لم تعد بعقوبة العراقية، المعروفة أيضا باسمها الثاني "مدينة البرتقال"، كما كانت في السابق، معتدلة المناخ، كثيرة المراعي، جيدة التمور، بل ارتفعت نسبة التلوث فيها، وباتت أعمدة الدخان تعانق أشجار النخيل، وكثرت الحرائق المتعمدة فيها، فضلا عن تلوث هوائها بمخلفات بيئية ونفايات.
وفي السياق، تقول المحامية أطياف زياد، لـ"العربي الجديد": "لا يمكن تصور حجم تلوث الهواء الذي نعاني منه في بعقوبة، أعمدة الدخان ترتفع كل يوم قبيل المغرب جراء حرق النفايات، كما أن الأنهار في هذه المدينة جميعها تعاني من التلوث، أما الخدمات فهي ليست بحال أفضل" .
وتتابع: "ارتفعت نسبة التلوث في هذه المدينة بعدما كانت تنعم بمناخ طبيعي وصحي، وتحوّلت الكثير من مساحاتها الزراعية إلى أراضٍ سكنية نتيجة حرق الكثير من البساتين وعدم دعم القطاع الزراعي، كما أن التلوث في هذه المدينة لا يقتصر على أعمدة الدخان أو الأنهار التي تحولت إلى مكبات نفايات، فقد طاول التلوث كل شيء، ويمكن القول إن مدينة بعقوبة لم تعد صالحة للسكن كما كانت في السابق".
وتبين أنّ بعقوبة تعاني من نقص الخدمات بشكل كبير، فالشوارع متهالكة ومع هطول المطر جميعها تغرق، كذلك السوق الرئيسي لا يرتقي إلى تاريخ هذه المدينة، كما أنّ الدوائر الحكومية ليست بحال أفضل، جميعها أبنية قديمة انتهى عمرها الافتراضي، وليس هناك في المدينة ما يوحي بأنها مركز المحافظة التي تعتبر الواجهة التي تمثل جميع بلدات ديالى، والتي تستحق أن تتوفر فيها جميع الخدمات التي يحتاجها المواطن على جميع الأصعدة.
وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت رئيسة لجنة البيئة في مجلس ديالى، نجاة الطائي، أنّ العام الجاري سجل أعلى حرائق بتاريخ المحافظة، فيما أشارت إلى أن الخسائر المسجلة خلال الأشهر الـ8 الماضية تجاوزت حاجز 4 أربع مليارات دينار، وأن إجمالي الحرائق التي سُجلت في ديالى خلال الأشهر الثمانية الماضية بلغت نحو ألف حريق، 70 بالمائة منها في المناطق الزراعية، خاصة البساتين الزراعية.
في السياق ذاته، قال مدير البيئة عبد الله الشمري، في تصريح صحافي، إنّ المواطن يتحمل وزر 50 بالمائة من أسباب تلوث نهر خريسان في مدينة بعقوبة، وأنه تمت ملاحظة تراكم النفايات في النهر بشكل واضح، الأمر الذي يسهم بارتفاع معدلات التلوث في مياهه وانعكاساتها على زيادة الأمراض والأوبئة، كونه مغذياً لمعظم محطات الإسالة بمدينة بعقوبة وضواحيها.
ودعا الجهات الحكومية المختصة إلى وضع خطوط حمراء لمنع تجاوزها في ما يخص رمي النفايات، واللجوء إلى العقوبات القانونية لردع المخالفين، وووقف حالة اللامبالاة، لأن حجم الخطر أصبح حقيقيا وقد يؤدي إلى كارثة إنسانية.
من جانبه، قال الناشط في منظمة التعاون لحماية المستهلك مجيد التميمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ المشكلة تكمن في الواقع الخدمي في بعقوبة، لكونه بقي على حاله منذ عقود، وبالتالي قد طاوله الإهمال، إذ لا توجد خدمات حقيقية مقدمة للمواطن الذي يعاني من أعباء حياتية كثيرة كان يمكن التخفيف منها بواقع خدمي جيد.
وأشار التميمي إلى أنّ المدينة تعاني أيضا من كثرة حرق النفايات بالطرق التقليدية التي من شأنها أن تضر بالبيئة، بدل الطرق الصحية السليمة، منها تحويل النفايات إلى أسمدة وتدويرها واستعمال مواقع دفن النفايات، أي الطمر الصحي، وهذا هو المعمول به في معظم بلدان العالم، مؤكدًا أنّ نسبة التلوث في بعقوبة وباقي المدن العراقية لا تقل عن 50 إلى 60 بالمائة، فالمصانع قريبة من المدن، والأنهار تعاني مياهها من التلوث، والأغذية المستوردة الكثير منها من منشأ غير معروف أو لا تنطبق عليه المواصفات الصحية، ولا توجد رقابة حقيقية لحماية الناس بالشكل المناسب والصحيح.
وأكد أنّ على المواطنين الحذر من انتشار الأوبئة نتيجة ارتفاع نسب التلوث في مياه الأنهار، خاصة نهر خريسان، الذي يغذي المدينة بمياه الشرب، وأهم الإجراءات التي يجب اتخاذها، بحسب المتحدث، التوقف فورا عن رمي المخلفات والنفايات في مجرى الأنهار حتى وإنّ لم تكن هناك إجراءات قانونية أو قوانين تمنع ذلك، لأن المواطن هو المستهلك الذي يجب أن يحافظ على البيئة من أجل التمتع بصحة جيدة.
ويرجع تاريخ تأسيس مدينة بعقوبة، عاصمة محافظة ديالى (57 كلم)، شمال شرق بغداد، إلى ما قبل الفتح الإسلامي، وكانت تشتهر في العراق باسم مدينة البرتقال لكثرة بساتين البرتقال حولها، كما تنتشر فيها زراعة أنواع أخرى من الحمضيات، بالإضافة إلى زراعة النخيل والعنب، ويمر فيها جدول نهر يسمى سارية خريسان، وهو أحد فروع نهر ديالى، وقد تعرضت بساتين المدينة إلى الحرق المتعمد، بحسب مسؤولين في المحافظة، كما تعاني من إهمال الواقع الخدمي والبيئي.