30 أكتوبر 2024
واشنطن وموسكو: من يصرخ أولا؟
دخلت العلاقات الأميركية الروسية مرحلة دقيقة وحادة، في ضوء رفض الولايات المتحدة إعطاء روسيا الاتحادية أيا من مطالبها السياسية والاستراتيجية، ما وضعها في موقفٍ حرجٍ، ودفعها إلى تصعيد خطواتها السياسية والعسكرية في أكثر من ملف وقضية تمس مصالح واشنطن وحلفائها، من مباركة هجوم إيران والنظام السوري على الغوطة الشرقية، وتغطيته سياسيا وإعلاميا، ومشاركة طائراتها في القصف والتدمير، إلى إعطاء تركيا الضوء الأخضر لمهاجمة عفرين، وضرب حلفاء واشنطن في سورية، مرورا بالتحرّك في ألبانيا لعرقلة مرور أنبوب غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر مياهها، وقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، والتحرّك النشط في ليبيا واليمن، وإرسال غواصةٍ تعمل بالطاقة النووية، وتحمل صواريخ نووية إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، لإظهار قيادتها المعسكر المنتصر في الشرق الأوسط، من جهة، وتجسيد قدرتها على المسّ بالولايات المتحدة وبشركائها، من جهة ثانية. كل ذلك من أجل دفع الولايات المتحدة إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض، واحترام روسيا لاعبا دوليا لا غنى عن التنسيق معه، بعد أن تجمعت لديها معطياتٌ عن مضي واشنطن في مساعيها إلى تعقيد الوضع أمامها أكثر، وحرمانها من استثمار إنجازاتها العسكرية في سورية، في صياغة الحل فيها، وفق أهدافها ومصالحها، وفق ما أورده موقع "مونيتور" الروسي، وإنها (واشنطن) أكثرت من الخطوات التي فاجأت الروس، سواء في جعل شمال شرقي سورية محميةً أميركية، أو في وضع اليد على معبر التنف، أو في ردع مرتزقة روسيا، حين اقتربوا من حقول النفط في محافظة دير الزور.
قاد فشل موسكو في دفع واشنطن إلى القبول بمطالبها إلى التصعيد في نشاطها العسكري، حتى لو كلفها ذلك خسائر، أو تطلب زيادة نفقاتها العسكرية في سورية، بإرسال تعزيزاتٍ عسكريةٍ
إلى سورية، وسماحها بإرسال دفعاتٍ جديدة من المتعاقدين الروس الذين يقاتلون، بصفة غير رسمية، إلى جانب قوات النظام السوري، وتعزيز التنسيق الميداني مع شريكيها التركي والإيراني، وتجيير السلوك الإيراني لخدمة مخططها، لاستكمال استعداداتها من أجل توسيع المواجهة مع واشنطن، ومع الفصائل المدعومة منها، في المرحلة المقبلة.
