يعدّ الاحتلال للطعن ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية الشروع في فحص ما إذا كان جيش الاحتلال قد ارتكب جرائم حرب في حربه الأخيرة على غزة، وذلك استجابة لطلب دولة فلسطين، مستنداً على مجموعة من الحجج، أعدتها الدائرة القانونية في وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وفي تحقيق نشرته النسخة العبرية لموقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" الجمعة الماضي، كشف الصحافي إيتمار آيخنر عن وثيقة مصنفة "سرية جداً" أعدتها الدائرة القانوينة وتتضمن مرتكزات الخط الدفاعي الذي ستستند إليه إسرائيل في الرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية.
ويشير آيخنر إلى أن عصب الدفاع الإسرائيلي ينطلق من افتراض مفاده بأن المحكمة الجنائية الدولية غير مؤهلة للنظر في القضايا التي ترفعها فلسطين لأن الأخيرة لا تمثل دولة. وحسب آيخنر، فإن الوثيقة توظف الانقسام الفلسطيني بشكل كبير في تسويغ موقفها، إذ تدعي أن عدم سيطرة "فلسطين" على قطاع غزة ينسف أهم مسوغ حسب القانون الدولي للاعتراف بدولة ما، ألا وهو سيطرتها على كل مناطق نفوذها. ويتضح مما جاء في الوثيقة، أن إسرائيل تتحوط لإمكانية أن يرد الفلسطينيون على هذا الطعن بالقول إنه قد تم تشكيل حكومة "الوفاق الوطني" التي تتولى إدارة مقاليد الأمور في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وتدعي الوثيقة أن حكومة الوفاق تشكلت بالتعاون مع حركة "حماس" التي تعتبر تنظيماً "إرهابياً"، وبالتالي لا يجدر بمحكمة دولية التعاطي مع "دولة حكومتها تضم تنظيماً إرهابياً". ويذكر أن حركة "حماس" لا تشارك في حكومة الوفاق الوطني، التي يرأسها رامي الحمد الله. ولا يفوت الوثيقة التذكير بأن حركة "حماس" ترفض الشروط التي حددتها اللجنة الرباعية للحركات والأحزاب التي من حقها المشاركة في أية حكومة فلسطينية، وهي "الاعتراف بإسرائيل ونبذ الإرهاب واحترام الاتفاقات الموقعة".
وستطعن إسرائيل على قبول "فلسطين" كدولة مراقب في الأمم المتحدة، زاعمة أن هذا القرار "جاء لاعتبارات سياسية وليس لاعتبارات موضوعية ذات علاقة بالقانون الدولي". وتدعي الوثيقة أن الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب جاء من قبل الهيئة العامة للأمم المتحدة، التي تمثل في الواقع "تجمعاً سياسياً لا يتصرف بالضرورة وفق اعتبارات القانون الدولي. ويتناقض هذا الطعن تحديداً مع الجهود الهائلة التي بذلتها إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة في محاولاتهما إقناع أكبر عدد من الدول في الهيئة العامة بعدم تأييد منح فلسطين مكانة دولة مراقب. وتوصي الوثيقة بممارسة ضغوط نفسية على هيئة المحكمة، وعلى وجه الخصوص على المدعية العامة لها المحامية فاتو بنسودا والتحذير من "مخاطر تآكل مصداقية" المحكمة في حال تعاطت مع الدعوى الفلسطينية. وحسب آيخنر، فقد قامت وزارة الخارجية بتزويد سفارات وممثليات إسرائيل في الخارج بصور عن الوثيقة، وطلبت منها الاتصال بممثلي الحكومات ووسائل الإعلام في مناطق تواجدها والاستناد إليها في التشكيك في شرعية اختصاص المحكمة في النظر في الدعوة الفلسطينية.
من جهته، قال أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، البرفسور يورام شاحر، إن إسرائيل مسؤولة عن المأزق الذي تواجهه حالياً، لأنها رفضت مواءمة خطواتها العسكرية والسياسية مع القانون الدولي.
وفي مقال نشرته صحيفة "هارتس"، في عددها الصادر الخميس الماضي، أشار شاحر إلى أن إسرائيل أهدرت منذ الإعلان عن تشكيل المحكمة، ثلاثة عشر عاماً كان يتوجب عليها خلالها "تجذير" عدم تجاوزها معايير القانون الدولي في جهدها الحربي وخطواتها السياسية، ولا سيما عندما يتعلق بالأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، محذراً من أن إسرائيل ستدفع ثمناً غالياً جراء عدم تعاطيها بجدية مع المحكمة الدولية. واعتبر شاحر أن فزع القيادة الإسرائيلية من المحكمة الجنائية الدولية "يدلل على الواقع البائس الذي انتهى إليه المشروع الصهيوني"، داعياً نخب الحكم لاستعادة زمام المبادرة "قبل أن يصبح الأمر مستحيلاً وينتهي الحلم الصهيوني إلى انتحار".
وفي السياق نفسه، قالت الكاتبة الإسرائيلية إلئيل شاحر إن "تعبير إسرائيل عن ارتياحها لاستقالة القاضي وليام شافيز من رئاسة لجنة التحقيق الدولية في جرائم الحرب، التي يشتبه في أن إسرائيل ارتكبتها خلال الحرب على غزة سابق لأوانه". وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" في عددها الصادر الخميس الماضي، أعادت شاحر للأذهان حقيقة أن اللجنة قد انتهت تقريباً من كتابة التقرير وبالتالي فإن الرئيس الجديد للجنة سيقدم التقرير ذاته، أو على الأقل سينطلق من المتعلقات التي استند في توصياته التي ستقدم لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وشددت شاحر على أنه لن يكون بوسع إسرائيل الطعن في نزاهة التقرير بحجة أن شافيز له دور في إعداده، على اعتبار أن شافيز قد استقال من منصبه.