وظهرت الخطوط الحمر بشكل واضح من خلال التصريحات الأميركية والروسية خصوصاً، مع تأكيد الولايات المتحدة على لسان وزير الخارجية جون كيري وجود خطة بديلة في حال فشل الهدنة، قد تجعل "الوضع أقبح" لروسيا. الأمر الذي استدعى رداً روسياً سريعاً بتأكيد عدم وجود خطة كهذه. مقابل هذه "الخطوط" الأميركية والروسية، كانت لتركيا أيضاً نقاطها الحمر، محذرة من أي تهديد لأمنها.
وفيما كانت وكالة "فرانس برس" تكشف نقلاً عن دبلوماسيين أن مشاورات تجري بين أعضاء مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يكرس اتفاق الهدنة، كان وزير الخارجية الأميركي يزيد تحذيراته من مخاطر فشل الهدنة. وبدا واضحاً حرص كيري، خلال جلسات الاستماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ منذ يوم الثلاثاء الماضي وحتى يوم أمس الخميس، الحديث مرات عدة عن خطة بديلة في سورية في حال الفشل في تحقيق انتقال سياسي. وأكد كيري أهمية نجاح وقف إطلاق النار ثم الانتقال إلى حل سياسي، ملمّحاً إلى "خطة ب" عند الإدارة الأميركية في حال فشل ذلك. وقال كيري إنه في "حال لم يوضع اتفاق وقف النار موضع التنفيذ، فإن احتمال تمزيق سورية سوف يصبح وارداً أكثر من أي وقت مضى، كما أن موجات اللجوء سوف تفيض إلى أوروبا أكثر مما هي عليه، وسوف تتغير طبيعة الأوضاع بصورة قد لا تكون في الحسبان، وقد تعم الاضطرابات ويسود التفكك (في المنطقة)". وأضاف: "قد يكون متأخراً جداً الحفاظ على سورية بكل أجزائها إذا انتظرنا لفترة أطول".
وأعلن كيري أنه قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما التقيا "نحن في طريقنا لمعرفة ما إذا كانت العملية الانتقالية جادة حقاً في غضون شهر أو شهرين". وأضاف كيري: "(رئيس النظام السوري بشار) الأسد نفسه عليه اتخاذ بعض القرارات، وإظهار أنه جاد، وإذا لم يحصل ذلك، فسيتم بالتأكيد الأخذ بالاعتبار خيارات خطة ب".
وأشار كيري مرات عدة إلى "الخطة ب" البديلة، وقال إن "الوضع يمكن أن يصبح أقبح أكثر" بالنسبة لروسيا إذا فشلت عملية وقف إطلاق النار والانتقال السياسي. ولم يقدّم كيري تفاصيل عن هذه الخطة لكنه قال: "لدينا خطة أصبحت شبه جاهزة، وسنقوم بتجربتها إذا استنفدنا كل خيارات الحلول الدبلوماسية السلمية المطروحة على الطاولة. وفي نهاية الأمر لا بد من أن تأتي جميع الأطراف إلى المفاوضات الآن أو غداً، ونحن نحاول أن تتم المفاوضات قبل وقوع الكارثة وليس بعدها".
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تسجل 17 تحفظا على اتفاق وقف النار
وأقر وزير الخارجية الأميركية أنه لا يمكن أن يضمن أن روسيا ستلتزم بخطة وقف إطلاق النار بسورية، لكنه حذر من أن القوات الأميركية تدرس "خطة ب" وستواصل دعمها للمعارضين. وقال إنه حتى لو سيطرت روسيا على حلب، فإن الاحتفاظ بالأرض كان دائماً أمراً صعباً. ورفض كيري تقديم أي تفاصيل عن "الخطة ب" الأميركية، قائلاً إن الوقت غير مناسب لمناقشة التدابير العسكرية. لكنه أشار إلى تقارير صحافية قالت إن تخطيطاً متقدماً يجري. وكان لافتاً كشف كيري أن الأمر سيحتاج إلى ما بين 15 و30 ألفاً من القوات البرية للحفاظ على "منطقة آمنة" في شمال سورية، موضحاً أن إقامة منطقة آمنة ليست بسيطة كما يبدو، مشيراً إلى أنه ستكون هناك حاجة لوجود عسكري كبير لحماية السكان من هجمات "داعش" على الأرض. وأوضح أن "تقديرات البنتاغون لإنشاء منطقة آمنة حقيقية في شمال سورية، تشير إلى أننا سنحتاج إلى استخدام ما بين 15 و30 ألف جندي"، متسائلاً "هل نحن الآن على استعداد للسماح بذلك وإرسال هؤلاء إلى الأرض؟".