شكل التحرك الروسي الهجومي في أكثر من منطقة، أوكرانيا وسورية، والسياسي، في ليبيا واليمن، تحولا في الاستراتيجية الروسية التي كانت قد اعتمدت سياسة التكيف والدفاع، حتى بات الرئيس فلاديمير بوتين، في نظر المراقبين "رئيسا في الحرب"، في ضوء توجهه نحو الاحتكاك بالولايات المتحدة، باعتباره (الاحتكاك) مدخلا لاستعادة عظمة روسيا. هدف يستدعي أن يكون العدو كبيرا، مع إدراكه أن واشنطن قادرةٌ، إذا قرّرت الرد على المساعي الروسية إلى تقويض موقعها الجيوسياسي في العالم، على تكبيد روسيا خسائر باهظة في الشرق الأوسط، وانخراطه في سباق تسلح معها، ورصده موازنةً ضخمة للإنفاق العسكري، فقد أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، عن موافقة الرئيس بوتين، قبل إلقائه خطابه عن حالة الاتحاد يوم 1/3/2018، على موازنة دفاعية جديدة، تمتد بين 2018- 2027، تقدر بأكثر من 250 مليار دولار. علماً أن النفقات العسكرية الروسية عام 2011 وصلت إلى قرابة تريليوني روبل (ما يعادل 60 مليار دولار)، وشكَّلت 19% من مجموع نفقات الموازنة العامة للدولة، حسب تصريح وزير المالية الروسي السابق، ألكسي كودرين، نفقات بلغت ما نسبته 4.8% من إجمالي الناتج المحلي، يعتبر أعلى بكثير من المتوسط العالمي للنفقات العسكرية، تنفق كل من الصين والولايات المتحدة 2.2% و 3.5% من إجمالي الناتج المحلي، على التوالي. وهو ما يمثل عبئاً ثقيلاً على دولةٍ تعاني من تدهور اقتصادها، تنفق حوالي ثلث ميزانيتها على الدفاع، ويتزايد فقرها، ويتدنّى فيها الاهتمام الحكومي بالتنمية، تكرّر قيادتها أخطاء النظام السوفييتي الذي ركز على القوة العسكرية، وأهمل التنمية وتحسين حياة المواطنين عبر تطوير البنى التحية والخدمية والمعيشية، حتى شاع وصفه بعملاق بساق جبارة (العسكرية) وأخرى هزيلة (الاقتصادية)، وهذا أدى إلى انهياره المدوي.
جاءت استجابة الولايات المتحدة للتحديين، الروسي والصيني، لكنه خارج موضوعنا، بتبنّي ما أسماه الزميل البارز في مركز العمل الوقائي في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ميكا زينكو، "سياسة القوى العظمى"، و"المنافسة الجيوسياسية"، مذكّرا بما ورد في "وثيقة الاستراتيجية الأميركية" أن "المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي للأمن القومي في الولايات المتحدة". و"هذا يعني أن الصين وروسيا أصبحتا على رأس أولويات مخططي الدفاع، وليس "داعش" أو "القاعدة" أو الإرهابيين الموجهين ذاتياً، والذين يقيمون في الولايات المتحدة أو خارجها". وهذا قادها إلى أخذ إجراءات عسكرية وسياسية واقتصادية متتالية، للتضييق على روسيا، بدءا من تعزيز حضورها العسكري في عدة مناطق سورية. وقد ارتفع عدد القواعد الأميركية في المنطقة إلى 25 قاعدة عسكرية، وأنهم يواصلون بناء قواعد جديدة، وفق تصريح العقيد الروسي المتقاعد، ألكسندر زيلين، ما دفع
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى القول: "لاحظنا في الأشهر الأخيرة أن الولايات المتحدة أخذت ترسخ وجودا جديا على الضفة الشرقية للفرات، وعلى مساحات كبيرة من الأراضي السورية حتى الحدود مع العراق، وهي لا تنشر قواتها وتعزّز منشآتها ومواقعها العسكرية هناك فحسب، بل ترعى وتمول تشكيل هيئات سلطة محلية موازية خاضعة لها". وأضاف "إنهم يديرون حربا مباشرة وليس بالوكالة"، وانتقاد وزارة الدفاع الروسية لها "لرفضها تسليم الأجزاء التي تسيطر عليها شرق مدينة دير الزور إلى الحكومة السورية"، إلى تحميلها روسيا مسؤولية قتل المدنيين، على خلفية تغطيتها ممارسات النظام، وخصوصا في موضوع استخدام الأسلحة الكيماوية، وطرحها الموضوع على مجلس الأمن الدولي بشكل متواتر، وتنسيقها عملية طرد جماعي لدبلوماسيين روس، ردا على استخدام روسيا غاز الأعصاب، لقتل جاسوس روسي سابق يعيش في المملكة المتحدة (طرد أكثر من 150 دبلوماسيا روسيا من 24 دولة غربية)، وفرض مزيدٍ من العقوبات عليها (الأخيرة كانت يوم 6 /4 /2018، طاولت سبعة أثرياء من دائرة الرئيس الروسي بوتين، و12 شركة و 17 مسؤولاً، وشركة للاتجار بالأسلحة مملوكة للدولة الروسية، وأحد فروعها، بالإضافة إلى مصرف).
