وثمة اتفاق بتركيا، سواء بالأوساط الحكومية أو الشعبية، أن قطاع العقارات سيشهد تهافتاً، وخاصة من المستثمرين الأجانب، نظراً للأسعار المناسبة والفوائد المنخفضة، والأهم ربما، الإغراءات التي تقدمها تركيا للمستثمرين بهذا القطاع، إن ما يتعلق بتسهيلات القروض ونسب الفائدة الأقرب للصفرية، أو إعفاء الأجانب من ضريبة القيمة المضافة على العقارات، بل ومنحهم الجنسية التركية إن استثمروا بنحو مليون دولار بهذا القطاع المستهدف.
وكأن العقارات، هي هاجس تركيا التنموي الأول، ربما لما للعقارات من تحريض على بقية القطاعات المرتبطة بصناعة البناء، من مواد أولية وزيادة القطع الأجنبي بالسوق، وامتصاص فائض البطالة التي بدأت نسبته تقلق صناع القرار التركي، كما نسبة التضخم التي خرجت، رغم المحاولات، عن السيطرة.
قصارى القول: تشير المراكز البحثية المتخصصة، إلى أن تركيا ضمن أفضل عشر أماكن لشراء العقارات عام 2017، وللعام الثاني على التوالي، وتعمل حكومة أنقرة على تعزيز الثقة بهذا القطاع، وربما تستند إليه كرافعة للاقتصاد وحتى السياسة، إذ لا يمر شهر على تركيا، دون أن تفاجئك بتدشين مشروع عملاق أو التخطيط لآخر، وكأنها بسباق مع عام 2023، مئوية تأسيس الدولة، وليس سوى العقارات من سيتوّج تلك الأحلام.
ومن جسر سليم الجبار، فالجسر الثالث على البوسفور، إلى نفقي أوراسيا ومرمراي، فالمطار العائم علي البحر وقناة اسطنبول، وصولاً للحلم العقاري لأكبر مطار ربما بالعالم "مطار اسطنبول الثالث"، فضلاً عن التوسع العقاري السكني المتسارع بأرياف اسطنبول، التي باتت تضم نحو ربع سكان تركيا، وما يترتب على ذلك من سلبيات واختناق وربما خلل تنموي أفقي.
إذ لا يمكن النظر للنهضة التركية عموماً، إلا بعين الدهشة والإعجاب، فهذا النمر الاقتصادي الذي تحوّل خلال 15 سنة، منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في 2002، من مدين إلى دائن، وضاعف الدخل والناتج والصادرات، بيد أنه لا يزال متراجعاً وبأشواط عن الدول الصناعية المتقدمة التي يسعى لمنافستها خلال حلم مئوية تأسيس الدولة .
فأن تزيد قيمة المشاريع العملاقة العقارية وما تأثر بها من تطوير حضري، بنحو 500 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، فهذا بلا شك تطور مذهل، لكنه، أيضاً بلا شك، لن يوصل تركيا لمصاف نادي العشرين تكنولوجياً على وجه التحديد، بقدر ما يبقيها أسيرة الموارد الكلاسيكية، من عقارات وسياحة، والتي تتأثر بالهزات السياسية، كما حدث لتركيا خلال العامين الأخيرين، وطاولت العراقيل كل المؤشرات الاقتصادية.