مرور الصاروخ الكوري الشمالي العابر فوق الأراضي اليابانية، فاجأ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزاد من إحراجها، كما من درجة الشعور بالعجز في واشنطن.
كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية، رفع سقف التحدي بخرقه لأجواء حليف استراتيجي لأميركا، التي تربطها به معاهدة دفاعية تلزمها بحمايته، فهدّد بتغيير قواعد اللعبة وعزّز من احتمالات الخيار العسكري الأميركي، ولو أنّ كفة خيار الاحتواء ما زالت راجحة.
فإلى جانب ترامب، تعالت أصوات أميركية مؤثرة، ترى أنّ الرد العسكري الوقائي، صار له ما يبرره، أو على الأقل لم يعد مستبعداً. فالصاروخ الحربي عبَرَ الأجواء اليابانية لأول مرة، باستثناء مرتين سابقتين في عامي 1998 و2004، حين أطلقت كوريا الشمالية صواريخ ناقلة لأقمار صناعية بعد أن أبلغت طوكيو بالأمر مسبقاً.
الآن المسألة مختلفة. فخط سير الصاروخ يحمل رسالة استفزازية ساخنة، خاصة وأنّه قطع مسافته المقررة بدقة، والتي لا ينقصها سوى 600 ميل، للوصول إلى جزيرة غوام العسكرية الأميركية التي هدد الرئيس كيم جونغ أون بضربها.
تطور خضّ واشنطن وكاد يطغى على المشهد، لولا الانشغال بإعصار تكساس المدمّر. فالزعيم الكوري الشمالي بات يمسك بزمام المبادرة. هو يقرر التسخين والتبريد. يتحكّم بمنحى الأزمة. فرض على الإدارة الأميركية الاكتفاء برد الفعل. وزاد الطين بلّة أنّ، ردودها ما زالت متخبطة ومتضاربة.
ترامب كرّر التحذير بأنّ "كل الأوراق على الطاولة"، وأنّه لم يعد يرى فائدة من "الدبلوماسية لتخفيف حدة التوتر"، في حين أكّد وزير الدفاع جيمس ماتيس، أنّ واشنطن "لم تبارح السعي نحو حل دبلوماسي".
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، كان هو الآخر من الفريق الذي يرى أنّه "لا حل عسكرياً" للمشكلة مع كوريا الشمالية. وحتى المتشدّد ستيف بانون مستشار ترامب، كان قبل إقالته من أصحاب هذا الموقف.
إلى جانب أركان الإدارة هؤلاء، شدّد فريق واسع من نخب السياسة الخارجية وحتى العسكرية، على وجوب منح الأولوية للطرق السلمية، كما حمل على ترامب تعامله مع الأزمة من الأساس، بلغة "الغضب والنار".
الآن تبدّلت اللهجة، فحتى الأوساط التي تعاملت بحذر مع الأزمة، بدا لها أنّ تمادي الزعيم الكوري الشمالي في تصرّفه غير المسؤول "جعل من خيار الضربة الوقائية احتمالاً جدياً، بالرغم من مخاطره وكلفته العاليتين" كما يقول ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية للدراسات والأبحاث.
وبذلك تعزّزت ولأول مرة، كفة عدم استبعاد وقوع مواجهة عسكرية في شبه الجزيرة الكورية. سيناريو تزداد احتمالاته من باب أنّ كوريا الشمالية، تمارس هذه التحديات وفق "استراتيجية تقوم على مجازفة مدروسة بعناية، هدفها تمرير استكمالها لمشروعها النووي الصاروخي من دون ترك الأمور تنزلق إلى مواجهة عسكرية"، حسب قراءة "المجموعة البحثية في الأزمات الدولية" بواشنطن، وذلك على أساس أنّ "رفع منسوب التوتر يلائم كوريا الشمالية".
لكن التحكّم بعدم الانزلاق غير مضمون. دينامية التطورات قد لا تسمح بذلك. فلو سقط الصاروخ على أرض اليابان التي دخلت على الخط، وشهدت حالة من الاستنفار السياسي، لكانت الصورة مختلفة. ومن هنا كان تحذير وزارة الخارجية الصينية التي لفتت إلى أنّ الأزمة بلغت ذروتها.
منذ البداية، تعاملت واشنطن مع التجارب الصاروخية النووية الكورية الشمالية، بمزيج من الدبلوماسية والردع، من خلال تحذير بيونغ يانغ من أنّ "كل الأوراق على الطاولة".
التلويح بالورقة العسكرية ترافق مع القوة الليّنة، خاصة الاستعانة بالصين وبقرارات مجلس الأمن والعقوبات والاتصالات، بعيداً عن أضواء الكوريين، في الأمم المتحدة بنيويورك.
استمرّت المساعي بدرجات متفاوتة في هذا المنحى، وبما سمح باستمرار عملية الاحتواء كأسلم الخيارات ولو أنّها انتكست أكثر من مرة. الآن ثمة تخوّف متزايد في واشنطن من الانجرار إلى عمل عسكري. لا تهديدات ترامب نفعت ولا انفتاحات تيلرسون الدبلوماسية نجحت.
في ضوء ذلك أخذت مقولة "كل الأوراق على الطاولة"، شحنة من الزخم، في لحظة بدأت الأزمة مع كوريا الشمالية فيها تدنو من الدخول في منعطف خطير، إذا تعذّر إخراجها عن سكتها الراهنة.