دخلت العلاقات الأميركية الروسية طورا خطيرا، وقد أكد استبدال وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر، باثنين من صقور اليمين الأميركي، مايك بومبيو وجان بولتون، للمنصبين على التوالي، التوجه إلى الضغط أكثر على روسيا، اعتبر سيرغي جيليزنياك، وهو نائب في البرلمان الروسي (الدوما)، أن آمال ترامب معقودة على أن بومبيو سيكون أكثر "صقوريةً" في القضايا التي ستُملى عليه. وبهذا المعنى، علينا أن ننتظر من بومبيو مواقف أكثر تشدّدا في سياسة الولايات المتحدة الخارجية". وقد ذهبت قراءاتٌ إلى أن المهمة الرئيسة الملقاة على بومبيو هي التضييق على روسيا لإخراجها من سورية، لأن ترامب يسعى إلى الضغط على موسكو، كي تُغير سياستها في الشرق الأوسط بشكل كامل. وبهذا سيتمكّن من تحقيق وعده الانتخابي لمعالجة القضية الإيرانية، وفق رؤيته.
وقد دفع تصاعد الخلاف الأميركي الروسي ومآلاته المحتملة السفير الفرنسي السابق في سورية، ميشال دوكلو، إلى أن يكتب، في مقالة نشرها في صحيفة الشرق الأوسط (28/3/2018) "لم نبلغ الفصل الأخير في سورية بعد": "ما زلنا في خضم سيناريو الحرب بالوكالة، لكننا بتنا في مواجهة خطر التصعيد الحقيقي بين مختلف الأطراف العسكرية للقوى الإقليمية والدولية، والذي سيسفر عن نشوب صراع إقليمي مسلح".
قاد فشل موسكو في دفع واشنطن إلى القبول بمطالبها إلى التصعيد في نشاطها العسكري، حتى لو كلفها ذلك خسائر، أو تطلب زيادة نفقاتها العسكرية في سورية، بإرسال تعزيزاتٍ عسكريةٍ
شكل التحرك الروسي الهجومي في أكثر من منطقة، أوكرانيا وسورية، والسياسي، في ليبيا واليمن، تحولا في الاستراتيجية الروسية التي كانت قد اعتمدت سياسة التكيف والدفاع، حتى بات الرئيس فلاديمير بوتين، في نظر المراقبين "رئيسا في الحرب"، في ضوء توجهه نحو الاحتكاك بالولايات المتحدة، باعتباره (الاحتكاك) مدخلا لاستعادة عظمة روسيا. هدف يستدعي أن يكون العدو كبيرا، مع إدراكه أن واشنطن قادرةٌ، إذا قرّرت الرد على المساعي الروسية إلى تقويض موقعها الجيوسياسي في العالم، على تكبيد روسيا خسائر باهظة في الشرق الأوسط، وانخراطه في سباق تسلح معها، ورصده موازنةً ضخمة للإنفاق العسكري، فقد أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، عن موافقة الرئيس بوتين، قبل إلقائه خطابه عن حالة الاتحاد يوم 1/3/2018، على موازنة دفاعية جديدة، تمتد بين 2018- 2027، تقدر بأكثر من 250 مليار دولار. علماً أن النفقات العسكرية الروسية عام 2011 وصلت إلى قرابة تريليوني روبل (ما يعادل 60 مليار دولار)، وشكَّلت 19% من مجموع نفقات الموازنة العامة للدولة، حسب تصريح وزير المالية الروسي السابق، ألكسي كودرين، نفقات بلغت ما نسبته 4.8% من إجمالي الناتج المحلي، يعتبر أعلى بكثير من المتوسط العالمي للنفقات العسكرية، تنفق كل من الصين والولايات المتحدة 2.2% و 3.5% من إجمالي الناتج المحلي، على التوالي. وهو ما يمثل عبئاً ثقيلاً على دولةٍ تعاني من تدهور اقتصادها، تنفق حوالي ثلث ميزانيتها على الدفاع، ويتزايد فقرها، ويتدنّى فيها الاهتمام الحكومي بالتنمية، تكرّر قيادتها أخطاء النظام السوفييتي الذي ركز على القوة العسكرية، وأهمل التنمية وتحسين حياة المواطنين عبر تطوير البنى التحية والخدمية والمعيشية، حتى شاع وصفه بعملاق بساق جبارة (العسكرية) وأخرى هزيلة (الاقتصادية)، وهذا أدى إلى انهياره المدوي.
