصبحا صديقين منذ ذلك الحين.
وكان الفيلم قد واجه صعوبات في التصوير كانقطاع الإنترنت وانسحاب الممثلة شارون ستون من العمل في اللحظة الأخيرة، لتُستبدل بالممثلة البريطانية جولي رتشارديون التي تلعب دور "ماري همنغواي"، الزوجة الرابعة للكاتب.
أما "همنغواي" صحافياً شاباً فسيلعب دوره الممثل جيوفاني ريبيسي، في حين سيكمل تأدية الشخصية أدريان سبارك. سيرى المشاهدون همنغواي في أيامه الأخيرة بهيئته الحزينة والمحبطة، مدمناً على الكحول، وسط حالات اكتئاب وجنون عظمة، جعلته يظنّ أنه العدو الأول للسي آي إي.
في السنة الأخيرة من حياته كان يزور مصحّ أمراض نفسية، لكنه لم يتوقف عن التردّد على كوبا بين الحين والآخر، حتى وضعت طلقة من بندقيته حدّاً لحياته الشقيّة عام 1961.