واشنطن تعود لحلفائها بمواجهة إيران: فصل النووي عن "الأذرع"

21 ابريل 2017
اتهم ماتيس إيران بزعزعة استقرار الشرق الأوسط(جوناثان إرنست/فرانس برس)
+ الخط -
صعدت الولايات المتحدة من خطابها تجاه إيران، مجدداً، تزامناً مع جولة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في المنطقة، في إطار توثيق الولايات المتحدة لعلاقاتها مع حلفائها، بعد مرحلة من البرود التي رافقت حقبة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وتشمل جولة ماتيس كلاً من السعودية وقطر ومصر وإسرائيل وجيبوتي.

وجدد وزير الدفاع الأميركي، يوم الأربعاء، من العاصمة السعودية الرياض، اتهاماته لطهران بـ"أداء دور في زعزعة استقرار الشرق الأوسط"، في الوقت الذي أكدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من واشنطن، أنها في صدد "مراجعة" الاتفاق النووي مع إيران، على لسان وزير الخارجية ريكس تيلرسون.

ويأتي تصعيد الخطاب الأميركي ضد طهران، في ظل استعراض أميركي كبير للقوة عالمياً، قبل إنهاء ترامب المائة يوم الأولى الهامة في إدارته، والتي يسعى خلالها إلى تأكيد عودة الولايات المتحدة لأداء دور أكبر في السياسات الدولية.


وبدأ ترامب إعلانه قطيعته مع سياسات سلفه أوباما، والتي تُوصف بالانكفائية، من خلال الضربة الصاروخية التي استهدفت قاعدة الشعيرات في سورية، بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي في خان شيخون، في خطوة لإعادة الاعتبار لـ"الخط الأميركي الأحمر" إزاء استخدام السلاح الكيميائي.

كما صعدت الإدارة الأميركية ضد كوريا الشمالية، وأرسلت واشنطن ثلاث حاملات طائرات إلى شبه الجزيرة الكورية بعد قيام بيونغ يانغ بتجارب صاروخية، علاوة على توسيع نطاق العمليات الأميركية ضد تنظيمي القاعدة و"الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسورية وأفغانستان. واستخدمت القوات الأميركية "أم القنابل" لقصف مواقع لـ"داعش" في أفغانستان، وهي القنبلة التي تزن 11 طناً وتعتبر أكبر قنبلة غير نووية، في استعراض كبير للقوة. 

ويُعرف ماتيس بآرائه المتشددة ضد إيران في ما يتجاوز طموحاتها النووية، إذ يرى أن طهران "دولة راعية للإرهاب" وتهدد استقرار المنطقة من خلال "دعمها مليشيات إرهابية"، علاوة على "تهديدها الملاحة في الخليج" و"تطويرها صواريخ باليستية". وهذه التأكيدات كانت قبل توليه إدارة وزارة الدفاع (البنتاغون)، وسبباً في خلافاته مع إدارة أوباما، ما دفعه للتقاعد آنذاك. 

عودة واشنطن إلى حلفائها

وبعد اجتماع وزير الدفاع الأميركي بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي ولي العهد، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، أكد ماتيس أن الولايات المتحدة "تدرس زيادة دعمها المقدم للتحالف الذي يقاتل في اليمن بقيادة السعودية".

وقال ماتيس لصحافيين في الرياض، يوم الأربعاء، إنه "علينا التغلب على مساعي إيران لزعزعة استقرار المنطقة وتشكيل مليشيات على غرار حزب الله في لبنان"، في إشارة إلى دعم الإيرانيين لمليشيات الحوثيين في اليمن. وأضاف "ستجد إيران تقف وراء أي مشكلة في المنطقة". وأكد وزير الدفاع الأميركي أن هدف الولايات المتحدة "التوصل إلى حل سياسي في اليمن من خلال مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة".

وكانت تسريبات أميركية تشير إلى نية الولايات المتحدة تقديم دعم أكبر للسعودية في اليمن. الأمر الذي أشار إليه ماتيس في زيارته السابقة للسعودية قبل أسابيع. وبحسب وكالة رويترز، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد يزور السعودية في مايو/ أيار المقبل، في خطوة ينتظر منها تجاوز "مرحلة أوباما" بصورة نهائية، وعودة التحالف السعودي – الأميركي إلى سابق عهده، مع بلورة الإدارة الأميركية لرؤية سياسية تميل للاستراتيجية التقليدية في التعاطي مع المنطقة، من خلال تعميق التحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة.

