تسببت هيئة تحرير الشام في توسّعها الأخير، بتعليق دعم منظمات دولية عدّة لسوريين خارج مناطق سيطرة النظام.
أيام قليلة كانت كافية لتحكم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) قبضتها على كامل محافظة إدلب السورية وأجزاء من ريفَي حماة الشمالي وحلب الغربي، مطلع العام الحالي، وكانت كفيلة بإحداث تغيّرات مباشرة تنعكس على العمل الإنساني والنشاطات المدنية في المناطق التي كانت تتبع نسبياً لفصائل عسكرية أخرى. وتسيطر هيئة تحرير الشام على نقاط العبور إلى محافظة إدلب ومنطقتَي ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، ويقدّر عدد عناصرها في الوقت الحالي بنحو 25 ألف عنصر.
ولم يكن من السهل تقبّل تلك التغيّرات، بحسب ما يقوله أحد أعضاء المجالس المحلية، "خصوصاً في مناطق سورية التي كانت تُعَدّ مناهضة لنشاطات الهيئة وحكومة الإنقاذ التابعة لها، لا سيّما في بلدات ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، وبلدات ريف حلب الغربي". يضيف المسؤول المحلي لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية، أنّ "مدناً كثيرة كانت محط اهتمام كبير للمنظمات الدولية الإنسانية، ولعلّ أبرز المدن التي كانت تقصدها تلك المنظمات بغرض تقديم الدعم الإنساني والطبي هي معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي ومدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، علماً أنّ المدينتَين تُعرفان برفض الأهالي فيهما للوجود العسكري لهيئة تحرير الشام".
يشرح عضو المجالس المحلية نفسه أنّه "مع المدّ العسكري الأخير واستخدام القوة في السيطرة على مفاصل العمل المدني من قبل الهيئة تحت غطاء حكومة الإنقاذ، تمّت عملية إعادة هيكلة المجالس المحلية بما يتواءم مع تطلعات الهيئة. بالدرجة الأولى، أقصيت شخصيات في المجالس المحلية لم تلاقِ قبولاً من قبل الهيئة التي عملت على تشكيل مجالس محلية يرأسها رجال معروفون بولائهم لها أو يعملون من ضمن حكومة الإنقاذ". ويتابع أنّ "هذه المجالس هي جوفاء وصورية غير قادرة على التعاطي مع متطلبات الأهالي، إذ إنّها في الأساس مرفوضة من قبلهم، لكنّها فُرضت عليهم من خلال سياسة الأمر الواقع، علماً أن معارضتها أو المطالبة بمجالس محلية حقيقية لخدمة الناس أمر غير ممكن".
أحمد من مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، آثر مغادرة المدينة إلى منطقة عفرين خوفاً من تعرّضه للملاحقة أو الاعتقال من قبل عناصر هيئة تحرير الشام. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "لا خيارات أخرى أمامي بعد التغيّرات التي حدثت منذ الخامس من يناير/ كانون الثاني الماضي في داخل المدينة. في ذلك اليوم، الهيئة حاصرتها بالدبابات مستخدمة الأسلحة الثقيلة في قصفها لإرغام الجميع على القبول بوجودها تحت قوة السلاح". يضيف أحمد أنّ "المدينة كانت حينها تعيش حالة شلل حقيقية. كلّ شيء توقّف، والرعب صار سيّد الموقف، ولم يكن أمام الوجهاء والجهات المحلية فيها سوى الرضوخ لمطالب الهيئة والقبول بها في ظل قصف الدبابات والرشاشات الثقيلة. لم يكن أمامهم خيار آخر". يُذكر أنّ عدد سكان بلدة الأتارب يبلغ اليوم نحو 20 ألف نسمة.
من جهته، يقول محمود عيسى من مدينة إدلب لـ"العربي الجديد" إنّ "أموراً كثيرة اختلفت بعد توسّع سيطرة هيئة تحرير الشام، خصوصاً في ما يتعلق بالضرائب التي تجبيها حكومة الإنقاذ. كأنّما الهمّ الأساسي للهيئة في الوقت الحالي هو جني المال من الناس بشتى الوسائل، بغضّ النظر عن الظروف الصعبة التي يمرّون بها في الوقت الحالي". يضيف عيسى أنّ "أبرز تلك المضايقات التي تستهدف الأهالي هي رسوم المحاكم التابعة للهيئة، ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بقضية حصر الإرث للأشخاص المقيمين في خارج سورية. في تلك الحال، يتوجّب على مقدّم المعاملة دفع مبلغ وقدره 100 دولار أميركي، بالتالي إذا كان عدد أفراد العائلة عشرة، فيتوجب عليهم إرسال تسجيل فيديو للوكيل مع سداد كل فرد منهم 100 دولار. وهو ما يحقق مكاسب كبيرة للهيئة من قضايا مماثلة".
كذلك يتحدّث عيسى عن "قضية فرض الضرائب على النظافة"، مؤكداً أنّ "هيئة تحرير الشام في الأساس، بل تحديداً حكومة الإنقاذ، ليست معنية بملاحقة الأهالي في قضية مماثلة. هذا أمر تتابعه البلديات". ويتابع أنّ "ثمّة سلسلة ضغوطات من قبيل رفع الرسوم المتعلقة بالسيارات، وهو ما تسبب في حالة تذمّر بين الأهالي. ومن الأمور التي لا تندرج من ضمن اختصاص قوى الهيئة ما يسمّى بإشغال الرصيف. وأذكر أنّ أحد أصحاب المحال التجارية بالقرب من بيتي كان يضع لوحة إعلانية لا يتجاوز ارتفاعها متراً واحداً وعرضها نصف متر، فأرغموه على إزالتها وسداد مبلغ 30 ألف ليرة سورية (نحو 60 دولاراً أميركياً) فضلاً عن سجنه لمدّة 24 ساعة عقاباً له. وهذا الضغط المستمر الذي يمارس على الأهالي في إدلب يتمّ على أساس توفير خدمات لهم، لكنّ الخدمات في الحقيقة غير متوفّرة، بل هي مبرّر لسلب الأهالي أموالهم".