ويبدو أن الكلام الأميركي عن "خطة ب" أقلق الروس، إذ سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للقول إنه لا توجد أي خطة بديلة للبيان الروسي الأميركي المشترك حول وقف إطلاق النار في سورية. وقال لافروف للصحافيين أمس: "لقد قلنا كل شيء فيما يخص الخطة ب، لا توجد ولن تكون أبداً عند أي جهة". كما نقلت وكالة "تاس" الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، قوله أمس، إن موسكو تشعر بالقلق من التصريحات الأميركية عن "خطة بديلة" لسورية إذا فشل وقف إطلاق النار، معلناً أن بلاده "لا تعرف شيئاً" عن هذه الخطة.
مقابل ذلك، تبدو الخشية التركية في موضوع الهدنة من تمدّد حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي وجناحه العسكري "وحدات حماية الشعب"، وعدم شمول هذا الجناح بموضوع الهدنة، في الوقت الذي يسعى فيه لبسط سيطرته على كامل الحدود التركية مع سورية وربط منطقة عفرين بمناطق سيطرته في كل من الحسكة وعين العرب. وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، للقول إن "وحدات الشعب" هي تنظيم إرهابي كـ"داعش" و"النصرة". وقال داود أوغلو في تصريحات للصحافيين أمس: "ليعلم الجميع أن وقف إطلاق النار سارٍ بالنسبة لسورية والأطراف المتصارعة فيها، وفي حال تشكيل أي تهديد على تركيا، وإذا تعلق الأمر بأمنها فهذا الاتفاق ليس ملزماً لنا". وأضاف: "عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا، فسنقوم بما يلزم، من دون سؤال أو استئذان أحد"، محذراً عناصر "وحدات حماية الشعب" و"العمال الكردستاني"، "ألّا يستمروا في موقفهم الداعم للإرهاب، ظانين أن تركيا لن تقدم على أي خطوة، بسبب اتفاق وقف إطلاق النار، فالاتفاق سارٍ بالنسبة لسورية فقط".
مقابل كل ذلك، لا تزال المعارضة السورية ترى في اتفاقية الهدنة فرصة لاستكمال المفاوضات والسير بحل سياسي يفضي إلى هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات، إلا أنها في الوقت ذاته تصر على تطبيق البندين 12، و13 من القرار الأممي 2254. وعلقت الهيئة العليا للمفاوضات على البيان المشترك الصادر عن الولايات المتحدة وروسيا بشأن الهدنة ببيان تضمّن سبع عشرة ملاحظة، مبدية رغبتها بأن تكون "هدنة مؤقتة لمدة أسبوعين تشكّل فرصة للتحقق من مدى جدية الطرف الآخر بالالتزام ببنود الاتفاقية".
ويقول عضو الائتلاف الوطني السوري نصر الحريري، لـ"العربي الجديد"، إن اتفاق الهدنة خلق مساراً جديداً، مشيراً إلى أن المفاوضات لن تُعقد إلا بعد التأكد من تطبيق الاتفاق، إضافة إلى تطبيق البندين 12 و13 من القرار 2254. ويرجّح الحريري عدم نجاح اتفاق الهدنة، إذ لا يزال الطيران الروسي يقصف مناطق سورية لا وجود لتنظيم "داعش" فيها، ولعدم شمول الاتفاق مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية تحت ذريعة وجود "جبهة النصرة" فيها.
من جهته، يتوقع المعارض السوري محمود الحمزة، في حديث لـ"العربي الجديد"، ألا يصمد اتفاق الهدنة بين المعارضة والنظام لوقت طويل "لأنه يتضمّن ألغاماً كثيرة"، مرجحاً أن تطرح الولايات المتحدة فكرة تقسيم سورية إلى دويلات في حال انهيار الاتفاق، لأن هذا السيناريو يخدم إسرائيل، مشيراً إلى أن الروس لا مشكلة لديهم في التقسيم طالما يحقق ما يصبون إليه.
ويرى متابعون أن روسيا تدفع باتجاه الهدنة لوصولها إلى قناعة أنه ليس بإمكانها تقديم المزيد من الدعم للنظام السوري الذي فشل في استعادة زمام المبادرة على الرغم من القصف الروسي. ويقول الصحافي السوري طه عبد الواحد إن كل المؤشرات تدل على أن موسكو تريد لاتفاق الهدنة أن يصمد، معرباً في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أن لدى موسكو "رغبة جامحة" لفرض الشراكة مع واشنطن، مشيراً إلى أنها "انعكست بصورة مباشرة على تقييمات السياسيين الروس بما يخص اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه موسكو مع واشنطن، إذ اعتبروه نقطة تحوّل في العلاقات بين موسكو وواشنطن، وأعربوا عن أملهم في أن يكون فاتحة لتحوّل شامل في العلاقات بين البلدين".
اقرأ أيضاً: مشاورات في مجلس الأمن لإصدار قرار يكرس "الهدنة" بسورية