عُقدت، نهاية الأسبوع الماضي، الجلسة العامة العادية للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، والتي قدّم خلالها المكتب التنفيذي للنقابة ملخصاً لعمله لمدة سنة، معرباً عن هواجسه وتطلعاته المستقبلية.
ترتكز الهواجس والمخاوف، أساساً، على الناحيتين المادية والاجتماعية للصحافيين التونسيين التي تعرف تراجعاً كبيرًا، مثلما أشار نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، والذي بيَّن أنّ الفترة الممتدة من مايو/أيار 2017 إلى مايو 2018 شهدت طرد أكثر من 200 صحافي من عملهم، وهو رقم كبير يترجم الحالة المزرية التي يعيشها الصحافي التونسي في ظلّ وضع اقتصادي صعب، انعكس على الحياة المهنية للصحافيين، خصوصاً في قطاع الصحافة الورقية.
وحمّل البغوري الحكومة التونسية المسؤولية، حين تراجعت عن تعهداتها التي قدمتها للنقابة، إذ قال: "إن الحكومة قدّمت عديد الالتزامات تجاه القطاع الصحافي ولكنها بقيت حبراً على ورق". مضيفاً أنّ "الحكومة خالفت تعهداتها في مسألة إنقاذ الصحافة المكتوبة التي تعيش أزمة عميقة".
واعتبر البغوري الوضع الذي يعيشه القطاع الإعلامي عموماً والصحافة الورقية خصوصاً غير مقبولٍ، رغم تقديم النقابة بعض الحلول العملية، مثل إحداث صندوق لدعم الصحافة الورقية. وقال: "كان من المبرمج إحداث صندوق لدعم الصحافة المكتوبة باعتمادات قدرها 5 ملايين دينار (2 مليون دولار أميركي تقريباً)، إلا أنّ المشروع لم يرَ النور. وحمّل الحكومة التونسية، مسؤولية ذلك، التي اعتمدت سياسة التسويف ولم تقم بتفعيل عديد القرارات لإنقاذ القطاع بشكل عملي مما تردى فيه من صعوبات مالية أدت إلى غلق عديد المؤسسات الإعلامية في الصحافة الورقية وكذلك إذاعات وتلفزيونات خاصة.
الصحافيون التونسيون الذين حضروا أعمال هذه الجلسة العامة، قاموا بالتصويت على قانون جديد يتضمن 50 فصلاً وينظم عمل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. والقانون الذي وجد بعض المعارضة من قبل عدد من الصحافيين، يُعتبر، وفقاً للمشاركين في الجلسة، لبنة جديدة لتدعيم النقابي الإعلامي في تونس وتوفير الضمانات القانونية والمجتمعية للمحافظة على حرية الصحافة وحمايتها من كل انتكاسة ممكنة، في ظلّ وضع استثنائي تعيشه تونس بخاصة في المجالين السياسي والاقتصادي، يجعل مكاسب الصحافيين في خطر إذا لم يتمّ تحصينها بشكل جيد.
يُذكر أن تونس كانت مصنفة قبل الثورة التونسية في 14 يناير/ كانون الثاني 2011 ضمن قائمة الدول الأكثر تضييقاً على عمل الصحافيين، لكن بعد الثورة شهد القطاع الإعلامي جرعات من الحرية غير مسبوقة حتى أن بعض الملاحظين للشأن التونسي يعتبرون أن حرية الصحافة هي أكبر مستفيد إلى حدّ الآن من الثورة التونسية. إلا أن هذه الحرية يخشى الكثيرون ومنهم النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين عليها من الصعوبات الاقتصادية، التي يعرفها القطاع والتي رمت بعدد هام من الصحافيين التونسيين إلى البطالة الإجبارية.
كما أن هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة فتحت الطريق أمام تسريب المال الفاسد للقطاع الإعلامي، وهو ما أكده نقيب الصحافيين التونسيين الذي طالب بضرورة الحذر والاحتياط من ذلك حتى لا يجد القطاع الإعلامي نفسه رهين لوبيات المال الفاسد والأحزاب السياسية، التي يحاول بعضها السيطرة على القطاع.
يبدو أن القطاع الإعلامي يعيش لحظة مفصلية وهو ما أكدته الجلسة العامة السنوية للنقابة حيث شابها الكثير من التفاؤل الحذر وتعالت فيها الدعوات إلى ضرورة التزام الحكومة التونسية بالوعود التي قطعتها على نفسها، حتى يتمّ تخليص القطاع الإعلامي من الصعوبات الاقتصادية التي يعرفها والتي تهدد جدياً وجود العديد من المؤسسات الإعلامية المطالبة بتسوية وضعياتها المالية أو الإغلاق.