هنا لا يشعلون الفوانيس

02 فبراير 2016
محمود صبري / العراق
+ الخط -

أغنية فَادو في الشفق
هنا يأخذون المقاعد كل مساء
ولا يشعلون الفوانيس أبداً.
يموت الجرجير من الجذام
بين القراص الكثيف
فيحتضر المشهد في الضوء
المحترق للمقابر النائمة.
من الممكن جداً، وهو بالتحديد كذلك،
أن تهدأ الشمس
بعد هذه الساعة
وتأتي مجدداً ليلة مكتملة
يعريها البحرُ
لتحمِلَ معها عزلة
شواهد القبور البيضاء
والتأوهات البعيدة
لأغنيةِ فَادُو في الشفق.
قد جفَّفَ الملحُ الأرضَ
التي إليها يأتي فقط البرونزُ
المُضاعَفُ والمُحطَّمُ للأجراس،
وحركة رمال الاكتئاب،
والأجنحة المُطقْطِقة لعصافيرَ ميِّتةٍ.
هنا لا يشعلون الفوانيس
وريحُ الخذلان الجافةُ
تعوي مثل ذئبٍ متوحِّدٍ
وتائهٍ
بين الشوك الأحمر والأحجار.

 

معزوفة وفِرارٌ
ثمة ليال يُنَبِّهُ فيها الأرق
لكنه لا يهاجم غرفتكَ بغتة
أو يمسكُ ذراعيك ويحاصركَ.

ثمة ليال ينبه فيها الأرق
لكن التراخي لا يغدو بالنسبة لك غريباً
ولا يصير الإخفاق مباغتاً
في هذه الغرفة المقفرة.

هي ليال لا تنام خلالها
وتقضي الساعات على أبوابِ قصيدةٍ،
تتسكعُ في البيت وتدخنُ
وتندهش من الصمت
الموجود خلف النوافذ.

الخفقان المرتحل لصوتك الخفيض
يبحث عن بيت شعري دقيق للتعب
الذي يتيح لك العودة للفلاة
حيث كنت في يوم ما بائع أحلامٍ.
وتفكر فتتسلل إليك الحياة
في الموسيقى والضوء والدفاتر،

ويُقدَّمُ لكَ الكحول سهلاً وبخساً
من الرف مثل عاهرة حزينة.
وحينها تحبّ الموسيقى،
فتبكي هي، فيتزجيرالدُ تبكي لأجلك،
وتسمعها فتغدو راضياً
أن يكون ثمة شخصٌ ما يبكي لأجلك
وأن يكون الأسى لم يتمكن من تغييرك.

تنتقم من الحياة في كسل
وتضع قوائم لأحلامك
في قصيدٍ جديدٍ
- أقل حزناً مما كنت تنتظر-
يقطع حبل المشيمة ويهجرك.
يمضي
ويمضي،
ويمضي،
ويغلق الباب
ويُخَلِّفُكَ بعْدُ أكثر وحدة.

 

* شاعر إسباني ولد في إقليم قادش عام 1957. من أعماله الشعرية "ألبوم الذاكرة" و"عزلة المرتحل" و"معجزة الربيع الأخرى"

ترجمة عن الإسبانية خالد الريسوني


اقرأ أيضاً: مرّةً أخرى على اليابسة

المساهمون