وكانت العلاقات السعودية – الأميركية دخلت في مرحلة تأزم في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والذي كان مصراً على عقد اتفاق ينهي أزمة طموحات إيران النووية بشكل سلمي وبأي ثمن.

وترى دول الخليج أن أوباما تجاهلها خلال عقد الاتفاق، كما تجاهل تدخلات إيران في المنطقة ومساعيها لزعزعة استقرار دول عربية والهيمنة عليها. وتعول دول الخليج على دعم أميركي أكبر في مواجهة طموحات طهران التوسعية في المنطقة.

ويتقاسم الرئيس الأميركي مع قادة الخليج انتقاداتهم للاتفاق النووي مع إيران، والذي وصفه ترامب بـ"الأسوأ في التاريخ". وسبق أن وعد أثناء حملته الانتخابية بتمزيقه فور وصوله إلى البيت الأبيض، إلا أن وزير الدفاع جيمس ماتيس يعارض إلغاء الاتفاق ما دامت طهران ملتزمة به، لكن هذا لن يعفي إيران من مواجهة إجراءات أميركية مشددة أخرى في حال الإخلال بالاتفاق.

مراجعة الاتفاق النووي

وكانت إدارة ترامب قد أعلنت، الأربعاء أيضاً، أنها في صدد مراجعة رفع العقوبات ضد طهران، وبحث ما إذا كان رفع العقوبات عنها يمثل مصلحة قومية أميركية أم لا.

وأكد وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، أن إيران "لا تزال ملتزمة بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في 2015"، إلا أنه شدد على أن إيران "دولة راعية للإرهاب"، ما يثير الكثير من المخاوف بشأنها، بحسب تيلرسون.

وهذه هي المرة الأولى التي تخطر فيها وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس بالتزام إيران بالاتفاق، إذ ينص الاتفاق على ضرورة إخطار وزارة الخارجية للكونغرس بمدى التزام طهران بصورة دورية، كل 90 يوماً.

وأكد تيلرسون لرئيس مجلس النواب، زعيم الأغلبية الجمهورية، بول راين، أن إيران "كانت حتى 18 إبريل/ نيسان تنفذ التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي مع طهران.

وأضاف تيلرسون في خطابه لراين "الرئيس دونالد ترامب وجّه بمراجعة تقوم بها الوكالات (الحكومية) تحت إشراف مجلس الأمن القومي لخطة العمل الشاملة المشتركة لتقييم ما إذا كان تعليق العقوبات ضد إيران… سيكون ضرورياً لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة".

سيناريوهات مستقبلية 

من غير المتوقع، وفق المعطيات الحالية، أن تلغي الولايات المتحدة الاتفاق النووي مع طهران. إذ لا يبدو أن واشنطن تمتلك الآن بديلاً عن الاتفاق لمواجهة طموحات إيران النووية. إلا أن الإدارة الأميركية تملك الكثير من الأوراق للعب بها، ومحاصرة إيران في المنطقة.

ومن المرجح أن تعمل واشنطن على مواجهة إيران من خلال سياستين. تعمد الأولى إلى فرض المزيد من العقوبات الأميركية على إيران، ومحاولة عزلها أكثر على الصعيد الدولي، من دون الإخلال بالاتفاق النووي، والذي جاء مقابل "رفع العقوبات الدولية" التي يقرها مجلس الأمن الدولي، لا العقوبات الفردية للدول.

ويأتي هذا التوجه في سياق عدم رفع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، للعقوبات الأميركية عن طهران، وإضافة الكونغرس أخيراً عقوبات جديدة مشددة.

أما السياسة الأميركية الثانية المتوقعة لمواجهة طهران، فستتضمن دعماً عسكرياً واستخباراتياً أكبر للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، لمواجهة المليشيات الحوثية الموالية لإيران، إضافة إلى مواجهة المليشيات الموالية لها في العراق وسورية.