"لا تخلي أميركياً عن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين". رسالة سارعت واشنطن إلى إيصالها عبر المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، في وقت متأخر من يوم أمس الجمعة، وذلك بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، حول وجود حدود لدور الولايات المتحدة في المفاوضات، وتأكيده أن الولايات المتحدة "تدرس ما إذا كانت ستواصل دورها في محادثات السلام في الشرق الأوسط، بعدما اتخذ الطرفان (الفلسطيني والإسرائيلي) خطوات لا تفيد في المفاوضات".
ويبدو عدم التراجع واضحا من خلال الحديث عن لقاء جديد سيجمع المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين، الأحد، بحضور المبعوث الأميركي مارتن إنديك، لإنقاذ عملية السلام، وذلك بحسب ما أفادت وكالة "فرانس برس".
لكن التأكيد على استمرار الجهود الأميركية، لم يكن الرسالة الوحيدة التي أراد إرنست إيصالها، إذ تولى الأخير الدفاع عن جهود كيري، بعدما وجّهت انتقادات عديدة إلى وزير الخارجية الأميركي، وحُمّل جزءاً من المسؤولية عن فشل المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. تحميله المسؤولية أتى باعتباره الوسيط الذي تولى قيادة المفاوضات عبر زيارات مكوكية إلى القدس المحتلة ورام الله، وحتى عقد لقاءات، وتحديداً مع الطرف الفلسطيني في الأردن وفرنسا.
ووصف إرنست، في تصريحات صحافية، نقلت "فرانس برس" جزءاً منها، كيري بأنه "لا يكلّ". وأكد أن محاولة استئناف عملية السلام الإسرائيلية -الفلسطينية، لم تكن مضيعة للوقت، لأن الرهانات كانت عالية. وشدد على أن "كيري قام بجهود دؤوبة في محاولة الوصول إلى أرضية مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
إلا أن الدعم الأكبر لكيري، جاء على لسان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إذ نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مساعد لأوباما - حضر اجتماع الأخير مع فريقه للأمن القومي، يوم أمس الجمعة - حديث الرئيس الأميركي عن التقارير التي تشير إلى أن البيت الأبيض لديه تحفظات بشأن نهج كيري. وقال "أرى الكثير من كبار المسؤولين ينقلون عن كيري وعملية السلام في الشرق الأوسط "، قبل أن يضيف: "أنا أكبر مسؤول، وليس لدي أي شيء سوى الإعجاب بكيفية تعامل جون معه (الملف)".
هذا الدعم من أوباما لا يلغي، بحسب ما نقلته "نيويورك تايمز"، حقيقة أنه "بعد ثمانية أشهر من الدبلوماسية، وأكثر من عشر رحلات إلى المنطقة، ودورات لا نهاية لها من التفاوض، استمرت حتى وقت متأخر من الليل، مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، اضطر كيري أن يعترف بأنه اصطدم بحائط عال جداً خلال المفاوضات". وهو ما وصفته في تقرير بعنوان "الولايات المتحدة تعيد تقييم وضع المحادثات في الشرق الأوسط"، بأنه "اختبار بالنسبة لشخص دائم التفاؤل وصاحب طاقة تبدو بلا نهاية".
واعتبرت الصحيفة أنه خلال حديث كيري في الرباط، الذي أشار فيه إلى مراجعة الولايات المتحدة لدورها في المفاوضات، كان يوجد "صدى للإحباط الذي واجهه وزير الخارجية الأميركي السابق، في عهد جورج بوش الأب في عام 1990، جيمس بيكر، عندما قال للفلسطينيين والإسرائيليين خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي "عندما تكونون جديّين في السلام اتصلوا بنا".
ووفقاً للصحيفة، لا يتجه كيري للاستسلام، لكنه مضطر، على غرار بيكر، إلى التعامل مع طرفين مشلولين من خلال التعنت والوقوع في فخ الرد على الاستفزازات. وهو ما ظهر في إعلان إسرائيل عن مشاريع استيطانية جديدة ورفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى. الأمر الذي دفع الفلسطينيين إلى الرد على ذلك، والتوقيع على الانضمام إلى عدد من المنظمات الدولية وإصدار لائحة مطالب جديدة.
وكان كيري قد دفع بالجهود الأميركية في محادثات السلام إلى أعلى مستوياتها، في محاولة لتحدي الجهود الفاشلة لأوباما في ولايته الرئاسية الأولى. وهو ما دفعه أيضاً للإعلان أن هدفه تحقيق اتفاق سلام شامل في غضون تسعة أشهر، بوصفه "علامة خاصة" لدبلوماسيته، ولا سيما أنه، وفقاً لـ"نيويورك تايمز"، ليس لديه ما يخسره، على اعتبار أنه يرى أن وظيفته الحالية ذروة حياته المهنية.
وفيما يتهم محللون إسرائيليون، كيري، بأنه فشل في تبديد تصور الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن إفراج إسرائيل عن 104 أسرى فلسطينيين سيشمل المواطنين الفلسطينيين في الداخل، حمّل مسؤول أميركي، شارك في المحادثات، كيري المسؤولية بطريقة غير مباشرة عن الإخفاق.
وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، خوفاً من إغضاب كيري، "زُرعت بذور (سوء الفهم) هذا في وقتٍ مبكر جداً". وأضاف "الفجوة هي في ما سمعه كل طرف من كيري".
من جهته، أكد المسؤول الأميركي السابق في الشرق الأوسط، روبرت دانين، والذي يعمل حالياً في مجلس العلاقات الخارجية، أن "الخطة التي طرحها كيري للتوصل إلى اتفاق، كان يجب أن تكون آخر ورقة يقدمها كيري". واعتبر أنه "نظراً إلى مدى دفعه بهذه العملية، فإن هذا يوحي لي بأن كيري يمكن أن يتوقف مؤقتاً عن جهوده للتوصل الى اتفاق سلام، لكنه لن يتخلى عن ذلك".
هذا الترجيح توافق عليه أيضاً "واشنطن بوست"، إذ إن كيري - وفقاً للصحيفة التي نشرت تقريراً بعنوان "مع تعثر مفاوضات السلام الفلسطينية ـ الإسرائيلية يتعين على كيري تحديد كيف سيمضي قدماً"- كان عندما يصيب اليأس، من آفاق السلام في الشرق الأوسط، مساعديه، يقول لهم: "لا تخافوا من أن يقبض عليكم وأنتم تحاولون".
لكن وفقاً للصحيفة، هناك مسؤولون رفيعو المستوى في دائرة كيري وفي البيت الأبيض، يعتقدون أن الوقت اقترب، للقول له "كفى". ووفقاً لعدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، الذين تحدثوا للصحيفة، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، يخاطر كيري بأن "يُنظر إليه على أنه يبذل جهداً كبيراً على حساب مجموعة من القضايا الدولية الملحّة الأخرى، وربما حتى على حساب سمعته".
وقال أحد هؤلاء "ستأتي لحظة، سيكون على كيري أن يخرج ويعترف بالفشل". وأضاف "يحتاج كيري إلى خفض الصوت، ورؤية كيف ستسير الأمور". لكن مسؤولا مقربا من كيري، نقلت عنه الصحيفة قوله إن "المكاسب الممكنة تستحق المخاطرة بالفشل، أو أن يُنظر إليك على أنك متحمس جداً".