كما ذكر موقع "كردستان برس" الإخباري المحلي، أنَّ عملية إنشاء النقاط الأميركية ستبدأ مطلع الشهر المقبل، بعد وصول المعدات اللوجستية والعسكرية من القواعد الأميركية في الحسكة، إلى النقاط المزمع إنشاؤها في ريف الرقة. وأشار إلى أنّ كل نقطة من النقاط الجديدة ستضم عدداً من عناصر القوات الأميركية، ومترجمين وسيارات دفع رباعي مصفّحة للتنقل، بالإضافة إلى عربات مدرعة وأسلحة خفيفة ومتوسطة.
وتأتي الخطوة الأميركية لتؤكد أن واشنطن تخطط لبقاء طويل الأمد في مجمل منطقة شرقي نهر الفرات التي تعتبر "سورية المفيدة" بنظر كثيرين، كونها المنطقة الأغنى بالثروات في سورية، لا سيما النفطية والمائية والزراعية. كما تندرج الخطوة الأميركية في سياق المناكفة للجانب الروسي الساعي إلى تغلغل كبير في شرقي نهر الفرات، لا سيما في محافظة الحسكة من خلال محاولته استمالة المكون العربي في المنطقة. كذلك، تغلق الخطوة الأميركية باب حوار ما بين "قسد" والنظام السوري برعاية روسية لم يصادف نجاحاً بسبب إصرار النظام على استعادة المنطقة من دون شروط ما خلا بعض حقوق ثقافية للأكراد.
وتسيطر "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، على الجانب الأكبر من محافظة الرقة التي تعدّ من المحافظات السورية الكبيرة لجهة المساحة. وتضع "قسد" يدها على كامل مساحة المحافظة في شرق وشمال نهر الفرات، ما خلا نقطة تمركز للروس وللنظام في منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي أقيمت أواخر العام الماضي بناء على تفاهم عسكري بين الروس و"قسد"، في محاولة من الأخيرة لمواجهة الجانب التركي والحيلولة دون اجتياحه منطقة "شرقي الفرات" كلها. كما تسيطر "قسد" على شريط بعمق أكثر من 10 كيلومترات جنوب نهر الفرات، بدءاً من قرية شعيب الذكر، مروراً بمدينة الطبقة الاستراتيجية التي تضم نهر الفرات حيث أكبر السدود في سورية، فضلاً عن كونها عقدة مواصلات مهمة تربط شرق البلاد بشمالها ووسطها.
ووضعت "قسد" بمساعدة أميركية، شبه حدود بين مناطقها ومناطق النظام، حيث أقامت أكثر من معبر مع الأخير أهمها معبر جنوبي مدينة الطبقة بنحو 15 كيلو متراً. وتسيطر "قسد" جنوب النهر على شريط قرى مهمة في ريف الرقة الغربي، منها الصفصافة، هنيدة، المنصورة، الهورة، والحمام التي يقع قربها سد "الحرية" (البعث سابقاً)، وصولاً إلى قرية "كسرة شيخ الجمعة" جنوب مدينة الرقة. وليس هناك وجود سكاني كردي ذو أهمية في المحافظة، ما عدا بضع قرى في ريف الرقة الشمالي باتت تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية عقب عملية "نبع السلام" أواخر العام الماضي، حيث سيطرت هذه الفصائل على مدينة تل أبيض وريفها. من جهتها، تسيطر قوات النظام على بضع قرى في ريف الرقة الجنوبي الغربي والجنوبي الشرقي، أبرزها قريتا السبخة ومعدان، إضافة إلى بادية المحافظة مترامية الأطراف.
ومن الواضح أنّ الجانب الأميركي بصدد ترتيب أوضاع منطقة "شرقي الفرات"، إذ يدفع باتجاه مصالحة كردية-كردية من خلال مفاوضات بين أحزاب "الإدارة الذاتية" الكردية التي تعد سلطة أمر واقع، وبين أحزاب "المجلس الوطني الكردي" المنضوي في صفوف المعارضة السورية، والذي يتلقى دعماً من إقليم كردستان، ولديه اتصالات مع الجانب التركي. وأكدت مصادر مطلعة أنّ الجانب الفرنسي منخرط أيضاً في جهود توحيد الصف الكردي استعداداً لمرحلة مقبلة من المرجح أن تتسارع فيها خطوات التوصل لحلّ سياسي في سورية، يريد الأكراد أن يضمن حقوقهم في دولة لا مركزية تعترف بحقوق الأكراد السوريين في مناطقهم.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن أواخر عام 2018، سحب قوات بلاده من سورية بعد الانتصار على تنظيم "داعش". وانسحبت قوات أميركية بالفعل من بعض القواعد ونقاط التمركز في منطقة شرقي نهر الفرات، وهو ما تسبب بقلق واسع النطاق لدى سكان المنطقة عموماً ولدى الأكراد خصوصاً الذين عارضوا الانسحاب الأميركي بسبب خشية من استغلال النظام ذلك للفتك بهم.
ولكن سرعان ما تراجعت واشنطن عن هذا القرار، إذ أبقت في البداية جنوداً لحماية "الكنز" وفق تعبير الرئيس الأميركي، في إشارة إلى حقول وآبار النفط في شرقي وشمالي شرقي سورية. غير أنّ واشنطن أعطت الجانب التركي في أكتوبر/تشرين الأول الفائت الضوء لشنّ عمل عسكري محدود في شرقي نهر الفرات على طول 100 كيلومتر وبعمق 30 كيلومتراً. وأعادت القوات الأميركية تمركزها في نقاط عدة في محافظة الحسكة للحيلولة دون وصول الروس والنظام إلى الثروة النفطية في منطقة شرقي نهر الفرات، إضافة إلى وجود عسكري كبير في ريف دير الزور الذي يضم حقولاً كبرى للنفط.