جاءت استجابة الولايات المتحدة للتحديين، الروسي والصيني، لكنه خارج موضوعنا، بتبنّي ما أسماه الزميل البارز في مركز العمل الوقائي في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ميكا زينكو، "سياسة القوى العظمى"، و"المنافسة الجيوسياسية"، مذكّرا بما ورد في "وثيقة الاستراتيجية الأميركية" أن "المنافسة الاستراتيجية بين الدول، وليس الإرهاب، هي الآن الشاغل الرئيسي للأمن القومي في الولايات المتحدة". و"هذا يعني أن الصين وروسيا أصبحتا على رأس أولويات مخططي الدفاع، وليس "داعش" أو "القاعدة" أو الإرهابيين الموجهين ذاتياً، والذين يقيمون في الولايات المتحدة أو خارجها". وهذا قادها إلى أخذ إجراءات عسكرية وسياسية واقتصادية متتالية، للتضييق على روسيا، بدءا من تعزيز حضورها العسكري في عدة مناطق سورية. وقد ارتفع عدد القواعد الأميركية في المنطقة إلى 25 قاعدة عسكرية، وأنهم يواصلون بناء قواعد جديدة، وفق تصريح العقيد الروسي المتقاعد، ألكسندر زيلين، ما دفع
دخلت العلاقات الأميركية الروسية طورا خطيرا، وقد أكد استبدال وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر، باثنين من صقور اليمين الأميركي، مايك بومبيو وجان بولتون، للمنصبين على التوالي، التوجه إلى الضغط أكثر على روسيا، اعتبر سيرغي جيليزنياك، وهو نائب في البرلمان الروسي (الدوما)، أن آمال ترامب معقودة على أن بومبيو سيكون أكثر "صقوريةً" في القضايا التي ستُملى عليه. وبهذا المعنى، علينا أن ننتظر من بومبيو مواقف أكثر تشدّدا في سياسة الولايات المتحدة الخارجية". وقد ذهبت قراءاتٌ إلى أن المهمة الرئيسة الملقاة على بومبيو هي التضييق على روسيا لإخراجها من سورية، لأن ترامب يسعى إلى الضغط على موسكو، كي تُغير سياستها في الشرق الأوسط بشكل كامل. وبهذا سيتمكّن من تحقيق وعده الانتخابي لمعالجة القضية الإيرانية، وفق رؤيته.
وقد دفع تصاعد الخلاف الأميركي الروسي ومآلاته المحتملة السفير الفرنسي السابق في سورية، ميشال دوكلو، إلى أن يكتب، في مقالة نشرها في صحيفة الشرق الأوسط (28/3/2018) "لم نبلغ الفصل الأخير في سورية بعد": "ما زلنا في خضم سيناريو الحرب بالوكالة، لكننا بتنا في مواجهة خطر التصعيد الحقيقي بين مختلف الأطراف العسكرية للقوى الإقليمية والدولية، والذي سيسفر عن نشوب صراع إقليمي مسلح".